هل من اقتراحات أميركيّة للتّطبيع… كشرط لإنهاء احتلال التلال الخمس؟

ما هي قصّة طلب أميركا وإسرائيل من لبنان التطبيع مع الدولة العبرية، شرطاً لإنهاء احتلال التلال الخمس؟
نفت المراجع العليا كافّة أن يكون الأمر طُرِح عليها. أكّدت مصادر الرئيس العماد جوزف عون أنّ ما يتداوله البعض لم يتبلّغ به لبنان. أبلغ مصدر حكومي “أساس” أنّ أيّاً من الجهات الدولية أو الأميركية لم يطرح مطلباً من هذا النوع على الحكومة ورئيسها القاضي نوّاف سلام، وأوضحت الجهات القريبة من رئيس البرلمان نبيه برّي أنّه لم يتداوله معه أيّ مسؤول أميركي.
كان طبيعيّاً أن تزداد الأسئلة في شأن فكرة التطبيع مع إسرائيل بعدما قالها مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف في مقابلة تلفزيونية. توقّع ضمّ لبنان إلى سوريا في الاتّفاقات الإبراهيمية، فيما رئيسه دونالد ترامب ما يزال مصرّاً على أنّ المملكة العربية السعودية ستوافق على التطبيع مع إسرائيل على الرغم من رفض قيادتها المتكرّر له ما لم تحصل خطوات عمليّة للاعتراف بقيام الدولة الفلسطينية. بدا أن لا عودة عن الرفض السعودي بسبب مواصلة بنيامين نتنياهو نهج تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الغزّيّين.
لا اقتراحات أميركيّة للتّطبيع
في استطلاع “أساس” لآراء مسؤولين لبنانيين ودبلوماسيين معنيّين، تبيّن الآتي:
** أكّد دبلوماسيّ أوروبيّ دولته معنيّة بتنفيذ اتّفاق وقف إطلاق النار والقرار الدولي 1701 أنّ الأمر لم يُطرح على الشكل الذي يتمّ تصويره، ولم يتمّ إبلاغ حكومته باقتراح مفاوضات سلام. لكنّه رأى أنّه عندما ينتقل لبنان وإسرائيل إلى تنفيذ المرحلة التالية من اتّفاق وقف الأعمال العدائية، أي تحديد الحدود المتنازع عليها، قد يُطرَح الأمر. تفسير الجهات السياسية التي استمعت لهذا الكلام أنّ معالجة مشكلة الحدود البرّيّة تنهي حالة الحرب مع الدولة العبرية. لكنّ الاتّفاق ليس بمنزلة اتّفاق سلام وتطبيع.
** أوضح دبلوماسيّ آخر منخرطٌ بجهود إنجاح آليّة اتّفاق وقف إطلاق النار لـ”أساس” أنّ الجانب الإسرائيلي لم يقترح مطلب التطبيع مع لبنان أو التوصّل لاتّفاق سلام. لكنّه كشف أنّ الجانب الأميركي أسرّ بأنّ إسرائيل ترغب في ذلك، ولم تعد تكتفي باتّفاق الهدنة. لكنّ مصادر حكومية أكّدت لـ”أساس” أنّ أيّ بحث في اقتراح كهذا مع سلام وحكومته سيُرفَض حتماً.
** رجّحت معطيات مصادر سياسية أن تكون جهات أميركية طرحت الأمر على رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، الذي رفضه.
صدى لمداولات واشنطن: استهداف سلام؟
** كشفت أوساط متابعة أنّه انطلاقاً من صحّة المعطيات بأنّ الجانب الأميركي لم يقترح على المسؤولين اللبنانيين التطبيع مع إسرائيل، فإنّ الضجّة التي أثيرت في بيروت كانت صدىً لكلام في أروقة واشنطن. في مجلسَي النواب والشيوخ الأميركيَّين مجموعة من الجمهوريين الموالين بالكامل لتل أبيب وخطط نتنياهو الاستيطانية. وفي صفوف اللوبي الذي يضمّ أميركيين من أصل لبناني بعض المتطرّفين الذين ذهبوا بعيداً في الانسجام مع تماهي واشنطن مع تل أبيب. وبعض هؤلاء يعتمد رواية إسرائيل لضمانات أمن المستوطنات شمال إسرائيل. ويذهب هذا البعض إلى اعتبار أنّ لدى سلام وبعض الوزراء في الحكومة (أمثال طارق متري وغسان سلامة..) تاريخاً يساريّاً وأنّهم يناصرون الفلسطينيين. بين المراقبين لدور اللوبي الصهيوني في واشنطن من يقول إنّ تل أبيب لن تغفر لسلام أنّه أثناء رئاسته لمحكمة العدل الدولية في لاهاي ساهم في إصدار قرار دعا الدولة العبرية إلى عدم إخفاء الأدلّة المحتملة على قيام جيشها بأفعال ترقى إلى الإبادة الجماعية في غزة.
ما غاية تسريبات التّطبيع؟
هل تسريبات التطبيع هي لجسّ النبض أم لاستباق تل أبيب وواشنطن طلب لبنان مساعدات لإعادة الإعمار من أجل طرح الشروط عليه أم لتحييد الأنظار عمّا يجري في غزة وعن عمليات الجيش الإسرائيلي في الضفّة الغربية؟ وهل يرمي نتنياهو إلى التسبّب بتصاعد الخلافات اللبنانية الداخلية وإفشال مهمّة نوّاف سلام الإنقاذية؟
تراهن المراجع اللبنانية على أن تثمر الضغوط لتحقيق انسحاب إسرائيل من التلال الخمس. فهي تعطيها حرّية الحركة في القرى المحيطة، خلافاً لزعمها أنّها باقية فيها لضمان عدم عودة مقاتلي “الحزب” إليها وتهديد المستوطنات.
ويشمل هذا الرهان:
** مواصلة فرنسا مطالبة الجيش الإسرائيلي بالانسحاب في إطار لقاءات اللجنة الخماسية المولجة ملاحقة آليّة تنفيذ اتّفاق وقف النار. فهي ما تزال على اقتراحها أن تتولّى الكتيبة الفرنسية في قوّات الأمم المتحدة التمركز في هذه التلال بمشاركة قوات أممية أخرى. وهو ما رفضه نتنياهو. ويتطلّع المسؤولون إلى أن تساهم بريطانيا في هذه الضغوط، بعد اقتراحها تركيز خمسة أبراج مراقبة في التلال، تشارك “اليونيفيل” في إدارتها، وتشرف عليها اللجنة الخماسية لمراقبة تنفيذ وقف الأعمال القتالية. تهتمّ الدولتان الأوروبيّتان، حسب مصادرهما، بوجوب انسحاب إسرائيل. والاقتراح البريطاني نال تأييداً لبنانياً من دون أن تكون لندن تشاورت مع تل أبيب في شأنه.
رسالة الضّمانات لإسرائيل.. واستخدام العصا
** إقناع الولايات المتحدة بأن تطلب من إسرائيل إخلاء التلال لأنّ احتلالها يعطي لـ”الحزب” ذريعة استمرار المقاومة. فواشنطن، حسب دبلوماسي أوروبي، “تملك عصا” إجبار تل أبيب على الانكفاء، لكنّها لا تستخدمها.
رسالة الضمانات التي سطّرتها إدارة الرئيس جو بايدن، على هامش اتّفاق وقف النار في 27 تشرين الثاني الماضي، تطلق يد الأخيرة. تعطيها وفق ما تسرّب من مضمونها تفويضاً كاملاً بالتحرّك ضد ما سمّته “انتهاكات الالتزامات في المنطقة الجنوبية”. أمّا خارجها فتترك لها حرّيّة التحرّك “ضدّ تطوّر التهديدات إذا لم يستطع لبنان ولم يرغب في إحباطها بما في ذلك إدخال أسلحة غير قانونية عبر الحدود والمعابر”. وهذا ما يفسّر مواصلة إسرائيل القصف على الحدود اللبنانية السورية. وتعطيها أيضاً الحقّ في تنفيذ الطلعات الجوّية لأغراض الاستخبارات والاستطلاع. وشملت رسالة الضمانات “تعاون أميركا وإسرائيل لكبح أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في لبنان”.
وليد شقير- اساس