المشهد السياسي والأمنيّ المقبل لن يكون سلساً: إسرائيل تخوض معركة تطبيع خاسرة!

في ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأولى، أعلن صفقة القرن، فبدأ الحديث عن سلام آتٍ لا محالة إلى المنطقة. السنوات التي مرّت جعلت هذا الملفّ يختمر بالدم والنار، عبر الحرب المدمّرة التي خاضتها إسرائيل في غزّة ثمّ في لبنان.

على الرغم من أنّ المملكة العربية السعودية تتقدّم اليوم المشهد العربي الذي يرفض توقيع اتّفاق سلام أو تطبيع مع إسرائيل إلّا بإقرار حلّ الدولتين، تعمل إسرائيل ومعها حليفتها الأولى أميركا بشكل جدّي جدّاً على تطبيع العلاقات أوّلاً بين تل أبيب وكلّ من بيروت ودمشق بصفتهما من دول الطوق. وعليه، ينتظر لبنانَ ملفٌّ حسّاسٌ سيتعيّن التعامل معه بشكل دقيق جدّاً. فلبنان الرسمي والشعبي بعيد كلّ البعد عن أيّ شكل من أشكال تطبيع العلاقات مع إسرائيل، على الرغم من موافقته على اتّفاق أقرّ هدنة طويلة، إن لم تكن شبه دائمة، على حدوده.

قال المبعوث الأميركي الخاصّ لدى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف إنّ لبنان وسوريا على طريق تطبيع العلاقات مع إسرائيل. كلام ويتكوف هذا ليس رأياً شخصيّاً بطبيعة الحال. مصادر دبلوماسية قالت لـ”أساس” إنّ هذا الكلام الذي صدر مباشرة من ويتكوف يتقاطع مع الخطوات التي تقوم بها إسرائيل في كلّ من جنوب لبنان وجنوب سوريا.

لا تزال إسرائيل تحتلّ 7 أراضي لبنانية، بالإضافة إلى دخولها الأراضي السورية جنوباً. ومن خلال هذا تريد تل أبيب أن تجمع أوراق ضغط قدر المستطاع على كلّ من لبنان وسوريا للتوصّل إلى تفاوض على تطبيع العلاقات.

عليه، تقول المصادر الدبلوماسية الغربية لـ”أساس” إنّ الإشكالية المتعلّقة بالحدود الدولية بين لبنان وسوريا وإسرائيل لن تحلّ قبل التوصّل إلى تفاهم على مستقبل هذه الحدود، بما يعني ضمان سلام طويل الأمد. وتضيف المصادر الدبلوماسية أن عنوان التطبيع قد لا يكون سوى “فزاعة” في ضمان أمن إسرائيل على حدودها من الجهة اللبنانية والسورية.

محاربة اليونيفيل في الجنوب

بالإضافة إلى 13 نقطة حدودية بين لبنان وإسرائيل، هناك 7 نقاط داخلية محتلّة، ومزارع شبعا التي ستعلن سوريا أنّها من حقّها. ولذا إسرائيل ستسعى إلى إجراء مفاوضات مباشرة عبر الأميركيين، لتحقيق ثلاثة أهداف:

– أوّلاً: إفهام لبنان أن لا انسحاب إلا وفق شروط إسرائيلية تؤمّن مستقبل الحدود.

– ثانياً: العمل على الحدّ من صلاحية ودور لجنة المراقبة الدولية في تطبيق وقف إطلاق للنار، لأنّ دورها لا يفيد مصلحة إسرائيل.

– ثالثاً: الحدّ من دور قوات اليونيفيل، وصولاً إلى إنهاء وجودها في الجنوب، وذلك تحت عنوان انتفاء حالة النزاع، وهكذا تصبح إسرائيل صاحبة اليد الطولى في المنطقة، ومتحكّمة بأوضاع الحدود مع لبنان وسوريا. بما فيه مصلحة أمنها لا سيما وأنّ أولويتها في هذه المرحلة هي أمنية بامتياز.

لبنان لم يتبلّغ أيّ مقترح

تقول مصادر رفيعة لـ”أساس” إنّ رؤساء الجمهورية والحكومة ومجلس النواب لم يتبلّغوا أيّ خبر أو اقتراح من الأميركيين حول التطبيع. وتؤكّد المصادر أنّ الرؤساء يرفضون هذه المحاولة، ويعتبرون أنّ بقاء إسرائيل داخل لبنان يُضعف موقفه الرسمي الذي أشار إليه رئيس الجمهورية في خطاب القسم.

في المقابل، أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بياناً قالت فيه إنّها تقف إلى جانب لبنان في ما يتّصل بضرورة انسحاب إسرائيل من أراضيه، وإنّ اتّفاق وقف إطلاق النار شدّد على الانسحاب الكامل، حتى من النقاط العالقة.

بين ضغط تل أبيب على الرئيس السوري أحمد الشرع باحتلال جنوب سوريا، والضغط على لبنان الرسمي باحتلال الجنوب، لن يكون المشهد سهلاً في مواجهة هذا الواقع. فمن جهة أصبح معلوماً أنّ لبنان تحت وصاية دولية عرّابتها الولايات المتحدة. ومعروف أنّ الرؤساء الثلاثة حريصون على عدم التصادم مع المجتمع الدولي للحصول على الدعم المطلوب لنهضة البلد.

لكن في المقابل يصعب بل يستحيل على لبنان أن يرضخ لأوراق قوّة إسرائيل في التطبيع. لذلك تشير كلّ المعلومات إلى أنّ المشهد السياسي والأمنيّ المقبل على لبنان لن يكون سلساً. وبالتالي قد لا يجد لبنان نفسه سوى أمام التسليم باقرار الهدنة الطويلة الأمد. لأنه في المقابل، أيّ احتلال إسرائيليّ لن يكون سوى عامل إضافي لترسيخ سرديّة المقاومة مجدّداً.

جوزفين ديب- اساس

مقالات ذات صلة