عشرينيّة 14 شباط وسقوط منظومة الاغتيال: الثّأر السّياسيّ بانتظار نضوج التّحوّلات
![](https://checklebanon.com/wp-content/uploads/2025/02/14-february.jpg)
كثيرة هي المتغيّرات التي أحاطت بإحياء الذكرى العشرين لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. بإمكان تيّار “المستقبل” وجمهوره الانتشاء بالتحوّلات الكبرى التي سبقت ورافقت ذكرى 14 شباط أمس الأول. فالمعادلة السياسية التي أنتجت اغتيال الحريري الأب سقطت وبات رموزها من الماضي، في الأشهر الأخيرة من 2024.
هذا على الرغم من اعتقاد البعض بأنّ هذه المعادلة ضعفت لكنّها لم تسقط. دليلهم على ذلك ما تبذله إيران قائدة محور الممانعة المتراجع، للاحتفاظ بنفوذها في لبنان وما تنويه في سوريا. وستقيم عرض قوّة في 23 شباط خلال تشييع السيّد حسن نصرالله والسيّد هاشم صفيّ الدين بحشد شعبيّ كبير.
باستطاعة سعد الحريري أن يعتبر التحوّلات الإقليمية، لا سيما السورية، حقّقت لجمهور والده “الثأر السياسي” ممّن اغتالوا زعيمهم ومشروعه السياسي. هنّأ الإدارة الجديدة في بلاد الشام. وفكرة زيارته دمشق التي ناقشها مع بعض أركانه قبل أسابيع، واردة في أيّ لحظة.
سقوط منظومة الاغتيال
بعيداً عمّا رافق حضوره من نقاش في مفاعيل عودته عن تعليقه العمل السياسي قبل 3 سنوات وأسبوعين، وعن خوضه الانتخابات المقبلة، فإنّ حسابات تأثير التحوّلات الإقليمية فرضت نفسها على الذكرى العشرين. هي المرّة الأولى التي يلقي فيها خطاباً سياسيّاً في الحشد الشعبي الكبير الذي أحاط بالضريح، منذ تعليق عمله السياسي.
توافَدَ جمهور الحريرية السياسية إلى الضريح في ظروف مناقضة لمفاعيل ذلك اليوم المشؤوم، 14 شباط 2005، الذي سجّل زلزالاً سياسياً وأمنيّاً لبنانياً وعربياً باغتيال رفيق الحريري. غاب عن المشهد بشار الأسد ومنظومة المخابرات السورية واللبنانية والحزب التي نفّذت الاغتيال بالتعاون مع إيران. شكّل ذلك الفارق الجوهري الأساسي مع إحياء الذكرى في السنوات السابقة، التي استطاع خلالها المحور الإيراني الانقلاب على مفاعيل انتفاض اللبنانيين على الاغتيال في 14 آذار. فبعد انسحاب الجيش السوري، حلّت مكانه المنظومة الإيرانية التي تحكّمت بالبلد 15 سنة.
زخم الذّكرى وانتخاب القائد وحكومة سلام
سبق زخم إحياء الذكرى العشرين أمس الأول زيارة الحريري الابن، لأنّ المزاج الشعبي العامّ ساده الشعور بالتغيير مع انتخاب الرئيس جوزف عون. أخرج ذلك الرئاسة الأولى من براثن الممانعة التي تحكّمت بها، تارة بتعطيلها وأخرى بالهيمنة عليها، لا سيما في عهد الرئيس ميشال عون. تضاعف هذا الزخم بتكليف نوّاف سلام رئاسة الحكومة ثمّ تأليفها.
أحد أشكال “الثأر السياسي” للحريرية الوطنية في الذكرى العشرين هي فرصة انتخاب قائد الجيش وتشكيل حكومة نوّاف سلام، وإمكانية تحقيقهما ما سعى الحريري الأب إلى تحقيقه من إصلاحات تمّ إحباطها، ومعها مؤتمر باريس 1 و2 و3، ثمّ تلك الإصلاحات التي تمّ إفشالها وانعقد لأجلها مؤتمر “سيدر” عام 2018. يفاخر الحريريّون بأنّ معظم تلك الإصلاحات موجودة في جوارير مجلس الوزراء التي تسبّبت آفة المحاصصة الباسيليّة، بتأييد من “الحزب”، في منعها في آخر جلسة للحكومة برئاسة سعد الحريري، وأدّت لاستقالته. وهي الاستقالة التي دفعته للإقرار، بعد سنتين، بأنّه قام “بتسويات، من احتواء تداعيات 7 أيّار إلى اتّفاق الدوحة وزيارة دمشق، إلى انتخاب ميشال عون ثمّ قانون الانتخابات، وغيرها”، في خطاب تعليقه العمل السياسي في 24/1/2022. في ذلك الخطاب اعترف بخطئه في تلك التسويات، ولو أنّها جاءت بحجّة “منع الحرب الأهلية”.
الكرامة… وحكم لبنان
في عام 1994، التقى صديق لرفيق الحريري غاب عنه زهاء سنتين بعد تولّيه رئاسة الحكومة أواخر 1992، وسأله: “كيف الحكم دولة الرئيس؟”، صمت الحريري لثوانٍ ونظر في الأفق ثمّ أجابه: “حتى تحكم في لبنان يعني أن تتخلّى عن جزء من كرامتك”. فوجئ الصديق بأن يسرَّ له الرجل المعروف بكبريائه بما يعانيه، وساد صمت قبل أن يُستأنف الحديث.
اختصر الحريري الأب بذلك الجواب الصاعق الضغوط التي كان يتعرّض لها من الوصاية السورية بسبب توظيف رؤيته في ممارسة السلطة بهدف إعادة لبنان إلى الخريطة الدولية، وفي النهوض باقتصاد البلد الذي كان يعتبره أساساً لاستعادته قدراً من السيادة. اختصر به أيضاً اضطراره إلى تنازلات حيال محاولات كسر إرادته لمواصلة مشروعه للنهوض بلبنان. توالت وقائع العدائيّة حياله حتى تاريخ شطبه. وما لا يذكره الرأي العامّ والوسط السياسي من هذه الوقائع، استخدام القضاء والمخابرات السورية لإبعاد أو إذلال فريقه في الإدارة والوزارة، أمثال مهيب عيتاني ونهاد المشنوق مستشاره اللصيق آنذاك… وفؤاد السنيورة، قبل الاغتيال وبعده، وهذا قد يكون موثّقاً في بعض صفحات التحقيق باغتياله في المحكمة الدولية الخاصّة بلبنان.
ملء الفراغ السّنّيّ يدعم سلام وعون
وجد الحريريون في سقوط النظام الأسدي، الذي قطع شريان النفوذ الإيراني، فرصة لبنانيّة واعدة للنهوض قبل أن يكون فرصة لسوريا. بعض الحريريّين، على الرغم من الانتعاش بالحشد الشعبي فإنّ بعض النتعشين يسجّلون بضع ملاحظات:
– “الثأر السياسي” في الذكرى العشرين يقترن بالعدالة القانونية والإلهية. قد يكون جانب من العدالة السياسية تحقّق بالتحوّلات الجيوسياسية، لكنّها لم تكتمل بعد لأنّ إيران لم تسلّم بانعكاساتها اللبنانية، وتعمل على الاحتفاظ بأجندتها العسكرية والسياسية في لبنان. يعني ذلك انتظار “نضوج” العدالة السياسية، لأنّ المسألة تحتاج إلى بعض الوقت. ومن مفاعيل انتظار نضوج الظروف السياسية التريّث في تحديد المشاركة في الانتخابات النيابية.
– على الرغم من الفراغ الذي تركه تعليقه العمل السياسي في تمثيل الطائفة السنّية، أعانته التحوّلات الحاصلة على إعادة بعض العصب لهذا التمثيل مشحوناً بالعودة العربية إلى لبنان وبعودة البلد للحضن العربي، ولا سيما السعودية وسائر دول الخليج. تموضَعَ الحريري في موقع الشراكة مع الرئيس عون ونوّاف سلام وحكومته. وهو ما أبلغهما إيّاه. علم “أساس” أنّه قال لسلام: “نحن معك. لا نريد شيئاً. وإذا طلبت مساعدتي فأنا جاهز”. بات هذا التأييد يتقدّم على بعض الاعتراضات النيابية المشتّتة حيال التوزير في الحكومة الجديدة، التي في ثناياها بعض من الحريرية السياسية.
وليد شقير- اساس