إجهاض “التهجير” و”السلام” مع اسرائيل و”صك الاستسلام”.. رهن الموقف العربي وإيران

يعلن مسؤولون لبنانيون صراحة أن مسألة الوصول إلى اتفاق سلام مع إسرائيل قد جرى التداول به وبحثه وإن بشكل غير رسمي. لكن عملياً مشروع السلام هذا مطروح منذ سنوات، وأعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب التشديد عليه ووضعه في مصاف “هدفه الاستراتيجي” في الشرق الأوسط.

تنطلق واشنطن إلى مشروع السلام بالارتكاز إلى كل الضغوط التي تمارسها سياسياً واقتصادياً على دول المنطقة، بينما ترتكز إسرائيل على ما حققته من نتائج عسكرية لتغيير موازين القوى، بما يسمح لها بفرض الاستسلام على الدول العربية وليس السلام. عملياً، هناك مساران يحددان وجهة التطورات في المنطقة، المسار الأول هو الموقف العربي الذي يفترض أن يصدر في القمة العربية الطارئة في القاهرة، والذي يفترض به أن يجهض مشروع تهجير الفلسطينيين وتدمير “الدولة”. والمسار الثاني هو ما ستقرر إيران فعله، خصوصاً انها طوال السنوات الماضية كانت تقود محور المقاومة وعنوانه الأساسي القضاء على إسرائيل، ما يعني عدم السماح بأي اتفاق سلام معها. ولدى تنفيذ عملية طوفان الأقصى صرّح مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي الخامنئي بأن هذه العملية قطعت طريق اتفاقات السلام مع إسرائيل.

القضاء على حلم “حق العودة”
بالنسبة إلى الدول العربية، لا يبدو أن هناك موقفاً معارضاً للسلام من حيث المبدأ، بل هناك ظروف وشروط عربية يُراد وضعها للشروع في توقيع مثل هذه الاتفاقات. أما بالنسبة إلى إيران، فإن مشروع السلام لم يكن مطروحاً على الإطلاق، لا بل عملت طهران على مواجهته عسكرياً. أما اليوم، فإن إيران تعيش في مواجهة ضغوط سياسية وعسكرية كبرى، وستجد نفسها أمام خيار من اثنين، إما مواصلة تحمّل الضغوط الاقتصادية وانتظار ضربة عسكرية كبرى تغير كل المعطيات في المنطقة وتضرب النظام الإيراني ككل، وإما أن توافق على تقديم التنازلات المطلوبة منها. وهذا بحد ذاته سيسهم في تغيير المسارات والافساح في الطريق أمام “صك الاستسلام” الذي تريد إسرائيل انتزاعه من دول المنطقة ككل.

ما تسعى إليه الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل هو مواصلة الضغوط إلى أقصاها لدفع دول المنطقة وشعوبها إلى التأقلم مع الأمر الواقع الذي تريد إسرائيل فرضه، بمعان مختلفة، سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، أمنياً، وحتى أن يتحول أقصى طموح الناس هو البحث عن مساكن آمنة. بذلك تقضي إسرائيل كلياً على حلم “حق العودة” للاجئين الفلسطينيين في دول الجوار. بينما يجد الشعب الفلسطيني نفسه في مواجهة “الحق بالبقاء” على أرضه، نظراً للمشروع التهجيري الذي لا يخفيه الإسرائيليون ويصرون عليه. القضاء على “حق العودة” حتماً يطال الدول المجاورة لفلسطين، ومن ضمنها لبنان، الذي سيكون في مواجهة استحقاقات كثيرة لاحقاً لا تتصل فقط بسلاح حزب الله والبحث عن مصيره، ولا بكيفية مواجهة إسرائيل لإخراجها من النقاط التي احتلتها داخل الأراضي اللبنانية.

موقف لبنان
سيكون لبنان على مواعيد كثيرة في المرحلة المقبلة، أولها البحث في نزع السلاح الفلسطيني من داخل المخيمات. وهذا طبعاً ملف أساسي ومطروح منذ سنوات ويتصل بتحقيق عنوان حصر السلاح بيد الدولة، وأن تكون الدولة اللبنانية هي صاحبة السيادة على كل أراضيها بما فيها المخيمات الفلسطينية. كما أن العنوان الذي سيُعلن لاحقاً هو أن الدولة تتجه إلى نزع سلاح حزب الله، ما يعني أنها لن تتراجع أمام السلاح الفلسطيني. ولكن هنا لا بد من استشراف المشروع الذي سيلي ذلك، وهو المتصل بطرح توطين الفلسطينيين في أماكن وجودهم ومن ضمنها الأراضي اللبنانية، وذلك لمنعهم من مجرد التفكير بالعودة إلى أراضيهم الفلسطينية.

لبنان، كما غيره من الدول ينتظر ما سيصدر عن القمة العربية الطارئة في القاهرة، كنوع من أمل في ولادة خطة عربية أو مشروع عربي واضح يحمي القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، ويحمي دول المنطقة ككل، لا سيما أن المشروع الإسرائيلي يهدد الأمن القومي العربي ككل، ومن جوانب مختلفة. سابقاً، فرض حافظ الأسد معادلة وحدة المسار والمصير بين لبنان وسوريا، ومعناها الواضح عدم ذهاب لبنان إلى أي اتفاق مع إسرائيل قبل سوريا. اليوم تعلن السعودية موقفها الواضح في رفض الذهاب إلى أي اتفاق ما لم يضمن بناء دولة فلسطينية، ويحفظ حق الشعب الفلسطيني على أرضه وفي دولته. أكثر من مرة أعلن رئيس الجمهورية جوزاف عون أن لبنان سئم حروب الآخرين على أرضه، وأنه يستحق أخذ فترة من الاستقرار، كما أعلن التزام لبنان بالمبادرة العربية للسلام وبالموقف الذي صدر عن القمة الإسلامية التي عقدت في الرياض، وينص على حل الدولتين.

عملياً يأخذ لبنان موقفاً واضحاً خلف الموقف العربي ويعلن عن التزامه به ويتبناه، سوريا لا تبدو بعيدة عن هذا المسار أيضاً، وسط قراءتين مختلفتين، بين من يعتبر في لبنان أنه الدولة الأخيرة التي تذهب إلى اتفاق السلام، وبين من ينظر إلى أن كل الظروف الدولية والعربية قد تفرض على لبنان وسوريا الاتجاه نحو الاتفاق، فتكون السعودية هي آخر الدول التي تبرم هذا الاتفاق.

منير الربيع- المدن

مقالات ذات صلة