لماذا يرتفع منسوب القلق من خطر الفوضى: هل الرهان خاطىء على “ضعف” الحزب؟!

الاستباحة “الاسرائيلية” للسيادة اللبنانية ليست مجرد عربدة او عمل “بلطجة” لدولة مارقة، بل هو جزء من استراتيجية تحاول حكومة الاحتلال اليمينية فرضها كامر واقع، يتجاوز الساحة اللبنانية الى المنطقة التي تريد اعادة تشكيلها، بما يخدم مصالحها الامنية والاستراتيجية، وهي تتماهى على نحو مقلق جدا مع سياسة اميركية، تتعامل مع الساحة اللبنانية باعتبارها جزءا من مستعمراتها الخارجية، التي تريد اعادة ترتيبها بعد “اضعاف” محور المقاومة، وفقا لاستراتيجية الرئيس الاميركي دونالد ترامب، التي تستعجل حرق المراحل دون الالتفات الى التداعيات التي يمكن ان تفجر البلد من الداخل.
وهو امر يقلق مرجعية سياسية كبيرة، لم تخف امام زوارها حجم المخاطر المحدقة بالفترة المقبلة ،التي قد تكون حبلى بمفاجآت تتدحرج معها الاحداث نحو الفوضى، التي قد يصعب لملمتها، خصوصا ان الرد الفعل الرسمي لمواجهة الضغوط الاميركية غائب على نحو مثير للقلق، ويجعل التدخل الاميركي دون كوابح، وهو يصبح اكثر وقاحة، بعد ان تحول الى املاءات، وباتت السلطة السياسية تخضع يوميا الى اختبار دم في الولاء للادارة الاميركية الجديدة، وهي اليوم امام اختبار فتح قنوات ديبلوماسية مع كيان الاحتلال، لنقاش خلافات حدودية لا تحتاج الا الى لجان فنية، لكن واشنطن تريدها الخطوة الاولى في طريق التطبيع.
والاكثر خطورة، ما يردده خصوم حزب الله في الداخل عن ان ذروة الضغوط لم تكتمل فصولها بعد، بل ستكون اقسى في المرحلة المقبلة على “المحور”، وسط توقعات بان يتم تنفيذ بروتوكول اضعاف ايران، واول الغيث رسالة الرئيس دونالد ترامب للنظام الايراني للشروع في حل 3 مسائل اساسية: الملف النووي، وملف الصواريخ الباليستية، وما تسميه واشنطن “اذرع” طهران في المنطقة، وبما ان واشنطن تتعامل مع ايران على اساس انها ضعفت في الاقليم بعد حربي غزة ولبنان، وسقوط النظام السوري، فالمتوقع برأي هؤلاء، سقوط الحلول الديبلوماسية، لتصبح العملية العسكرية امرا واقعا تغير معالم المنطقة، وتنعكس حكما على الساحة اللبنانية حيث سيصبح ربط اعادة الاعمار بنزع سلاح المقاومة امرا واقعا، لا يمكن لحزب الله التهرب منه.
في المقابل، فان “المذبحة “التي طالت العلويين والمسيحيين غرب سوريا، تعزز ارتفاع منسوب القلق لبنانيا، في خضم صرع اقليمي – دولي على سوريا بدأت مكونات المجتمع السوري تدفع ثمنه، ولن يكون لبنان خارج دائرة تأثيراته السلبية. فتركيا لا تخفي رغبتها في السيطرة على سورية من خلال النظام الجهادي الحاكم. في المقابل، لا ترغب “إسرائيل” بوجود تركي على الحدود في الجولان. التسوية بين الاكراد والادارة الجديدة لم تلغ بعد فكرة الإقليم الكردي شبه المستقل في شمال شرق سورية، بل تعزز من خلال الضغط الاميركي لاتمام اتفاق بسرعة مريبة وتوقيت غريب، تزامن مع مجازر الساحل، حيث احتفظ الاكراد بهيكليتهم العسكرية.
اما الروس، الذين يريدون الاحتفاظ بقواعدهم جنوبي اللاذقية وميناء طرطوس، فهذه القواعد مشلولة لأن سورية حظرت على الروس إجراء رحلات جوية في مجالها الجوي، والإبحار في مياهها الإقليمية. اما الدول العربية فعي تحاول ايجاد موطىء قدم في ظل هذه الزحمة، لكن يبقى تأثيرها محدودا في هذه المرحلة. فيما لم تستطع طهران حتى الآن استعادة التوازن المفقود في هذا البلد الاستراتيجي، حيث يريد كل اللاعبين استبعادها نهائيا من المشهد.
في خضم هذا الصراع، تمضي “اسرائيل” في خلق الوقائع، وقد وجه وزير الحرب ياسرائيل كاتس بالامس تحذيرا مباشرا لاحمد الشرع، وهدده باسقاط دمشق، ورسم له حدود سلطته ممنوع انتشار مسلحيه جنوبي دمشق، في وقت تسعى “إسرائيل” لخلق منظومة دفاعية من ثلاث مناطق أو مقاطع جغرافية. المقطع القريب من “إسرائيل” هو منطقة الفصل، حيث تبقي “إسرائيل” حضوراً غير محدد زمنياً، بما في ذلك جبل الشيخ السوري، الذي يسمح للرقابة على ما يجري في حوض دمشق والبقاع. قاطع الفصل، يمتد من قمة جبل الشيخ السوري حتى مثلث الحدود الأردن – سوريا – “إسرائيل” في الحمة. وما وراء منطقة الحراسة “منطقة النفوذ”، التي تحاذي طريق دمشق – السويداء شرقاً عرضها 65 كيلومتراً، وتتضمن تجمعات الدروز في جبل الدروز ، وعرباً سُنة معنيين بالعلاقة مع “إسرائيل”. عملياً، أصبحت المنطقة الدرزية حكماً ذاتياً في الحرب الأهلية، و “إسرائيل” تريد لها أن تبقى كذلك في المستقبل، كما تقول صحيفة “يديعوت احرنوت الاسرائيلية”، وسيتمكن الدروز من السويداء بالعمل داخل الاراضي المحتلة بدءا من 16 الجاري؟!.
اذا، “إسرائيل” لا تخفي إرادتها في أن تصبح سورية مقسمة، وسبق لترامب ان تحدث مع نتنياهو وطرح إمكان سيطرة “إسرائيلية” على سورية، اما بالنسبة للبنان فالعمل يبدو على “قدم وساق” لخلق مناخات تواكب التغييرات في سورية، لفرض شكل من اشكال التطبيع، والاستعجال في خلق وقائع، انطلاقا من مفهوم خاطىء بان حزب الله لم يعد في موقع يخوله الاعتراض او الوقوف في وجه ما تعتبره بعض القوى اللبنانية قضاء وقدرا اميركيا. لكن الاحداث الاخيرة، بحسب مصادر مقربة من الحزب، خصوصا في سورية، زادت قناعة قيادة حزب الله بصوابية استراتيجية الحفاظ على مكامن القوة الشعبية والعسكرية واعادة ترميمها، وهو لن يتخلى عن مهمة اسقاط اي مشروع يدخل البلد من الزمن “الاسرائيلي”، ولديه الادوات لفعل ذلك، وبات الحزب اكثر قناعة بان التخلي عن السلاح انتحار في ظل قانون الغابة السائد حاليا، وما حصل مع العلويين نموذج.
ابراهيم ناصر الدين- الديار