مطار 7 أيار 2008 ومطار 14 شباط 2025 : زمن “حزب الله” ولّى!

أثار “حزب الله” في 14 شباط الجاري عاصفة لم تهدأ بعد حول مطار رفيق الحريري الدولي. وحملت هذه العاصفة عنوان حرية الملاحة الجوية بين المطار اللبناني وبين مطار الخميني الدولي في طهران.
وأتى منع طائرة إيرانية من الوصول إلى مطار بيروت قبل أيام ذريعة كي يشنّ “الحزب” بمؤازرة إيرانية علنية هجوماً ضدّ كلّ العالم تقريباً بدءاً بالولايات المتحدة الأميركية وصولاً الى الحكومة وبخاصة رئيسها نواف سلام ووزير الأشغال فايز رسامني.
وكان “الحزب” في 7 أيار 2008، أشعل لبنان بعدما أصدر مجلس الوزراء في ذلك الوقت قرارين بمصادرة شبكة الاتصالات التابعة لسلاح الإشارة الخاص بـ”الحزب” وإقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي العميد وفيق شقير.
ستقود المقارنة بين التاريخين إلى أن زمن “حزب الله” الذي كان يفرض مشيئته على لبنان قد ولّى. كما تقود إلى أن عهد الرئيس جوزاف عون وحكومة الرئيس نواف سلام هي غير عهد الرئيس إميل لحود وحكومة الرئيس فؤاد السنيورة.
وأتت القرارات الأخيرة لمحاصرة أعمال الشغب في محيط مطار رفيق الحريري الدولي لتظهر الفارق الهائل عن قرارات جرى اتخاذها قبل 18 عاماً. وتروي وقائع الحدثين نفسها بنفسها.
أتت الوقائع الرسمية الأخيرة حول ما جرى ولا يزال في المطار وحوله خلال الاجتماع الأخير الذي ترأسه سلام في السرايا الحكومية والذي ضم الوزراء المعنيين. وحدد وزير العدل عادل نصار الفارق بين “مبادئ الحريات العامة، ومنها حرية التعبير والتظاهر” التي تتمسّك بها الحكومة ، وبين “التعرض للأملاك العامة ولحرية التنقل، بما في ذلك التعرض “لليونيفل”، كما حصل أول أمس الجمعة ما استوجب “اتخاذ جميع التدابير للتأكد ان هذه الأحداث لن تتكرر، وتستوجب ملاحقات في هذا الخصوص”.
اما الوزير رسامني فكشف “ان هناك أمن المطار وهناك عقوبات أوروبية، يمكن أن تؤثر على مسار مطار بيروت وسلامة الركاب، لذلك فإننا سنتخذ أي قرار يتعلق بأمن وسلامة المطار، ونحن اتخذنا القرارات المناسبة لتحييد المطار عن اي اعتداء”.
وماذا عن تهديدات إسرائيلية اطلقها المتحدث باسم الجيش العبري افيخاي ادرعي، أجاب رسامني: “نحن نقوم بواجباتنا، لأننا نتخذ الأجراءات لتأمين أمن المطار والمسافرين، نحن لا نركز على التهديدات، فهناك قضايا أخطر من ذلك وتتعلق بالعقوبات، وتؤثر على مطار بيروت وطيران الشرق الاوسط، وهذا ما يحتم علينا اتخاذ القرارات التي اقررناها”.
يعود بنا 14 شباط 2025 الى 7 أيار 2008. ووصف الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله وقائع ما جرى في ذلك التاريخ بـ”اليوم المجيد”. واتت تلك الاحداث من أوائل أيار ذلك العام، عندما اكتشفت الوحدة الألمانية المشاركة في قوات “اليونيفيل” كاميرا للمراقبة على المدرج 17 في مطار رفيق الحريري الدولي، والتي أحالت بشأنها مراسلة رسمية إلى وزير الدفاع الوزير الياس المرّ الذي أحالها بدوره الى النيابة العامة ومن ثم إلى الحكومة.
وبعد ذلك، وصلت المراسلة من قبل المر الى منسق الأمانة العامة لـ14 آذار فارس سعيد، الذي سارع بدوره لاطلاع رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط عليها، ما جعله يؤجل سفره ويسارع للكشف عنها عبر مؤتمر صحافي. وحينها أطلق جنبلاط مواقف نارية تجاه “الحزب” ورئيس جهاز أمن المطار، وطالب بطرد السفير الإيراني من لبنان، واتّهم من يقف وراء هذه الأعمال ربّما بالتخطيط لقتله أو لقتل الرئيس سعد الحريري أو الرئيس فؤاد السنيورة.
بعد ذلك، قررت حكومة السنيورة اعتبار شبكة الاتصالات الهاتفية التي أقامها “حزب الله” في محيط المطار ” غير شرعية وغير قانونية وتشكل اعتداء على سيادة الدولة والمال العام”. وقررت إطلاق الملاحقات الجزائية ضد جميع الأفراد والهيئات والشركات والأحزاب والجهات التي تثبت مسؤوليتها في مد هذه الشبكة. مشيرة إلى وجود دور إيراني على هذا الصعيد.
وقررت الحكومة أيضا إقالة قائد جهاز أمن المطار بيروت الدولي العميد وفيق شقير من منصبه، وإعادته إلى ملاك الجيش.
ورد نائب الأمين العام لـ”حزب الله” نعيم قاسم على الموقف الحكومي من شبكة الاتصالات فقال إنها “توأم لسلاح المقاومة”. ثم أعلن نصرالله أن تفكيك شبكة اتصالات “حزب الله” بمثابة “إعلان حرب” على “الحزب” والمقاومة لمصلحة أميركا وإسرائيل.”
أما رئيس مجلس النواب نبيه بري فوصف قرار إقالة العميد وفيق شقير بأنه خطوة “تعني ملامسة المحرمات، وليس فقط الخطوط الحمر”.
وخرجت بعد ذلك مجموعات “حزب الله” من مربّعاتها الأمنية في الضاحية الجنوبية ومن مخيم احتلال وسط بيروت (الذي كان قائماً في ذلك الوقت) الى تنفيذ سلسلة اعتداءات على أهل بيروت وعلى المرافق الاقتصادية والخدماتية. وأقفل مطار رفيق الحريري الدولي من خلال نشر مسلّحيه على طريق المطار وقطع الطريق المؤدية إليه بالأطر المشتعلة، ما أدّى الى تعليق حركة الطيران من المطار وإليه. كما استولت مجموعات مسلّحة على كل مراكز “تيار المستقبل” في العاصمة وقامت بإحراقها.
وفي صباح السابع من أيار، خلت العاصمة من أي وجود للقوى الأمنية الرسمية. الجيش سحب عناصره من الشوارع ومن نقاط المراقبة، وأعاد تمركزها خارج المدينة. برزت تجمّعات عسكرية تحيط ببيروت من كل الجهات، مزوّدة بأوامر مفادها أن تحمي هذه الوحدات نفسها وثكناتها فقط. وملأت مواكب مسلّحي “الحزب” و”أمل” والحزب السوري القومي والبعث السوري شوارع بيروت.
وأدى اجتياح “الحزب” لبيروت وبعض مناطق الجبل، ومدينة صيدا في 9 ايار إلى مقتل 71 مدنياً، ودمار في الكثير من ممتلكات المواطنين، كما تم إحراق وتخريب مقرات تيار “المستقبل” في صيدا ايضاً.
وانتهت مجازر أيار باتفاق الدوحة الذي انتج سلطة نقلت الوصاية السورية على لبنان الى إيران وحزبها لغاية الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل في أيلول الماضي والتي انتهت باتفاق وقف اطلاق النار الذي رعته اميركا وبموجبه صار مطار بيروت تحت المراقبة مثلما هو حال سائر لبنان بموجب القرار 1701.
يبقى بعد هذا العرض ما يوجب الكلام عنه الا وهو يوم 14 شباط تحديداً. فقد احيا “حزب الله” مرور 20 عاماً على اغتيال الرئيس رفيق الحريري بمحاولة اغتيال المطار الذي حمل اسمه. ومرّ 14 شباط، أي يوم أول من أمس حيث احتشد جمهور الراحل الكبير في وسط بيروت لتجسيد التصاقه بهذه الشخصية الاستثنائية، مصحوباً بأعمال شغب نفذها “الحزب” قرب المطار.
وأكد “حزب الله” مجدداً أنّه فعلاً متورّط بقتل من يحمل المطار اسمه بعد مرور عقدين على الجريمة. وأثبتت اعمال الشغب هذه أن قرار المحكمة الدولية الذي اثبت ضلوع أفراد من هذا “الحزب” في انفجار السان جورج الهائل كان صحيحا بالكامل.
وبدا على وجه المذيعة في قناة “المنار” بعدما جرى بث تقرير المهرجان الحاشد في ذكرى الحريري ملامح الاستخفاف بما كان اعلنه نجل الراحل الرئيس سعد الحريري للتو. فقد خاطب الأخير “الحزب” من دون أن يسميه قائلا: “يجب أن تكسروا أي انطباع من السابق بأنكم قوة تعطيل واستقواء وسلاح…”. وأتى جواب “الحزب” على مقربة من مطار الحريري كان وسيبقى “قوة تعطيل واستقواء وسلاح”.
يخيّل لمن يرفض نظرية المؤامرة جملة وتفصيلاً أن هناك تسرعاً في إطلاق الاحكام على “الحزب” في واقعة المطار التي لم تنته فصولاً بعد. سيكون الجواب على هذا المتخيّل ما جاء على لسان عضو المجلس السياسي لـ”حزب الله” غالب أبو زينب في المقابلة المطوّلة التي أجرتها قناة “الحزب” التلفزيونية في ختام 14 شباط الطويل.
وأطلق أبو زينب جملة تهديدات حملت في مستهلها عبارات من بينها: “أوعا حدا يفكر”، و”أوعا حدا يلعب الاعمار بوجّنا”، و”لازم نفرّق بين رئيس الجمهورية وبين رئيس الحكومة”، و”لا تديروا الأذن الى الاميركيين”، وغيرها.
فعلاً، ان من شبّ على 7 أيار 2008 يشيب اليوم في 14 شباط 2025. ولا تزال الرواية مستمرة حتى إعداد هذا المقال.
احمد عياش- نداء الوطن