حكومة نواف سلام تكسر التقليد والأعراف…وأمامها تحدي حصر السلاح!

خطفت التطورات على صعيد التشكيلة الحكومية الأنظار نظراً للسوابق التي رافقتها والتي تعكس تغيّرات كبيرة في لبنان ما زال البعض في حال إنكار لها. ولم يكن معهوداً مشهد اجتماع الرؤساء الثلاثة في قصر بعبدا وقدوم أمين عام مجلس الوزراء محمود مكيّة إلى القصر من دون أن تصدر مراسيم تشكيل الحكومة بسبب انقلاب الأمور عما كان يحصل في السابق، إذ درجت العادة لدى تأليف الحكومات على أن يبقي رئيس مجلس النواب نبيه بري أسماء وزرائه الشيعة في جيبه حتى ربع الساعة الأخير ليفرج عنها في القصر الجمهوري، واضعاً رئيس الجمهورية والرئيس المكلف أمام الأمر الواقع ليتم إسقاط الأسماء على الحقائب على اعتبار أن هذا القرار غير قابل للنقاش.
أما اليوم، فقد بدا الرئيس بري متلقياً الإسم من الرئيس المكلف نواف سلام الذي كسر هذا التقليد ورفض بشكل صارم قبول الاسم المقترح من رئيس مجلس النواب للوزير الشيعي الخامس، ما أدى إلى انتكاسة سياسية وإلى تأخير إعلان ولادة الحكومة، وخروج مَن انتقدوا الرئيس سلام بسبب موافقته على إسناد وزارة المالية للثنائي الشيعي ليعززوا تخوفهم من ممارسات التعطيل ونظريتهم القائلة إن «لا ثقة بحكومة يشارك فيها فريق الثنائي في وزارة المالية بعدما عمّق الانهيار وساهم بالفساد، وعقّد الحياة السياسية اللبنانية» على حد ما أعلن النائب التغييري ميشال الدويهي، فيما نوّه آخرون بثبات نواف سلام كأول رئيس حكومة بعد الطائف لا ينكسر لرئيس مجلس النواب، ولا يسمح له بأن يسلمه أسماء الوزراء الشيعة في قصر بعبدا.
وتأتي خطوة الرئيس المكلف بعد التنازل الكبير الذي أعطي للثنائي في حقيبة المال السيادية ما أدى إلى كسر قاعدة المداورة في الحقائب وعدم تخصيص أي وزارة لطائفة معينة، وما أدى إلى نقطة ضعف جعلت القوى السياسية تطلب ضمانات من عدم استخدام هذه الوزارة للتعطيل كما حصل في حكومات سابقة لجهة الامتناع عن توقيع قرارات ومراسيم تخص تشكيلات أمنية أو قضائية أو مشاريع كهرباء، ولاسيما أن هذه الحكومة العتيدة تعتبر حكومة تأسيسية لأنها ستتولى تعيينات كثيرة في الدولة لملء الشواغر سواء في قيادة الجيش أو في حاكمية مصرف لبنان أو في السلك الدبلوماسي والإدارات العامة والمجلس الوطني للإعلام وتلفزيون لبنان إضافة إلى اتخاذ قرارات في ما يتعلق بالانتخابات البلدية والاختيارية. أما الأهم فهو تنفيذ هذه الحكومة اتفاق وقف إطلاق النار ليس بحسب قراءة «حزب الله» وحصره بجنوب نهر الليطاني بل بحسب قراءة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والعديد من الشرائح اللبنانية التزاماً بالقرار 1701 بكامل مندرجاته بما فيها القرارين 1559 و1680 وغياب أي إشارة إلى المعادلة الثلاثية السابقة «جيش وشعب ومقاومة» التي كان يستخدمها «حزب الله» لتبرير الاحتفاظ بسلاحه.
لكن سلام رأى أن التنازل في وزارة المال لن يكون له أثر سياسي فعلي على عمل الحكومة والواقع الجديد في لبنان انطلاقاً من الاندفاعة العربية والدولية ولاسيما إذا لم يكن الوزير الشيعي الخامس محسوباً على الثنائي. لذلك بدا الرئيس المكلف وبعض القوى السياسية اللبنانية باستثناء «القوات اللبنانية» و«الكتائب» وبعض التغييريين يفضلون عدم مواجهة مباشرة مع «حزب الله» وتشكيل حكومة أمر واقع، وإنما تأليف حكومة ولو بالحد الأدنى مع الثنائي الشيعي على الرغم من الموقف الأمريكي الحاسم الذي عبّرت عنه بوضوح خليفة آموس هوكشتاين مورغان أورتاغوس من على منبر قصر بعبدا بعدم وجوب أن يكون «حزب الله» جزءاً من الحكومة. وهو ما أثار حفيظة «حزب الله» حيث خرج النائب محمد رعد مواكباً الاحتجاج على طريق المطار ليدين «التطاول على مكوّن وطني والتدخل السافر بالسيادة اللبنانية والخروج عن كل اللياقات الدبلوماسية ومقتضيات العلاقات الدولية».
وقد ربط البعض بين تأخير تأليف الحكومة وانتظار وصول الموفدة الأمريكية إلى بيروت ومحادثاتها مع المسؤولين اللبنانيين لتحديد ليس فقط المسار الحكومي، وإنما أيضاً المسار الأمني والعسكري على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية ولاسيما بعد تمديد مهلة وقف النار حتى 18 شباط/فبراير الحالي مع تسجيل علامات استفهام حول مدى التزام تل أبيب بسحب قواتها من جنوب لبنان، وهل يمكن لها أن تتذرّع بعد بعدم تشكيل حكومة لبنانية وبعدم وضع خطة متكاملة لتنفيذ مراحل ما بعد الانسحاب؟
يبقى أن أبرز التحديات أمام الحكومة بعد تأليفها سيكون البيان الوزاري في ظل شد الحبال بين فريق الثنائي الشيعي من جهة لتضمين الحق في اتخاذ كل الإجراءات لتحرير الأرض وبين الفريق الآخر الذي سيركّز على دور الدولة في احتكار السلاح وتبني ما ورد في خطاب القسم للرئيس جوزف عون كقائد أعلى للقوات المسلحة وكرئيس للمجلس الأعلى للدفاع حيث تعهد بالعمل «على تأكيد حق الدولة في احتكار حمل السلاح. دولة تستثمر في جيشها ليضبط الحدود ويساهم في تثبيتها جنوباً وترسيمها شرقاً وشمالاً وبحراً ويمنع التهريب ويحارب الإرهاب ويحفظ وحدة الأراضي اللبنانية ويطبق القرارات الدولية ويحترم اتفاق الهدنة ويمنع الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية، جيش لديه عقيدة قتالية دفاعية يحمي الشعب ويخوض الحروب وفقاً لأحكام الدستور».
سعد الياس- القدس العربي