طريق طهران بيروت تُقطع: متى ينحني “الحزب” للعاصفة ويصارح بيئته بأنّ الموازين تغيّرت؟

فيما يبدو الجنرال الأميركي جاستين جيفرز واضحاً في كلامه عن بقاء إسرائيل في المواقع الخمسة، تبدو طريق المطار أكثر تفجّراً من الجنوب المحتلّ، وما بينهما رسائل كبرى تصل إلى لبنان، ربّما أكبرها وأهمّها أنّ لبنان أصبح في موقع دولي مختلف عمّا كان عليه في العشرين سنة الماضية، وأنّ سياسة لبنان الخارجية انقلبت إلى نقيض ما كانت عليه. وإلى حين تكريس ذلك، ستبقى الساحة الداخلية مفتوحة على احتمالات التصعيد.

ما حصل على طريق المطار ليس سوى مقدّمة لذلك. فهل تحتوي السلطات الرسمية، كما قيادة “الحزب”، هذا الاحتقان السياسي والمذهبي والطائفي؟ أم وضع لبنان تحت المجهر الدولي تحت وطأة التهديد المباشر بعودة الجنون الإسرائيلي سيكون أقوى من أيّ احتواء؟ هذا هو التحدّي المقبل على الساحة اللبنانية وعلى العهد الجديد الذي بدأ شقّ طريقه بين الألغام.

خسارة لبنان، و”الحزب” تحديداً، الحرب مع إسرائيل بدأت تترجم عمليّاً في أكثر من استحقاق:

– أوّلاً في انتخاب قائد الجيش جوزف عون رئيساً على الرغم من احتواء الأخير لـ”الحزب” بعد الحرب.

– ثانياً في تسمية نوّاف سلام رئيساً للحكومة وتشكيل الحكومة على الرغم من حرص الأخير على عدم التشفّي.

– ثالثاً في تمديد مهلة اتّفاق وقف إطلاق النار إلى الثامن عشر من شباط، وبعده بقاء الاحتلال الإسرائيلي في تلال خمس تحت عنوان “أمن المستوطنات”.

– رابعاً في ما سيصدر عن البيان الوزاري للحكومة الجديدة الذي سيكرّس “سياسة لبنان الخارجية الجديدة”.

– خامساً في الإجراءات الأمنيّة الرسمية، بعدما استعاد “منطق الدولة” زمام الأمور في قرارات من شأنها إعادة لبنان من اصطفافه الإقليمي السابق إلى ما كان عليه قبل تعاظم قوّة “الحزب” ومحور إيران في المنطقة.

لكنّ كلّ ذلك، بحسب مصادر مقرّبة من “الحزب”، لا يعني أنّه سيحصل بشكل تلقائي وسلميّ لأنّه “لا أحد يستطيع ضبط أيّ تحرّكات تصعيدية من قبل مجموعات متفلّتة من قرار “الحزب” الرسمي”، وربّما “تتحوّل إلى أعمال أمنيّة ليست القيادة مسؤولة عنها”.

بينما كانت حركة أمل تتبرّأ من أيّ تحرّك على طريق المطار احتجاجاً على منع الطائرة الإيرانية من الهبوط، شهد “الحزب” تخبّطاً في موقفه العلني في بداية الاحتجاجات، فنشرت قناة المنار خبراً وصف المتظاهرين الذين هاجموا دورية اليونيفيل بالفوضويين ثمّ حذفته، ولاحقاً عاد “الحزب” لتنظيم تظاهرة على طريق المطار لإعلان موقفه السياسي من الحادثة الأخيرة.

وفق مصادر مقرّبة من “الحزب”، يعود سبب التخبّط إلى أكثر من عامل:

– أوّلاً، انقطاع التواصل وسوؤه بين قيادات “الحزب” يسبّبان تخبّطاً في كثير من الأحيان في مواكبة الأحداث السريعة التي تطرأ على الساحة اللبنانية.

– ثانياً، إدراك “الحزب” أنّ خسارته الحرب ستحتّم عليه القيام بتنازلات سياسية، لكنّه عاجز عن القيام بها بشكل فوريّ، وهو بحاجة إلى “هبوط بطيء”.

– ثالثاً، عدم قدرة “الحزب” على مواجهة حجم الخيبة لدى جمهوره، سواء بسبب نتيجة الحرب أو مجمل المتغيّرات في لبنان، بعدما كان هذا الجمهور يعيش فائض القوّة والقرار على مدى السنوات الماضية.

– رابعاً، فقدان القيادة الصلبة والشخصية القويّة للسيّد حسن نصرالله، الذي كان قادراً على إمساك الشارع والبيئة .

– خامساً، فقدان المال والموارد لإعادة الإعمار في القرى المدمّرة، وتداعيات ذلك على شارع “الحزب”.

قطع طريق بيروت-طهران

منذ أن تحوّل لبنان بفعل قوّة “الحزب” إلى الحليف الإيراني في المنطقة، شكّلت طهران طريق إمداد حيوي وأساسيّ لـ”الحزب”، ليس فقط على مستوى الموارد من المال والسلاح والتكنولوجيا، بل وفي الارتباط العقائدي بين “شيعة الحزب” وبين المقامات الدينية والمرجعيّات في إيران والعراق. لكن ليست هذه هي الحال مع “شيعة حركة أمل” الذين بقي امتدادهم لبنانيّاً كما نشأتهم.

طريق طهران بيروت يراد لها اليوم أن تُقطع، ولذا الأسباب الأولى للاحتجاجات على عدم استقبال الطائرة تعود إلى منع وصول المال إلى بيروت، بالإضافة إلى بعض التقنيّات التي تصل إلى “الحزب”. وعليه أصبحت البيئة محاصرة، فلا المال يدخل من إيران ولا من المنظّمات الدولية والدول العربية.

قالت مصادر دبلوماسية لـ”أساس” إنّه لا إعادة إعمار في لبنان من دون تطبيق القرار الدولي 1701 ومن دون تطبيق اتّفاق وقف إطلاق النار. ولهذا لبنان تحت المجهر الدولي في كلّ تفاصيله وحركة الدخول والخروج منه، والوصاية الدولية على لبنان أمنيّاً وسياسياً واقتصادياً تبدأ من ضبط معابره الجوّية والبرّية والبحرية، وهو ما بدأ يظهر وسيظهر تباعاً في المرحلة المقبلة.

معابر لبنان: استحقاق مقبل

أحد العناوين الأساسية لهذا العهد، الذي يرتبط بما أقرّه لبنان في اتّفاق وقف إطلاق النار، هي الحدود. ضبط الحدود سيبدأ بتثبيتها، سواء الحدود البرّية مع إسرائيل وسوريا أو الحدود البحرية مع قبرص، وهو عنوان كبير لبنان مقبل عليه. وبتثبيت حدود لبنان الدولية يكون لبنان قد قطع أوّل امتحان بسلام، على اعتبار أنّ أيّ دعم سيحصل عليه هذا البلد لن يكون بلا ضوابط، بل مشروط باستحقاقات أمنيّة وسياسية واقتصادية.

شرحت مصادر دبلوماسية لـ”أساس” إنّه “في ما يتعلّق بالبرّ، مزارع شبعا متروكة لمعرفة الموقف السوري والنقاش فيها انطلاقاً منه. فإذا اعتبرت سوريا أنّ المزارع أراض سوريّة، فسيكون على لبنان أن يخوض معركته معها في مجلس الأمن لإثبات لبنانيّتها قبل تثبيت حدودها”. وفي ما يتّصل بالجوّ، تقول المصادر إنّ خطّ الطيران المباشر بين بيروت وطهران قد ينقطع لمصلحة المرور بدولة أخرى. وبحريّاً ستكون الحدود خاضعة للتفاوض مع قبرص مع كلّ ما فيها من أهمّية لوجود الاحتياطات الغازيّة في مياه لبنان.

تزامناً، قال “الحزب” في اعتصامه على طريق المطار موقفه الرسمي الرافض وضع لبنان تحت الوصايتين الأميركية والإسرائيلية. وصفت مصادر مقرّبة من “الحزب” الخطاب بأنّه استيعابيّ، وبعضها وصفه بأنّه محاولة لتقليل حجم الخسائر. وفي الحالتين يدرك “الحزب” جيّداً أنّ المرحلة المقبلة ستحتّم عليه الانحناء للعاصفة بانتظار بقعة ضوء قد تظهر وقد لا تظهر.

جوزفين ديب- اساس

مقالات ذات صلة