مسار سياسي جديد ينتظر “الآخرين”؟
لتوقيت زيارة وفد حزب الله إلى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، أهمية لافتة. يكاد التوقيت، والجانب الشكلي لهذا التواصل أن يكون متقدّماً على المضمون، وذلك قبل الدخول فيه.
الانقسام الطائفي
من حيث الشكل أيضاً، سينتقل النقاش السياسي في لبنان من مكان إلى آخر. إذ أن اتصالات متعددة ستتركز لمعرفة فحوى اللقاء، والهدف منه، والمسار الذي سيفتح بموجبه. رمزية التوقيت أن اللقاء يأتي في ظل توتر العلاقات بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ. كما أنه يأتي في ظل بروز بعض الاصطفافات الخطرة، من خلال محاولة جهات متعددة تقديم صورة تشير إلى الانقسام الطائفي في البلاد، من مواقف التيار الوطني الحرّ، إلى قوى مسيحية أخرى تدعو للفيدرالية، وموقف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي أشار إلى أنه في حال نجح حزب الله بإيصال مرشحه إلى رئاسة الجمهورية، فلا بد من البحث عن صيغة أخرى للنظام السياسي. وكلامه حول أن العلاقة مع جنبلاط على “القطعة”، ما استدعى رداً من جنبلاط، وصولاً إلى موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي اعتبر أن هناك مخططاً لتفريغ مواقع المسيحيين والموارنة والسيطرة عليها. وهو ما استدعى أيضاً رداً من نصرالله.
فعلى ما يبدو، جدد نصرالله شروطه لانتخاب الرئيس، وفقد الأمل من باسيل، وذهب إلى التفاوض مع جنبلاط.
إذاً، اللقاء من حيث الشكل له جملة أهداف، أولاً تعزيز التواصل بين الجانبين، للبحث في المسار الرئاسي والملفات الإقتصادية. ثانياً، رسالة أساسية من قبل الطرفين إلى القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ، لا سيما أن حزب الله يقول لباسيل إنه لا يحتكر وحيداً العلاقة مع الحزب وأن لدى الحزب علاقات متعددة. ثالثاً، هناك إصرار من قبل الطرفين على تهدئة الوضع ومنع تفاقم الخطاب الطائفي والمذهبي، وبالتالي لا بد من التواصل بين كل القوى للتخفيف من حدة هذا الانقسام، وذلك عبر التركيز على مسألة الحوار، للوصول إلى توافقات في ملف رئاسة الجمهورية.
رئاسة مقرونة بخطة
لم يحمل وفد حزب الله إلى اللقاء أي أجوبة على الأسئلة السابقة التي كان قد طرحها جنبلاط على وفد الحزب نفسه قبل أشهر، إذ تقول مصادر متابعة: “الجلسة السابقة أصبحت وراءنا لأن احداثها انتهت، فأسئلة جنبلاط تركزت حينها على الاتفاق النووي ومدى ربط حزب الله للبنان بمصير هذا الاتفاق. كما تركزت على مسألة ترسيم الحدود ومسيرات الحزب التي أطلقها باتجاه حقل كاريش والتلويح بالحرب”. وبالتالي، لم يعد من داع لتقديم الأجوبة لجنبلاط. أما الملفات الأخرى التي حضرت بالتفصيل، فكانت استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية، وكيفية الوصول إلى توافق بشأن إنجازه. وقد كان اتفاق بين الطرفين على ضرورة استمرار الحوار. وتقول المصادر: “قدم وفد حزب الله وجهة نظره الرئاسية، وكانت تنطلق من مبدأ بلورة مسألة ترشيح سليمان فرنجية، في ظل اختلاف الحزب مع التيار الوطني الحرّ”. وهنا تقول مصادر متابعة، إنه لم يكن متوقع أن يأتي حزب الله إلى كليمنصو أو إلى أي طرف ليعلن عن البحث بمرشح آخر غير فرنجية. وركز وفد الحزب على أن التوافق على رئيس لا بد أن يرتبط بتوافق حول الخطة الاقتصادية وآلية تشكيل الحكومة ووضع مسار واضح للخروج من الأزمة. وهنا كان جنبلاط واضحاً في مسألة وجوب القيام بإصلاحات أساسية تطمئن الداخل والخارج، ولا سيما في مسألة ضبط الحدود ومنع التهريب.
المرشح الثالث؟
في سياق البحث أيضاً، تم المرور على ملف الاجتماع الذي يتم الحديث عن انعقاده في العاصمة الفرنسية باريس، ولكن لم يكن أي من الطرفين يمتلك معلومات تفصيلية حول هذا الاجتماع، وما يمكن أن يؤدي إليه، أو كيف سيتم تناول الملف اللبناني. وهنا تقول المصادر المتابعة إنه لا حلّ في لبنان إلا بالتفاهم. وهذا التفاهم لا بد أن يحصل في الداخل والخارج، لا سيما أن اتفاق جنبلاط وحزب الله وبرّي لن يؤدي إلى أي تغيير، ولا بد من انتظار موقف القوى الأخرى ولا سيما القوى المسيحية. هذا من جهة، ومن جهة ثانية تعتبر المصادر أن الخارج قد يدفع الداخل إلى الموافقة على بعض المسارات أو الخيارات، ولكن ذلك يحتاج إلى وقت ولا يزال مساره بعيداً حتى الآن. ولدى سؤال المصادر إذا ما كان اللقاء يؤسس إلى بدء البحث في الخيار الرئاسي الثالث؟ نفت المصادر ذلك، واعتبرت أنه لا يزال مبكراً الخوض فيه. وهذا لا يتبلور إلا من خلال متابعة الحوار والتشاور بين كل القوى. وتشير مصادر قريبة من جنبلاط إنه على موقفه، وهو لا يؤيد ترشيح فرنجية، طالما أن لا توافق داخلياً وخارجياً حوله.
الحصار والبدائل
الملفات الاقتصادية حضرت في كل تفاصيلها أيضاً، من الملف المالي والتحقيقات الأوروبية الحاصلة، إلى ملف الكهرباء، والملفات التربوية وغيرها. وأعلن جنبلاط أنه ضد ما حصل في جلسة مجلس الوزراء، وكان وفد الحزب موافقاً معه، ولكن لا أحد يمتلك خياراً بديلاً في ظل الوضع القائم. إذ اعتبر وفد الحزب أن الحصار المفروض على لبنان والضغوط القائمة لا تسمح بإيجاد أي حلول أخرى.
وقد أبدى الطرفان ارتياحهما إلى العلاقة الثنائية، ومسارها، مع التشديد على وجوب استمرار الحوار بين كل القوى السياسية للوصول إلى توافق وتفاهم. فيما لم يتم النقاش في الملفات الإقليمية والدولية، حسب ما تقول المصادر. وتختصر المصادر اللقاء بأنه خطوة في مسار جديد لا يمكن له إلا البحث عن فرص للتوافق مع غالبية القوى، ولكن هنا لا بد من متابعة رد فعل التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية. واللافت أن زيارة وفد حزب الله إلى جنبلاط حصلت بالتزامن مع زيارة يقوم بها النائب وائل أبو فاعور إلى المملكة العربية السعودية.
منير الربيع – المدن