مسارٍ منتظم نحو السقوط: مستشفى رفيق الحريري…لا مرضى ولا مستلزمات!

قبل أيام، أعلن طلاب الطبّ المقيمون والمتمرنون في مستشفى رفيق الحريري الجامعي التوقف عن العمل، ليس اعتراضاً على تدني بدلات الأتعاب، بل لأنهم لا يجدون ما يفعلونه في المستشفى، حيث لا مستلزمات طبية… ولا مرضى!

وفي هذا مؤشر إلى الحال التي وصل إليها هذا المستشفى الذي صُمّم ليكون الصرح الاستشفائي الحكومي الأول في لبنان، ما دفع بالطلاب ممن يكملون تدريباتهم في المستشفى، إلى التوقّف عن العمل، والتحرك لدى إدارة كلية العلوم الطبية في الجامعة لإيجاد حلولٍ تنقذ سنوات دراستهم من الانهيار.

وفي هذا السياق، التقت عميدة الكلية سعدى علامة إدارة المستشفى أمس لمناقشة الأمر واستلحاق الفترة التدريبية من الطلاب أو العمل على تعويضها في مكانٍ آخر.

وقال رئيس برنامج الزمالة والإقامة في الكلية الدكتور حسين عيسى إن الأمر الواقع فرض العمل على إيجاد حلّ طارئ بتحويل الطلاب إلى مستشفى آخر، وإمهال مستشفى الحريري أربعة أشهر لحل الأزمة وإجراء الإصلاحات اللازمة. وفيما يؤكد عيسى أن إدارة المستشفى «وعدتنا خيراً»، شكّكت مصادر في المستشفى في «أن تصلح أربعة أشهر ما أفسده الدهر».

ومع أن هذه ليست المرة الأولى التي يتّخذ فيها طلاب «اللبنانية» قراراً كهذا، لكنها تبدو المرة الأصعب، خصوصاً أن هذه الفترة من حياتهم الدراسية هي الأهم. فهذا التدريب أول اختبار فعلي لعملهم كأطباء وليس كطلاب، وقد كانت صدمتهم بيومياتهم في مستشفى الحريري الجامعي كبيرة، حيث وجدوا أنفسهم في بعض الأحيان «مضطرين إلى شراء سيرنجات syringe على حسابنا»! يقول أحد الطلاب.

إلا أن صدمة الطلاب لم تكن مفاجئة تماماً. فالمستشفى يتّجه منذ سنوات بمسارٍ منتظم نحو السقوط. والسؤال: من الذي أوصل المستشفى الحكومي الجامعي الأول في لبنان إلى هذا الحد؟

عندما أُنشئ مستشفى رفيق الحريري الجامعي، كان التصوّر بأن يصبح أول صرح استشفائي حكومي، إن لناحية قدرته الاستيعابية أو لناحية تجهيزاته وقدرته على منافسة المستشفيات الخاصة التي تُصنّف كـ«5 نجوم».

وفي بداية مساره، استحال هذا التصور واقعاً، مع الخدمات النوعية التي كان يقدّمها، ولا سيما في مجال العمليات الجراحية، إلا أن الأمر لم يستمرّ طويلاً، قبل أن يبدأ الانهيار مع تحوّل المستشفى من مؤسسة عامة إلى «شركة»، ومع تعطيل عمل مجلس الإدارة واعتماد مبدأ التعيين الطائفي – السياسي في المجلس وفي الدوائر والمراكز الأساسية من دون اعتبار لمعيار الكفاءة، ما أدى إلى شغور طويل في بعض المراكز بانتظار التوافق السياسي، ناهيك عن التوظيف العشوائي.

استمر المسار الانحداري حتى جاءت الأزمة المالية لتزيد من الطين بلّة، قبل أن يبدأ السقوط المدوّي منذ عدّة أشهر، حيث يعاني المستشفى من أزمة حادّة ونقص في المستلزمات الطبية، ومنها مواد كثيرة لمختبر الدم، وتعطل بعض ماكينات التصوير والعلاج، وفقدان بعض الأدوية ومنها أدوية الالتهابات.

وقد انعكست هذه الأزمة على حالة المرضى والأطباء، ومنهم طلاب الطب الذين يتابعون تدريباتهم في المستشفى، وتحديداً طلاب الطب الداخلي، إذ إن مرضى هؤلاء غالباً ما يحتاجون إلى الكثير من الفحوص والأدوية لكون مدة إقامتهم أطول مثلاً. وهذا هو الجوهر الأساسي، إذ تشير المصادر إلى أن ما يُفقد من مستلزمات يبقى مفقوداً ولا يعوّض لأن ثمة مافيا تبدأ بالموزّعين ومستوردي المستلزمات ومعامل الأمصال ولا تنتهي بعاملين في المستشفى نفسه.

في الجزء الأول من التركيبة، يأتي موزعو المستلزمات والأدوية والأمصال الذين فرضوا معادلة الدفع «كاش» وإلا لا بضاعة. واليوم، يخضع المستشفى لابتزاز هؤلاء، خلافاً لما يفرضه السياق القانوني، الذي يشير بديهياً إلى أن تسديد المستحقات يأتي بعد التدقيق في البضاعة والفواتير.

لكنّ المسار في مستشفى الحريري يجري عكس التيار، حيث يطلب هؤلاء الدفع «على بياض» قبل التسليم، علماً أن المستشفى اليوم يعاني من قلّة الموارد المالية التي كانت تأتي إما من المنظمات الدولية عن السوريين الذين كانوا يطبّبون في المستشفى أو من مساهمة الصليب الأحمر التي تراجعت إلى أقل من النصف، أو من الدولة التي «لم نرَها منذ نحو سبع سنوات، ومن المستحقات في ذمة وزارة الصحة التي تتأخر في الدفع».

وإلى هؤلاء تضاف «مافيا» من بعض رؤساء المصالح والدوائر والعاملين الذين أكملوا الطريق نحو السقوط. وبسبب هذه التراكمات من الأطراف كلها، تحوّل المستشفى إلى مستوصف يعمل اليوم في أحسن حالاته بـ100 سرير من أصل قدرة استيعابية تصل إلى 480 سريراً.

الاخبار

مقالات ذات صلة