لن تملّ ولن تكلّ: إيران ورهان العودة إلى سوريا…و“تصدير الثورة”!

أكثر من طبيعي سعي “الجمهوريّة الإسلاميّة” الإيرانية إلى العودة إلى سوريا والإمساك بها. يفسّر هذا السعي الإيراني الأحداث الخطيرة التي يشهدها الساحل السوري حيث الوجود العلويّ الكثيف.

بعد ثلاثة أشهر على رحيل نظام آل الأسد، تبيّن أن لا مشروع توسّعياً إيرانياً في المنطقة من دون سوريا. مثل هذا المشروع التوسّعي في أساس بقاء النظام الإيراني الذي أسّسه الخميني في عام 1979. لا حياة للنظام الإيراني، بشكله الحالي، في حال زوال المشروع التوسّعي الذي رفع شعار “تصدير الثورة”.

“تصدير الثورة” يعني إقامة ميليشيات مذهبية في لبنان والعراق واليمن ودعم النظام العلويّ الذي ورثه بشّار الأسد عن والده والذي عمّر من أواخر 1970، إلى أواخر 2024.

قضى سقوط النظام العلوي في سوريا على “الهلال الشيعي”، بالمعنيَيْن السياسي والعسكري. ربط “الهلال الشيعي”، الذي كان أوّل من تحدّث عنه بجرأة، ليس بعدها جرأة، الملك عبدالله الثاني، بين طهران وبغداد ودمشق وبيروت. كان ذلك في حديث إلى صحيفة “واشنطن بوست” في تشرين الأوّل 2004، أي منذ ما يزيد على 21 عاماً.

العراق… حصن إيران الأخير

من دون السيطرة على سوريا، لا وجود إيرانيّاً في لبنان. في غياب هذه السيطرة، سيتوجّب على “الجمهوريّة الإسلاميّة” الدفاع عن حصنها الأخير في العراق. هذا ما يفسّر ذلك الإصرار الإيراني على الإمساك أكثر بالعراق وبحكومة محمّد شيّاع السوداني المدافع الشرس عن ميليشيات “الحشد الشعبي” والمعادي للرئيس السوري الجديد أحمد الشرع.

أغلق أحمد الشرع، بشكل كامل تقريباً، طرقات تهريب السلاح والأموال إلى لبنان، أي إلى “الحزب”، وطرقات تهريب المخدّرات من لبنان إلى دول الخليج العربي، عبر الأراضي والموانئ السوريّة. كذلك وضع الشرع حدّاً لتهريب السلاح والمخدّرات إلى الأردن ودول الخليج. أدّى ذلك إلى شبه قطيعة بين دمشق وبغداد وتعبئة عراقية معادية للتغيير الكبير في سوريا. بالنسبة إلى الجناح السياسي والميليشيويّ المؤيّد لإيران في العراق، ليس الرئيس السوري الجديد سوى “إرهابي يلبس ربطة عنق”.

إذا أخذنا في الاعتبار أن لا مستقبل لـ”الحزب” في لبنان والمنطقة، من دون الوجود الإيراني المهيمن في سوريا، يمكن استيعاب تلك الهجمة التي تقوم بها “الجمهوريّة الإسلاميّة”، مباشرة وعبر العراق من أجل العودة إلى دمشق. كذلك يمكن فهم التوتّر في العلاقات الإيرانية – التركية في ضوء الدور الذي لعبته أنقرة في حصول التغيير السوري.

كان في العاصمة السوريّة والمناطق القريبة منها نحو مليون وربع مليون علويّ انتقلوا مع عائلاتهم إلى دمشق وضواحيها. ومع الوقت كان عدد هؤلاء يزداد، خصوصاً منذ اندلاع الثورة الشعبية في سوريا في مثل هذه الأيام قبل 14 عاماً. كان الهدف الذي عمل من أجله النظام، بدعم إيرانيّ مباشر، تكريس واقع ديمغرافيّ جديد في دمشق وريفها.

مع فرار بشّار الأسد إلى موسكو في الثامن من كانون الأوّل 2024، هبط عدد العلويين في دمشق ومحيطها إلى ما بين 300 ألف و400 ألف. حصلت هجرة مضادّة في اتّجاه ريف حمص وريف حماة وجبال العلويين والساحل السوري. تعكس هذه الهجرة الفشل الذريع للمشروع الإيراني في سوريا التي عادت إلى حكم الأكثريّة السنّية للمرّة الأولى منذ الانقلاب العسكري العلويّ الذي نفّذه الضابطان صلاح جديد وحافظ الأسد في 23 شباط 1966.

ترفض “الجمهوريّة الإسلاميّة” التصديق أنّ سوريا صارت في مكان آخر. يؤكّد ذلك الكلامُ الصادرُ عن كبار المسؤولين الإيرانيين، بدءاً بـ”المرشد” علي خامنئي. يراهن المسؤولون الإيرانيون على حصول تغيير في سوريا من منطلق أنّ النظام الجديد لن يستمرّ طويلاً. يمكن لمثل هذا الرهان أن يكون في محلّه. يعود ذلك لسببين على الأقلّ:

*الإدارة السورية الجديدة ارتكبت أخطاء عدّة. بين هذه الأخطاء تسريح أفراد الجيش السوري. خلق ذلك آلاف العاطلين عن العمل. معظم هؤلاء من الجنود والضبّاط العلويّين الذين باتوا مستعدّين للّجوء إلى العنف والإرهاب بعدما فقدوا كلّ الامتيازات التي كانوا يتمتّعون بها، بما في ذلك الراتب المضمون والسيّارة والمنزل.

*الموقف الأميركي الذي يمنع دولاً عربيّة من تقديم مساعدات لسوريا في الوقت الحاضر. لم تتّخذ الإدارة الأميركية، أقلّه إلى الآن، موقفاً واضحاً من التغيير الذي حصل في سوريا. قد يكون مردّ ذلك إلى أنّ إسرائيل تعمل منذ سقوط بشّار على خطّة تصبّ في تقسيم سوريا وتفتيتها والانتهاء من أيّ وجود لقوّة عسكرية ذات شأن في هذا البلد.

تفتيت سوريا… هدف إسرائيليّ

في انتظار تبلور الموقف الأميركي الواضح من سوريا، ستحاول إيران العودة إلى دمشق. إذا لم تتمكّن من استعادة دمشق نفسها، ستحاول استيعاب العلويين عبر إعادة تنظيم صفوفهم في مناطقهم. ستعمل في الوقت ذاته على الاستفادة من الموقف الإسرائيلي المتذبذب الذي يستهدف منع قيام نظام مركزي في سوريا. الهدف الإسرائيلي في نهاية المطاف تفتيت سوريا. هذا ما يفسّر (الد عبر عم) الدعم الذي قدّمته الدولة العبريّة في كلّ وقت للنظام العلوي الذي لعب طوال ما يزيد على نصف قرن الدور المطلوب منه إسرائيلياً.

الأكيد أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” لن تملّ ولن تكلّ. ستحاول العودة إلى سوريا بطريقة أو بأخرى مستفيدة من كلّ الثغرات، بما في ذلك الأخطاء التي يرتكبها النظام الجديد. لا يمتلك القيّمون على هذا النظام خبرة في إدارة مؤسّسات الدولة. اكتشف كلّ من احتكّ بهم أنّ لا خبرة لهم في هذا المجال.

استثمرت إيران مليارات الدولارات في هذا البلد، الذي من دون السيطرة عليه، سيبحث النظام الإيراني عن طريقة أخرى للمحافظة على نفسه. قد يكون ذلك بالاستسلام الإيراني أمام إدارة دونالد ترامب، وقد يكون أيضاً بالاستفادة من توجّه إسرائيلي إلى التشجيع على تفتيت سوريا بدءاً بقيام دولة في جبال العلويين وجزء من الساحل السوري… إضافة في طبيعة الحال إلى تحقيق اختراقات في الجنوب السوري.

خير الله خير الله- اساس

مقالات ذات صلة