“الحزب” وبقاء الاحتلال… و“المزايدة” على الدولة!

بعد الانسحاب الاسرائيلي الأخير من جنوب لبنان في 18 الجاري، أبقى جيش الاحتلال 5 مراكز جديدة، تحت مسمى “توفير الأمن للمستوطنات الشمالية الحدودية”، تعتبر مرتفعات استراتيجية تقع بين الناقورة وشبعا، لتضاف الى النقاط القديمة التي يبلغ عددها 13 نقطة، إذ إن إسرائيل اشترطت بعد انسحابها من لبنان عام 2000، إثر اجتياحها مناطق في جنوب لبنان منذ العام 1978، الإبقاء على نقاط محددة من منطقتي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، لزعمها أنها مناطق سورية تخضع لمفاعيل القرار 242 ومندرجاته. وحينها رفض الجانب الاسرائيلي أن تكون تلك النقاط ضمن “الخط الأزرق”، الممتد من الناقورة حتى قرية الغجر ضمن الشطر الشمالي اللبناني، واستمرت هكذا تحت مسمى “خط الانسحاب”.
ويرى خبير عسكري أن “النقاط الخمس، هي فعلياً مطلة وكاشفة على كل المنطقة الحدودية لاسرائيل وجنوب لبنان، ويمكن من خلالها النفاذ بين البلدات الحدودية بسهولة، ومن الناحية النفسية تشكل إشعاراً للمستوطنين بنوع من الأمان، طالما لا تزال عودتهم تشكل تحدياً أمام الجيش الاسرائيلي”، موضحاً أن “بلدة كفرشوبا تشكل مثلثاً للحدود بين لبنان وسوريا وفلسطين، حيث ينصب الجيش الاسرائيلي عليها أحد أهم أبراج المراقبة، وشبعا التي يتراءى منها الناظر إلى البعيد من الجنوب لاسرائيل والأردن وسوريا، خصوصاً مع الاحتلال الجديد لجبل الشيخ، ما يعني أن النقاط الخمس ستكون مكملة من حيث المنظار العسكري”. ويبقى السؤال الأبرز حول أهداف إسرائيل الحقيقية من هذا التمركز وتأثيره على التوازنات في المنطقة؟ إذ إن تداعيات المشهد الراهن تفتح الباب أمام عدة احتمالات قد تحدد ملامح المرحلة المقبلة في لبنان والمنطقة.
من المرجح أن تعتمد إسرائيل سياسة “عملياتية عدوانية”، خصوصاً تجاه القرى المحاذية، قد تشمل استهداف واعتقال عناصر من “حزب الله” الذين يترددون على قراهم حتى لو بصفات مدنية، كما أنها ستسعى إلى تعزيز صورتها الردعية عبر سياسات تهويلية، فضلاً عن محاولاتها عرقلة إعادة إعمار القرى، خصوصاً في بعض النقاط القريبة من الحدود، حيث أن الغاية من بقائها في النقاط الخمس، استثمار هذا الوجود لتحقيق أهداف سياسية، مثل ربط الانسحاب بسحب سلاح “حزب الله”، أو فرض تفسير إسرائيلي مختلف للقرار 1701، وربما حتى السعي الى تحقيق طموحات سياسية أوسع.
في ظل الواقع المستجد، تواصل الدولة اللبنانية استثمار الحراك الدولي والديبلوماسي للضغط على إسرائيل من أجل انسحابها الكامل، مع الاحتفاظ بحقها في اتخاذ خطوات تصعيدية في حال استمر الاحتلال، إذ إن هذا الوضع لا يترك أمام لبنان سوى خيار واحد، وهو المضي قدماً في تنفيذ اتفاق الهدنة بالكامل لسحب كل الذرائع من إسرائيل وإجبارها على مواجهة المجتمع الدولي في حال أصرت على استمرار احتلالها المستحدث، فالدولة اللبنانية تراهن على أن إسرائيل ستكون تحت الضغط الدولي، من أجل تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، خصوصاً من جانب فرنسا والولايات المتحدة، وفرض الانسحاب في أي وقت، وذلك إنطلاقاً من المرحلة الجديدة التي انطلق بها لبنان، في ظل الدعم الدولي الذي تحقق من خلاله انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة.
ولكن كيف سيتصرف “حزب الله” مع الواقع الجديد؟ عسكرياً، من غير المتوقع أن يتحرك الحزب، نظراً الى اختلال موازين القوى، وعدم توافر الظروف المناسبة لتنفيذ عمليات، إذ فرضت نتائج الحرب واقعاً جديداً يدركه الحزب جيداً، لذلك سيسعى الحزب إلى موازنة أولوياته بين إعادة الإعمار وتعزيز قدراته العسكرية والسياسية. أما سياسياً، فإن الحزب سيواصل “المزايدة” على الدولة اللبنانية، وتحميلها مسؤولية تحرير كامل التراب اللبناني، متذرعاً بما ورد في خطاب القسم ومسودة البيان الوزاري، ليبرئ نفسه أمام جمهوره من “ذنب” أو “تهمة” تداعيات حرب “الإسناد” وآثارها الميدانية والسياسية والتدميرية الكارثية على الحزب وبيئته، ووقوفه عاجزاً عن معالجاتها.
زياد سامي عيتاني- لبنان الكبير