السّعوديّة “تُطبّع” مع إيران إذا… تغيّرت!

بعد كلام إيراني كثير عن إبداء المملكة العربية السعوديّة استعدادها لاستئناف الحوار بين البلدين، أطلّ وزير الخارجية السعوديّة الأمير فيصل بن فرحان من “دافوس” السويسريّة، وحدّد، للمرّة الأولى، الإطار الذي تراه الرياض الأنسب لفتح حوار مع طهران.
 
ما قاله الوزير السعودي ليس مسألة كلاسيكية، إذ إنّ الرؤية التي قدّمها لتطبيع العلاقة مع إيران تتسم بشيء من “الثوريّة”، إذ أعلن: “تواصلنا مع إيران ونحاول إيجاد طريق للحوار. نحن نحاول إيجاد مسار للحوار مع الجميع ونركز على التنمية بدلاً من الشؤون الجيو-سياسية، لأنّ ذلك يعطي إشارة قوية لإيران ولآخرين بأن هناك مسارات أخرى للرخاء المشترك”.
 
إنّ كلام وزير الخارجية السعودي، بغض النظر عن الرسالة التي يحملها في طيّاته إلى رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو عن شروط التجاوب مع دعواته “السلميّة”، يفيد بأنّ تطبيع العلاقات مع إيران يقتضي بأن يغيّر “نظام الملالي” نظرته إلى أمور المنطقة، فيضع جانباً “الحرس الثوري” ومخططاته التوسعيّة، حيث الأولويّة للشؤون الجيو-سياسيّة، ويعطي الريادة لكيانات الدولة وأجهزة الحكومة، حيث الأولويّة للتنمية ومسارات الرخاء.
 
وهذا يعني أنّ المملكة العربيّة السعودية تفترض أن تتحوّل إيران من نظام ذي “أدوار خبيثة” في المنطقة إلى نظام مؤهّل للبحث مع جيرانه في المصالح المشتركة، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على الجميع، دولاً وحكومات وشعوباً.
 
وللوصول إلى هذه الأرضية المشتركة للحوار، لا بدّ من أن يعيد النظام الإيراني النظر في نوعيّة تعاطيه مع الدول التي سبق أن اعتبرها مرشد الجمهورية الإسلامية علي الخامنئي “عمقاً استراتيجياً” كما هي عليه حال اليمن والعراق ولبنان وسوريا وضمناً دول مجلس التعاون الخليجي.
 
وتطمح المملكة العربية السعودية إلى أن ينطلق الحوار مع إيران من خلفيّة مختلفة، بحيث تغيب المخططات التوسعيّة التي تضعها إيران في أولويّاتها وتحضر الخطط التنمويّة، فتصبح إيران في موقع المساعد والمستفيد من الرؤى التنمويّة التي تجهد من أجلها دول مجلس التعاون الخليجي.
 
وما يطرحه وزير الخارجيّة السعودي الأمير فيصل بن فرحان يتكامل إلى حدّ ما مع إرادة الشعب الإيراني الذي ينتقل من ثورة إلى ثورة ومن انتفاضة إلى انتفاضة ومن احتجاج إلى احتجاج، بسبب سياسات التشدد التي يتبعها النظام الإيراني وتنعكس كوارث على مستوى الحريّات والمال والاقتصاد والخدمات.
 
ويبدو أنّ هذا الوضوح غير المسبوق في الطرح السعودي يأتي في توقيت “ملائم”، فإيران تلمس تراجع تأثيرها الإقليمي والدولي، وهي تشكو من أنّ الدول، بما فيها تلك التي لها قوة وازنة فيها، “تتملّص” بالقدر الممكن منها، كما هي حال العراق الذي بدأ يطرح عناوين تزعجها والنظام السوري الذي تقوده روسيا إلى حيث تكمن مصالحها، ناهيك عن تدهور علاقاتها مع “الاتحاد الأوروبي” والتراجع الأميركي الكبير عن “هاجس” إحياء الاتفاق النووي.
 
ويأتي هذا الطرح السعودي في وقت وجهت فيه الصين ضربة قاسية إلى حلفها مع إيران من خلال عقد شراكة استراتيجية مع المملكة العربية السعودية وسائر دول مجلس التعاون الخليجي، وبعد كلام “عدائي” غير مسبوق، صدر عن رئيس كوريا الجنوبية في دولة الإمارات العربية المتحدة أثار الغضب الإيراني.
 
ولا يفترض أن تكون هناك دولة أكثر اطلاعاً من السعوديّة نفسها على التطورات المحيطة بإيران، وهي التي تواكب عن كثب تطورات التوصّل إلى هدنة جديدة في اليمن.
 
ووفق مصدر دبلوماسيّ أوروبيّ يشارك في فاعليّات “مؤتمر دافوس”، من حيث أطلق ابن فرحان موقفه الخاص بإيران، فإنّ المملكة العربيّة السعوديّة غير معنيّة بتطوير علاقتها مع الجمهوريّة الإسلامية الإيرانيّة، بحلّتها الحاليّة، لاقتناعها بأنّ ما يقوله الدبلوماسيّون الإيرانيّون لا يلامس حقيقة ما يقدم عليه أصحاب القرار الحقيقيّون في البلاد، ولهذا فإنّ عدم تلمّس تعديلات جذريّة في آلية اتّخاذ القرار في إيران يعني أنّ الحوار معها كما لم يُجدِ نفعاً في السابق فهو لن يجدي نفعاً لا حالياً ولا مستقبلاً.
 
ولكن، هل هذا التغيير المنشود في النظام الإيراني ممكن؟
 
يجيب الدبلوماسي الإيراني، ضاحكاً: “لا تسخف أبداً بقدرة النساء على إحداث المعجزات” في إشارة إلى تأثيرات ثورة “المرأة. الحريّة. الحياة” على النظام الإيراني في الداخل وعلى وضعيته في الخارج.

فارس خشان

مقالات ذات صلة