الفيدرالية شُيّعت الأحد: لبنان لن يوقّع… و“الحزب” لن يسلم سلاحه!

في زمن التحولات الكبرى، حيث لم يعد هناك من مستحيل، بدأ الحديث همساً عن إمكان دخول لبنان إلى اتفاق “أبراهام AA”، الذي تم توقيعه في البيت الأبيض في ١٥ أيلول عام ٢٠٢٠، بين الامارات والبحرين مع إسرائيل برعاية أميركية في عهد رئاسة دونالد ترامب الأولى، على أن تنضم إليه دول خليجية أخرى وفي مقدمها السعودية، التي اشترطت حل الدولتين، لكن حرب “طوفان الأقصى” فرملت العملية.

ترامب في نسخته الثانية أحيا الاتفاق، ووضع خطة لشرق أوسط جديد، يرتكز على السلام، ولو بالقوة ورغماً عن الدول الرافضة (فرض السلام والاستقرار) من خلال سياسته التي تعتمد على “العصا والعصا”، فهل دخول لبنان المدار الاميركي، يعني الوصول حتماً إلى توقيع السلام الابراهيمي؟

يكشف مصدر ديبلوماسي رفيع أن الكلام الأميركي الذي سمع في لبنان على لسان المسؤولين الذين زاروا لبنان يقول الآتي: ان المنطقة ذاهبة إلى التطبيع مع اسرائيل، فإذا وقعت السعودية ووقعت سوريا، فما الذي ينقص لبنان ليرفض التوقيع؟ وكانت الاجابة التي حصلوا عليها: لا يمكن للبنان أن يوقع سلاماً مع العدو طالما هناك أراضٍ محتلة، عندما يتم تحرير كامل الأراضي اللبنانية، والاتفاق على ترسيم الحدود البرية وحل كل النزاعات بما فيها مزارع شبعا، مستعدون لنقاش الأمر بالصيغة التي يعتمدها العرب، و”اتفاقية أبراهام” لا يمكن أن تصمد طالما لا حل للقضية الفلسطينية ضمن دولة مستقلة، لأن كل عشر سنوات ستبرز حركة مقاومة للاحتلال، ضد الظلم والاضطهاد والطريق الوحيد لنجاح الاتفاقية هو حل الدولتين وإعطاء الفلسطينيين حقهم بالدولة المستقلة وعاصمتها القدس.

هذا الجواب تبلغه الموفد الأميركي السابق آموس هوكشتاين، لكن الموفد الأميركي الجديد المعين من ترامب ستيف ويتكوف تبين أنه لا يتبع الأسلوب نفسه، فالادارة الجديدة تريد التوقيع بالقوة وتضع شروط: لا إعمار قبل نزع سلاح “حزب الله”، لا إعمار قبل توقيع السلام، وانكشفت النوايا الأميركية بشكل جلي مع تصريحه قبل ساعات، بأن لبنان وسوريا سيلحقان بقطار التطبيع وهناك متغيرات عميقة في المنطقة ولبنان يمكن أن يتحرك وينضم الى “اتفاقية أبراهام”.

ويرى المصدر أن الأميركيين يمسكون اللبنانيين من اليد التي توجعهم، ولبنان يجب أن يكون حاسماً في موضوع التفاوض مع اسرائيل ولا يمكن أن يقبل بأي عرض من دون تحرير آخر شبر من أراضيه هذا أولاً بحسب المصدر. ثانياً: ان ضمان أمن إسرائيل لا أحد يعطيه سوى الدولة اللبنانية عبر ضبط حدودها وضبط السلاح جنوب الليطاني وانتشار الجيش، وقبوله مراقبة دولية للحدود اللبنانية الاسرائيلية. ثالثاً: هل لبنان مستعد لأن يكون مثله مثل العرب في ما خص التطبيع مع إسرائيل؟ الجواب: يمكن برأي المصدر إذا كانت هذه الخطوة ضمن مبادرة عربية مقبولة من جميع الدول العربية، تناقش وتقر في جامعة الدول العربية. ومصير لبنان مرتبط بمصير الدول العربية بما خص التفاوض والتطبيع مع إسرائيل.

وهنا نسأل المصدر: لماذا تعتقدون أن الطائفة الشيعية ستقبل بهذا الواقع؟ فيجيب: ان الكلمة الفصل والنهائية بما خص العلاقة مع إسرائيل ستكون للشيعة، بما أنهم الطائفة التي عانت وضحت وخسرت واستشهد أبناؤها، ودمرت بلداتها، جراء العدوان، لذلك العين على ما سيقرر الرئيس نبيه بري و”حزب الله” في هذا الخصوص، وحتى الآن هذا الأمر هو من سابع المستحيلات، وأقصى ما يمكن تحقيقه مع العدو بالنسبة الى المقاومة هو هدنة ضمن تموضع جديد يؤدي إلى فرض السلام بطريقة مقبولة، بمعنى آخر، لا توقيع سلام إنما هدنة على قاعدة: “أنتم في دياركم ونحن في ديارنا”.

حتى لو ذهب كل العالم العربي والاسلامي، الثنائي لن يقبل التوقيع، يقول المصدر، والخصوصية الشيعية تبلغها الأميركي، ولم يحدد موقفاً منها بعد.

وعما إذا كان التطبيع مع لبنان يتحقق بعد تقسيمه لفيدراليات، يقول المصدر: ان الفيدرالية أصبحت وراءنا ومنظّروها شاهدوا بأم العين كيف تم تشييعها يوم الأحد في ٢٣ شباط، فالأميركيون اعترفوا بأن تحالف الأقليات فشل، ثم إن العالم يسير نحو الانفتاح وليس نحو التقوقع، والسياسة الأميركية الجديدة تعمل على إدخال “الفكر” الأيديولوجي إلى الحكم، ليذوب فيه. وبالنسبة اليهم هكذا تنتهي قدسية المقاومات، لكن هذا لا يعني أنهم سينجحون في هذا المخطط، الذي أدخلوا فيه عامل التأثير الايراني على الطائفة من خلال مد جسور التواصل معها، فهل الايراني مستعد؟ وهل ينجح في الضغط من أجل القبول، بعد كل هذه المتغيرات والنقمة لدى بعض من في الطائفة على طهران، باعتبار أنها خذلتهم في الحرب وسمحت باغتيال السيد نصر الله أو أقله لم يرتقِ ردها إلى مستوى موقع السيد؟ وماذا عن الدولة العميقة في كل الدول التي تهتم بوضع قدمها في المنطقة ولن تسمح باستفراد الأميركيين فيها؟ فهل ستتقاطع مصلحتها، أم ستشارك في إحباط المشروع؟ من هنا يقول المصدر ان بعض القيادات مدرك لأهمية توحيد اللغة والموقف في الداخل، لاسترجاع الأراضي وضبط الحدود على المقلبين الاسرائيلي والسوري، ووضع كيان لبنان فوق كل الأولويات، والعمل على تطبيق اتفاق الطائف بكامل بنوده، هكذا فقط يحمي لبنان نفسه، خصوصاً بعدما سقطت سياسة مواجهة الطائفة الشيعية من الداخل، واعتراض الخارج وفي مقدمته المملكة، التي كبحت الجموح القواتي، وأوصلت الرسالة أننا لسنا في مواجهة مع أحد ويجب اعتماد الحوار الذي يبني ولا يفرق. ويختم المصدر: ان لبنان كما المنطقة ذاهب باتجاه تسويات (compromises)، وكل ما يحصل الآن هو مخاضها قبل الوصول الحتمي اليها.

هذه المعطيات يناقضها مصدر سياسي رفيع في “الثنائي”، ويؤكد أن “حزب الله” لن يسلم سلاحه طالما هناك شبر من الأراضي اللبنانية محتل، بعدها لدينا استعداد لبحث استراتيجية دفاعية، فالأمور تحتاج إلى وقت، ووفق process، وليس بكبسة زر. ويقول المصدر: من غير الممكن حالياً معرفة وبسهولة إلى أين يتجه لبنان والمنطقة، فالمشروع كما يبدو لا ينشد السلام واستتباب الاستقرار، ونحن أمام انفجارات متنقلة وغليان دائم، ومسألة الانضمام إلى اتفاقات أبراهام بالنسبة الى الأميركيين لها ممهدات، بدأوا العمل عليها منذ مدة، ويصبّون جهدهم الآن ضمن المخطط، باتجاه القضاء على الحالة السياسية المناوئة لاسرائيل، بعد التمكن إلى حد كبير من ترويض القوة العسكرية، وتقويض القوة السياسية يستدعي المزيد من العمل، عبر مشكلات في الداخل وخلق أزمات وضغط على الناس يستثمر في صندوقة الاقتراع، ونحن نعلم حجم الجهود المبذولة لتغيير خريطة التمثيل النيابي، اذ يعتقدون أنه بعد مرحلة تقليم الأظافر يصبح كل شيء سهلاً. هل ينجحون، أو لا ينجحون؟ هذا بحث آخر، ثم انه بعكس ما يعتقده المنظّرون للمشروع الأميركي، طريق المنطقة ليس جاهزاً على الاطلاق، والكل يتحسس “رقبته”، ومخطط تهجير الفلسطينيين ربما يؤدي إلى تفجير من مكان ما، ليس بالضرورة على مستوى السلطات أو القيادات، والانفجار في سوريا قاب قوسين أو أدنى، ولا أحد من معظم الدول الاقليمية يستسيغ التمدد التركي الذي سيستفحل أكثر بفعل الضعف الأوروبي، والحركات المقاومة فرملت التوجهات السابقة في سياساتها بعد كل هذه المستجدات وبدأت بخلق مقاربات جديدة، وكل هذه العناصر تكفي للقول ان المنطقة أمام مفترق، إما مزيد من الحروب والتوترات، وهذا ما لا يريده ترامب، وإما حلول ديبلوماسية، واضح أن طريقها ليس معبداً، وفي كلا الحالتين، الكرة في الملعب الأميركي. ويكشف المصدر أن الثنائي يعلم جيداً أن المطلوب أميركياً من هذه الحكومة هو استكمال تنفيذ البرنامج المضمر والمستتر، تحت غطاء الاصلاحات وبناء الدولة ونحن سنحاول إبطاله من الداخل. وما بعد تشييع السيد نصر الله، يجب أن يكون الأميركي قد أخضع مخططه لبعض التعديل، update، وإلا ذاهبون إلى مكان آخر.

ويختم المصدر: هذا هو حالنا مع الترامبيين: “مرتا مرتا… انك تهتمين بأمور كثيرة بينما المطلوب واحد”.

ليندا مشلب- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة