“آخر الدواء الكي”: واشنطن تحذر… ستون يوماً وإلا!
انها الزاوية الضيقة حتى حدود الاختناق

لم يبق أمام العهد الجديد المزيد من فترات السماح أو من فرص التأجيل والتشاطر بعدما استقر له الأمر دستورياً، وبات قادراً على الحكم وصنع القرارات والاضطلاع بالدور الذي يلبي شروط التعافي الاقتصادي والاصلاح والأمن الذاتي الشامل.
ولا يبدو في أروقة صانعي القرار، سواء في واشنطن أو دول الخليج، أن هناك اتجاهاً لتمديد ديبلوماسية المراوغة أو التردد في بيروت، في وقت وُضع الشرق الأوسط بكل أطرافه وتعقيداته وملفاته على نار حامية أشعلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأجّجها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في كل من لبنان وغزة وسوريا من دون أن يستثنيا ايران وطموحاتها النووية.
وليس من قبيل المصادفة أن تعلو أصوات في واشنطن تصل الى حدود منح لبنان ستين يوماً لتجريد “حزب الله” والميليشيات غير الشرعية من سلاحها، اذا أراد فعلاً الحصول على مساعدات عسكرية للجيش اللبناني ومالية لاعادة الاعمار، مؤكدة أنها لن تسمح بأي تساهل قد يسهم في اعادة الحياة الى ايران ومحور الممانعة في لبنان، وهو جو تردد صداه أيضاً في السعودية خلال لقاء الرئيس جوزاف عون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
ونقل عن مصدر ديبلوماسي أميركي أن ترامب لا يملك ترف الوقت، ولا يملك حلفاء ثابتين باستثناء تل أبيب، مشيراً الى أنه اتخذ قراراً حاسماً غير قابل للتعديل، وهو طي ملف غزة على الطريقة الأميركية أي تجريدها من حركة “حماس” وسلاحها وقادتها، وملف لبنان وتجريده من “حزب الله” وسلاحه، وملف ايران وتجريدها من أذرعها وروافدها النفطية ومن أي فرصة لانتاج قنبلة نووية.
وأضاف أن على لبنان أن يتحرك في شكل جدي لتطبيق القرار ١٥٥٩ سواء بتفاهم مع “حزب الله” أو بكباش معه لا فرق، مشيراً الى أن اسرائيل لن تنسحب من النقاط الخمس ما دام الشيخ نعيم قاسم يملك بندقية واحدة موجهة صوب الجليل، وأن قرشاً واحداً لن يدخل الى لبنان ما دامت الدولة اللبنانية لم تفرض سيادتها على الأرض وداخل الحكم، وما دامت ايران قادرة على اختراق الحدود البرية والجوية والتغلغل في الضاحية الجنوبية على مستوى المال والتدريب والتعبئة والقيادة.
وكشف المصدر، أن بلاده لن تسمح لايران بأن تفعل في لبنان ما تفعله في سوريا من خلال تحريك خلاياها وفلول بشار الأسد وعناصر من “حزب الله”، في محاولة لارباك حكم أحمد الشرع المدعوم من تركيا وخلق جو من الفوضى يمكن أن يفتح معابر من طهران الى بيروت عبر الأراضي السورية، مشيراً الى رصد تحركات سنية في الشمال تصب في احتمال الانخراط في الحرب السورية الى الحد الذي يمكن أن يقابل بتحركات شيعية أو علوية مضادة وجر البلاد الى حروب أهلية.
وانطلاقاً من هذا المشهد القاتم، يقر المصدر نفسه بأن الحكم الجديد في بيروت ليس في وضع يحسد عليه، فهو لا يلقى تجاوباً من “حزب الله” في ما يتعلق بنزع السلاح وفق القرار الرقم ١٧٠١، ولا يرغب بالتالي في الدخول معه في صراع عسكري، اضافة الى أنه لا يملك القدرة أو الرغبة في مقارعة الآلة العسكرية الاسرائيلية ولا المال والموارد الكافية لاعادة الاعمار وتحريك الاقتصاد، واستعادة الوضعية السيادية المطلوبة لاستجلاب المساعدات والاستثمارات.
الرئيس جوزاف عون العائد من الرياض والقاهرة أبلغ، وفق مصادر قريبة من قصر بعبدا، الى رئيسي الحكومة والبرلمان ما تبلغه في هذا الشأن، طالباً من الرئيس نبيه بري السعي الى اقناع الحزب بتطبيق القرار ١٧٠١ طوعاً واحتواء أي مبرر قد يدفع أميركا الى فرض حصار على لبنان يشبه الحصار المفروض على غزة والحوثيين والايرانيين، أو يشعل حرباً جديدة تقضي على ما تبقى من هذا البلد، أو تجر الى حرب مع الجيش أو مع أي فصيل متحدر من بيئة الحكم السني الجديد في سوريا.
وعلم أن بري الذي زاد الأمور تعقيداً في الأيام الماضية عندما رفض مقايضة السلاح بالمساعدات، تلقى معلومات تفيد بأن واشنطن ستتعامل مع محور الممانعة في لبنان على مرحلتين، الأولى من خلال عقوبات تفرضها على قادة من “حزب الله” ومؤسسات ومرافق حيوية، اضافة الى حلفاء له وأبرزهم بري نفسه، والثانية التدخل عسكرياً تحت شعار “وآخر الدواء الكي” معتبرة أنها مضطرة الى انجاز ما لم ينجزه الجيش اللبناني أو ما عجز عن انجازه.
وأكثر من ذلك، تردد أن رئيس الجمهورية حاول في الرياض تحييد الجيش عن أي عقوبات محتملة، مؤكداً أنه لا يستطيع الحكم من دون جيش متحفز ومكتمل عدة وعتاداً، وداعياً الى منحه المزيد من الوقت لعقد مؤتمر وطني يعالج موضوع السلاح غير الشرعي بعيداً من ميادين القتال.
لكن مصادر مطلعة على جولة عون العربية وعلى ما يتردد في الكونغرس الأميركي، ذكرت أن عون تلقى معلومات تفيد بأن عناصر في الجيش ومن رتب عالية، تسرّب معلومات الى “حزب الله” يستفيد منها لحماية ترساناته العسكرية التي لم يطاولها القصف الاسرائيلي، وتحديداً جنوب نهر الليطاني، اضافة الى نصائح من جهات عدة للتعجيل في بسط سلطة الجيش على كل الأراضي اللبنانية منعاً لانتقال الصراع الايراني – السوري والايراني – التركي والتركي – الاسرائيلي الى لبنان.
وسط هذا المشهد لا بد من السؤال: هل يبدو لبنان في وارد الأخذ بتحذيرات أميركا ونصائح العرب؟
الجواب لا يحتاج الى الكثير من التدقيق والتمحيص اذ إن كل الاجراءات التي اتخذها الحكم حتى الآن، لا تتعدى بياناً وزارياً هو أقرب الى التمنيات منه الى الاجراءات، ومواقف سياسية ووطنية تصدح في النهار وتختفي في الليل، الأمر الذي ولد انطباعاً في واشنطن بأن الرهان على “لبنان القوي” ليس في محله أو لا يزال مبكراً على الأقل، وأن المسؤولين اللبنانيين لا يملكون في مواجهة الشرق الأوسط الجديد غير الكلام والشعارات الهوائية.
لكن مصادر قريبة من القصر الرئاسي رفضت اتهام الدولة بالتخاذل أو بالتردد، قائلة ان الرئيس عون يرفض أن يتعامل مع “حزب الله” بالقوة العسكرية ويتعامل مع اسرائيل بالقوة الديبلوماسية، مخاطباً الأميركيين قائلاً: ساعدوني على انهاء الاحتلال الاسرائيلي في الجنوب وأنا الكفيل بسحب كل بندقية لا يحملها أي جندي في الجيش.
انها الزاوية الضيقة حتى حدود الاختناق، أي الزاوية التي تطلب من لبنان ما لا يقوى عليه لا طوعاً ولا قسراً، وتضعه في المكان الذي وُضع فيه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، أي المكان الذي خيّره فيه الأميركيون بين شراء السلام بحفنة من المعادن النادرة أو العودة الى بلاده عارياً حتى من أوراق التين.
انطوني جعجع- لبنان الكبير