احتجاجات المطار رسائل سياسية للجهة الخاطئة وخلق بلبلة داخلية: اسألوا برّي لمصلحة مَن؟

مرة جديدة يثبت تفلت الشارع وغوغائيته القدرة على جرّ البلد إلى مساحات من القلق والفوضى والشلل، إضافة إلى العزلة والتهديدات الأمنية.

ليومين تابع اللبنانيون الاحداث والاحتجاجات على طريق مطار بيروت الدولي وما رافقها من عنف وشغب وصل إلى بيروت مع كل ما تستحضره هذه المشاهد في ذاكرة العاصمة من أيام سوداء وجراح لم تندمل.

فما الذي حصل؟ وماذا يقول بعض نواب العاصمة عن هذه الأحداث وأبعادها؟

شرارة الأزمة
بدأت الاحداث عندما امتنعت السلطات اللبنانية عن إعطاء الإذن لطائرة إيرانية بالهبوط في مطار رفيق الحريري الدولي، نهار الخميس، وذلك على خلفية معلومات متداولة تفيد بأن الطائرة تحمل أموالاً إيرانية لحزب الله. وقد كانت إسرائيل قد بلغت لبنان من خلال اللجنة المعنية بأنها ستقصف مطار بيروت إن استمر عبره تدفق الأمول لحزب الله.

انتشرت مشاهد من مطار طهران تُظهر عددًا من اللبنانيين العالقين هناك، وقد علت أصواتهم بالصراخ، رابطين ما حصل معهم بارتهان السلطات اللبنانية للقرار الأميركي – الإسرائيلي. أدت هذه المشاهد إلى استنفار مناصري حزب الله، حيث عمدوا إلى قطع الطرقات المؤدية إلى مطار بيروت وعدد من الطرقات في العاصمة، مستخدمين الإطارات المشتعلة، ورافعين أعلام حزب الله وصور الأمين العام السابق حسن نصر الله، وسط هتافات “شيعة شيعة شيعة”.

تطورت المواجهات، عندما أقدم عدد من مناصري حزب الله بالاعتداء على دورية من ثلاثة آليات لقوات اليونيفيل كانت تقل 9 عناصر متوجهة إلى المطار. رموا على إحدى الآليات مادة حارقة وأشعلوها وضربوا العناصر وكسّروا الآليات واخذوا بعض الأجهزة وفر بعض عناصر اليونيفل ركضاً. وكان مشهداً سوريالياً محزناً ومخزياً تم تداوله على وسال التواصل الاجتماعي لشاحنة ترمي النفايات لتقطع الطريق وحولها شبان يهتفون: “شيعة، شيعة، شيعة”.

الهتافات التي رفعها مناصرو حزب الله منذ بدء “احتجاجهم” حتى ليل أمس من مهاجمة العهد وحكومته واتهامهما بالارتهان للعدو الإسرائيلي، تؤشر إلى مرحلة صعبة من المواجهات.

وقد فات هؤلاء أن منع الطائرة الإيرانية من الهبوط في مطار بيروت، ليس إلا استكمالًا للاتفاق الذي فاوض عليه “الأخ الأكبر” وقبل به حزب الله، وهو الاتفاق الذي يمنع أي وسيلة تموّل نشاط حزب الله، ويسمح للإسرائيلي بضربها إذا كانت تشكل خطرًا عليه.

وهو كلام يجمع عليه تقريباً نواب العاصمة وقد سألت “المدن” كلاًّ من ابراهيم منيمنة، بولا يعقوبيان وعماد الحوت قراءة المشهد وتعقيداته.

منيمنة: تناسوا من وقّع الاتفاق!
يشير النائب إبراهيم منيمنة، في حديثه لـ”المدن”، إلى أن “ما يحصل على طريق المطار هو أمر مرفوض، وخصوصًا أن هذه التظاهرات تقطع الشريان الحيوي للبنان. ونحن اليوم أمام إشكالية واضحة، وهي نقل تمويل حزب الله من خلال الطيران المدني، وهو أمر يشكل خطرًا على أمن المطار وأمن المدنيين. وبالطبع، نحن اليوم أمام هيمنة خارجية، لكن ذلك جاء نتيجة خسارة الحرب والاتفاق الذي وقّع عليه لبنان، والذي يُلزم بمراقبة مداخل ومخارج البلد”.

ويضيف: “الحكومة اليوم أمام تحدي مراقبة مداخل البلاد، وهذا ما يُلزمها بمراقبة الطائرات الإيرانية القادمة إلى لبنان. وما حصل لا يُحل بهذه الطريقة، بل عبر القنوات السياسية والدبلوماسية”.

ويتابع: “التهجم على كل من رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام أمر مرفوض. على ما يبدو، أن البعض تناسى أن عون وسلام لم يكونا من وافق على قرار وقف إطلاق النار، وإذا كان هناك اعتراض على القرار، فيجب أن يُوجّه إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، فهو من فاوض ووافق عليه”.

ويؤكد منيمنة أن “سلام وعون يعملان على حماية اللبنانيين والمطار من أي ضربة إسرائيلية محتملة، وإذا كان هناك اعتراض على عمل لجنة مراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، فلا يكون ذلك من خلال المواجهات الداخلية وإثارة الشغب، بل عبر القنوات السياسية والدبلوماسية”.

ويختم قائلاً “على ما يبدو، أن حزب الله لم يتمكن من تسويق الانتكاسة التي مُني بها لجمهوره، فيحاول رمي الإشكالية في ملعب الحكومة، وهذا الأمر قد يتكرر في ملفات عدة، وخصوصًا في ملف إعادة الإعمار، وكل ذلك بسبب حرب الاسناد التي أدخلنا بها حزب الله والنتائج التي ترتبت عليها”.

يعقوبيان: المطار أمن قومي
في حديث مع “المدن”، تشير النائبة بولا يعقوبيان إلى أن “ما حصل يدل على أن حزب الله بات مأزومًا، ففي كل مرة يريد إيصال رسائل سياسية معيّنة، نرى ما يسمى بـ”الأهالي” ينتفضون أو يقطعون الطرقات، ثم ينفي الحزب علاقته بهم”.

وتضيف يعقوبيان أن “المشاهد المرفوضة هي بالطبع رسائل سياسية للعهد الجديد وللرئيسين جوزاف عون ونواف سلام، ولا يمكن أن يحصل ما حصل بالأمس لو لم يكن هناك أمر من قيادة حزب الله بالنزول إلى الشارع وافتعال المشاكل”.

وتعتبر يعقوبيان، أن “الأحداث تشكّل سقطة إضافية لحزب الله وقيادته التي خرجت من الحرب منكسرة، ففي الوقت الذي هناك مواطنون عالقون في طهران، وحين رفضت السلطات الإيرانية السماح لطيران الشرق الأوسط بإجلائهم، عمد حزب الله إلى قطع الطرقات على الناس وعلى المطار، الذي يُعدّ اليوم بمثابة رئة لبنان “.

وعن الخطوة المماثلة التي اتخذها الوزير السابق علي حمية منذ ثلاثة أسابيع، تقول يعقوبيان: “بالطبع سيتخذ مثل هذا القرار، ولا يمكنه إلا أن يقوم بمثل هذه الخطوات، إذ لا يمكن المخاطرة بمطار بيروت الدولي، كونه المنفذ الوحيد لكل اللبنانيين. فخلال الحرب، قمنا بمجهود كبير لتحييد المطار عن أي ضربة محتملة، فلا يمكن اليوم المجازفة بالمطار والمدنيين وهي مسألة أمن قومي لا يمكن المجازفة بها”.

وتختم قائلة: “في النهاية، لا يمكن اتهام العهد الجديد بارتهانه لإسرائيل، فعندما تم توقيع الاتفاق مع إسرائيل، لم يكن جوزاف عون ولا نواف سلام في الحكم، بل من فاوض ووقّع هو رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبالتالي، من يجب لومه هو بري وليس العهد. ونحن، كنواب، كنا قد سألنا رئيس مجلس النواب حينها عن مضمون الاتفاق، لكن لم نحصل على جواب”.

الحوت: رسائل سياسية فاشلة
يشير النائب عماد الحوت، في حديثه مع “المدن”، إلى أن “اللعب على الاستقرار الداخلي واستخدام الشارع للضغط على العهد والحكومة والرئاسة لم يعد خطوة مجدية، ومن يذهب إلى هذه الخطوة اليوم، يجب أن يفهم ويعي أن مثل هذه الرهانات باتت ساقطة، بل ترتد على مطلقها”.

ويضيف النائب الحوت أن “ما شهدناه في اليومين الماضيين، كنا قد شهدناه في الأيام التي سبقت تشكيل الحكومة. ولو أن كلًا من حركة أمل وحزب الله أصدر بيانات تؤكد أن لا علاقة لهما بما حصل، وأن من كانوا على الطرقات تصرّفوا بسلوكيات فردية، إلا أن هذه التحركات لا بد من تلقفها كرسالة سياسية للعهد الجديد ولرئيس الجمهورية جوزاف عون، مفادها أنه لا يمكنه المضي قدمًا في تنفيذ خطاب القسم إلى أبعد مدى، وأن هناك طرفًا في البلد لن يسمح له بذلك”.

ويتابع: “لكن خطوة العناصر الأمنية والجيش اللبناني تثبت أن الحكومة لن تتهاون مع مثيري الشغب، وتؤكد على صوابية تحركاتها في احتواء ما حدث. وقد آن الأوان لزيادة دعم الأجهزة الأمنية والشرعية اللبنانية، بحيث تكون هي الوحيدة المخولة بحمل السلاح”.

ويختم قائلًا: “أعتقد أن مثل هذه الرسائل ستكون لها آثار سلبية على مطلقها، ولن تدوم طويلًا، لأن هناك جدية في التعاطي من قبل الدولة اللبنانية لوضع حد لأي عمليات شغب. بل إن العهد الجديد مصرّ على المضي قدمًا في تنفيذ خطاب القسم كاملًا”.

في السياق، لا بدّ من التذكير بأن الوزير السابق علي حمية، اتخذ قرارًا مماثلًا منذ نحو ثلاثة أسابيع بمنع الطيران الإيراني من الهبوط في مطار بيروت على خلفية خبر انتشر بأنها محملة بالأموال الإيرانية لحزب الله.

لماذا حينها لم ينتفض جمهور المحور، ولم يقطع الطرقات، ولم يعتبر أن هكذا قرار بمثابة انتقاص للسيادة اللبنانية وإذعان للأميركي والإسرائيلي؟

ولمصلحة من إصرار جمهور حزب الله على خلق بلبلة داخلية وعزل أنفسهم عن سائر اللبنانيين واستفزازهم، وهؤلاء احتضنوهم منذ أمد غير بعيد خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل؟.

المدن

مقالات ذات صلة