التّعيينات الشّيعيّة بيد برّي أم “الشريك المضارب” “الثّنائيّ” الجديد؟

للمرّة الأولى منذ البدء بتطبيق اتّفاق الطائف يختبر الرئيس نبيه برّي “شريكاً” مضارباً له في مسألة التعيينات الأمنيّة، والماليّة، والإدارية، والقضائية، والدبلوماسية. تُختصر هذه الشراكة بـ”ثنائيّ” رئيسَي الجمهورية والحكومة، والتتويج في مجلس الوزراء. كان لافتاً استباق رئاسة الجمهورية زيارة رئيس مجلس النواب قصر بعبدا أمس، وفي ذروة طبخة التعيينات، نشر موقفٍ واضحٍ على منصّة “إكس”، باعتبار “مجلس الوزراء يملك مرجعية القرار، وليس الأحزاب ولا الطوائف. نحن هنا لاتّخاذ القرارات، وليس للتعطيل، ونحن تحت أنظار الجميع”.
وفق معلومات “أساس”، انتقل برّي إلى القصر الجمهوري أمس حاملاً اسماً واحداً لمديرية الأمن العامّ، فيما عمّمت مصادر القصر الجمهوري بأنّ أجواء اللقاء بين برّي وعون كانت جيدة. وجرى التشاور في لائحة الأسماء الشيعية الأساسية التي سيشملها التعيين في قيادة الجيش، وصولاً إلى اسم المدير العامّ للإدارة في المجلس العسكري.
تبدو فعليّاً اليوم رئاستا الجمهورية والحكومة و128 نائباً و24 وزيراً أمام “لجنة فاحصة” خارجية. بات الكلام يُقال بشكلٍ مباشر من دون مواربة. وأوّل الاستحقاقات نجاح “التلاميذ” في امتحان التعيينات أمام “اللجنة”، قبل الغوص تدريجاً في امتحان الإصلاحات التي أخذت عناوينها، وترتيبها وفق الأولويّات، واللائحة التفصيلية فيها تبعاً لكلّ وزارة، حيّزاً من النقاش في جلسة الخميس.
يَجدُر هنا تمييز التعيينات التي لا تخضع لأيّ آليّة، كالتعيينات في المراكز الأمنيّة والعسكرية وحاكمية مصرف لبنان وأعضاء الهيئات الناظمة، التي يُفترض كما دَرجت العادة أن تخضع للتوافق السياسي.
برّي “وقرار التّوظيف”
هنا تُطرح علامات استفهام كبيرة عن مدى حصول هذا التوافق، وهل يحصل تضارب في التوجّهات بين رئيسَي الجمهورية والحكومة أوّلاً، أو بين “الرئاستَين” والأحزاب والمرجعيات الكبرى، كالرئيس برّي الذي لا يزال يتحكّم بقرار “التوظيف”، من أكبر منصب إلى أصغره في الإدارات، وهو خلاف ما يحصل مثلاً على الساحة السنّيّة المتعدّدة المرجعيّات، وآخر “الوافدين” إليها الرئيس نوّاف سلام، أو الساحة المسيحية المُتعدّدة الأقطاب. إضافة إلى “تغلغل” نواب التغيير بين مفاصل هذه المرجعيات، باستثناء الملعب الشيعي. أمّا التعيينات الإدارية فستخضع حتماً لآليّة يجري نقاشها راهناً وَصَفها سلام بـ”الشفّافة”، ومن ضمن أركانها مجلس الخدمة المدنية ووزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية.
تتركّز عمليّاً أنظار “الثنائي”، ومن ضمنه “الحزب” الذي بات يُجاهر علناً، وللمرّة الأولى من ضمن أدبيّاته السياسية، بالقول إنّه يريد الانخراط في لعبة الداخل والمشاركة في كلّ القرارات، على المواقع الشيعية الأساسية التي ستشملها التعيينات، وهي، إلى موقع المدير العامّ للأمن العام: المدير العامّ لوزارة الشؤون الاجتماعية، المدير العامّ للتعليم المهني والتقني، المدير العامّ للمغتربين، رئيس المجلس الأعلى للجمارك، المدّعي العامّ الماليّ (يُحال القاضي علي إبراهيم إلى التقاعد في 14 نيسان بعد قبول المجلس الدستوري الطعن بالتمديد له)، محافظ النبطية، رئيس مجلس إدارة شركة “أنترا”، النائب الأوّل لحاكم مصرف لبنان ونائب رئيس مجلس الإنماء والإعمار.
تعيينات أمنيّة الأسبوع المقبل
وفق معلومات “أساس”، كان القرار متّخذاً سلفاً بعدم الركون إلى إقرار أيّ تعيين يوم الخميس، على الرغم من حَسم اسم قائد الجيش الجديد، وذلك إلى حين حصول اللقاء بين برّي وعون، وحسم كلّ الأسماء في شأن قادة الأجهزة الأمنيّة.
تفيد المعلومات بأنّ جلسة مجلس الوزراء ستشهد الأسبوع المقبل إقرار التعيينات الأمنيّة والعسكرية، من دون أن يتم حسم إذا كانت ستشمل المواقع الشاغرة فقط (جيش، أمن عامّ)، أو الضبّاط الذين يشغلون مواقعهم بالأصالة (أمن دولة، قوى أمن داخلي). وستخضع لاتّفاق مسبق، وإلّا يمكن أن يتعرقل انعقاد الجلسة، أو يلتئم مجلس الوزراء ويتمّ اللجوء إلى التصويت. كان لافتاً، في هذا السياق، قول وزير الإعلام بعد جلسة الحكومة: “التعيينات الأمنيّة ستخضع أيضاً لمعايير. هناك خصوصيّات في بعض الأسلاك، لكنّها ليست متفلّتة من المعايير”.
مشروع مُشكل؟
في المرحلة الثانية، سيتمّ إقرار التعيينات المالية وعلى رأسها منصب حاكم مصرف لبنان، وتعيين أعضاء الهيئات الناظمة (طرح عدّة وزراء في الحكومة ضرورة إقرارها بأسرع وقت ممكن)، وجميع هذه المواقع لا تخضع لأيّ آليّة. على أن يبدأ بعدها، تدريجاً، إقرار التعيينات الإدارية في الوزارات والمؤسّسات والإدارات العامّة.
حتى الآن، لا تبدو الحكومة مستعجلة لإقرار التعيينات الإدارية، قبل أن تتّضح آليّتها، وتنزع الألغام السياسية من أمامها، حيث تشهد الحكومات المتعاقبة على إخفاقات فظيعة في سياق محاولات اعتماد “الآليّات الشفّافة” في التعيين.
باختصار يمكن القول إنّ ورشة التعيينات، بما في ذلك، إقرار التشكيلات الدبلوماسية والقضائية، وتعيين المواقع الرفيعة الشاغرة في القضاء، لن تشكّل نزهة لأهل السلطة، بل “مشروع مشكل”.
السفراء خارج الملاك
في المقابل، ستتركّز الأنظار على “الخلفيّة” التي ستحكم لاحقاً “توزيعة” السفراء الستّة من خارج الملاك، الذين طُلب منهم تصريف الأعمال بدءاً من التاسع من الجاري ريثما يتمّ تعيين بدلاء عنهم، ويتوزّعون حالياً على الدول الآتية: فرنسا، السعودية، الإمارات، ألمانيا، الجزائر، فنزويلا. ودأبت الحكومات على اعتماد “التنفيعة” السياسية، على أساس المحاصصة، في تعيين هؤلاء السفراء.
رسوم الكحول؟
على خطّ آخر، عكست مداولات الجلسة الأولى لمجلس الوزراء واقع أنّ الاحتكاكات بين الوزراء أنفسهم ستكون من المسلّمات. فخلال اعتراض وزيرَي العدل والصناعة عادل نصّار وجو عيسى الخوري خلال مناقشة الموازنة، على رفع الرسوم على الكحول، اتّهم نصّار وزيرة البيئة تمارا الزين بالمزايدة عليه، وذلك بعدما شدّدت الزين، المحسوبة من حصّة الرئيس برّي في الحكومة، على ضرورة أخذ قرارات كثيرة حتى لو لم تتّسم بالشعبوية، فيما رفض الوزيران نصّار والخوري رفع الرسوم على الكحول.
من جهته، تبنّى رئيس الجمهورية موقف وزيرة البيئة، قائلاً: “يجب أن نقلّع بالشغل، وما لازم ناخد الأمور بشعبوية، ولنفعل ذلك على رأس السطح”.
ذهب الرئيس عون أبعد من ذلك بقوله: “التقيت قضاة، وسألتهم لماذا لم تصدروا قرارات في شأن بعض القضايا، فردّوا بالقول: “قراراتنا لن تكون شعبوية”. هذا أمر مرفوض، وعلى القضاة كسر كلّ المحاذير”.
ملاك عقيل- اساس