تململ بشأن ملف تعويضات “الحزب” لبيئته الحاضنة… أزمة مالية والطريق ليس سلساً

مع اشتداد الحرب وتعاظم الدمار في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، بدأ “حزب الله” يطمئن البيئة الحاضنة بأن الوعود التي قطعت إبان حرب تموز 2006 ستطبق نفسها في حرب 2024، أي إعادة الإعمار والتعويض على المتضررين، وهو ما شدد عليه الأمين العام الجديد للحزب الشيخ نعيم قاسم في خطاباته قبل نهاية الحرب، كما أكد في خطابه الأخير أن الحزب سيدفع بدل ايواء وثمن أثاث بين 12 و14 ألف دولار لكل وحدة سكنية تضررت، وفعلاً سجل حصول عمليات مسح للمنازل المتضررة، إلا أن الأمور لا تبدو سالكة، لا سيما في ضوء التطورات الأخيرة، من سقوط نظام بشار الأسد، والانكفاء الايراني في المنطقة.

موقع “لبنان الكبير” التقى بعض المتضررين، الذي تحدث عن تجربته. وقال مالك احدى التعاونيات التي تعرضت للتدمير الكامل في الضاحية الجنوبية إنه تحدث إلى مسؤول في “حزب الله” ليستفسر عن مصير رزقه، فكان الجواب أن الحزب لا خطط لديه لمعالجة أمر المؤسسات في الوقت الحالي كون الأولوية هي للمساكن وبدل الايواء. وعندما اعترض قائلاً إن التعاونية هي جهد قرابة 20 سنة، مطالباً بمسح الأضرار وتسجيل عدد المعدات على الأقل، أتاه الجواب: “الله بيعوضك”. فغضب وقال: “هل تريدون أن أفضحكم على الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي؟”، فرد المسؤول: “اذا بدك اطلع مع مرسيل (غانم) كمان”.

مالك منزل في البقاع روى لموقع “لبنان الكبير” تجربته مع لجنة المسح، مشيراً إلى أن منزله وفق أكثر من مهندس يحتاج إلى هدم للحيطان واعادة بنائها، ولكن عندما أتت اللجنة تحدثت عن “توريق الحيطان” واعادة دهنها فقط، وسجلت بعض الأضرار في المنزل، وعملت قدر الامكان على تخفيف الكلفة، بحيث اعتبرت أن الطاقة الشمسية بخير علماً أنه لم يبقَ منها إلا 4 ألواح من أصل 16 لوحاً كان المالك قد ركبها، بالاضافة إلى ذلك لم تعترف اللجنة بسيارته المدمرة، ولا ببستانه المقلعة أشجاره والمقلوب رأساً على عقب.

في المقابل، أكد صاحب منزل في الضاحية الجنوبية أن تعامله مع اللجنة كان ايجابياً جداً، بحيث حضرت وسجلت الأضرار و”حبة مسك”، علماً أنه لا ينتمي الى “حزب الله” ولا يؤيده كما أنه ليس معادياً له. ولفت إلى أن اللجنة سجلت له أثاثاً كاملاً، مع جهازي تلفزيون كان قد رماهما عندما بدأ باعادة ترتيب منزله بعد الحرب، من دون أن ينتبه الى أنه كان يجب تركهما ليتم تسجيلهما، ولكن اللجنة تفهمت الأمر، بالاضافة إلى تأكيد اصلاح الأضرار التي لحقت بمنزله، وهو بانتظار التنفيذ.

وأشار مالك منزل آخر في الضاحية الجنوبية الى أن لجنة المسح كانت فظة جداً معه، لا سيما لجهة تذمره من أن منزل جاره (المنتمي الى “حزب الله”) تم ترميمه بينما منزله لم يرمم شيء منه، لافتاً إلى أن اللجنة حاولت قدر الامكان، تقليل قيمة الأضرار، علماً أنه يملك الوثائق التي تدل على كلفة الأغراض في منزله كونه كان عريساً جديداً.

وأعربت ربة منزل تسكن بالايجار عن تخوفها من ألا تصلها كلفة تصليح الأضرار كون اللجنة تواصلت مع المالك لا معها ولا مع زوجها، وتعرض منزلها لأضرار في أبوابه ونوافذه وبعض الأثاث، وصاحب المنزل “بلا ضمير” كما تصفه، حتى أنه طالبها بالايجار في فترة الحرب.

بينما أكد مستأجر آخر أن اللجنة كانت ايجابية جداً في التعامل معه، وسجلت الضرر الذي تعرضت له واجهة الألمنيوم والزجاج في المطبخ، بالاضافة إلى جهاز تلفزيون، وكان الرجل الذي حضر متعاوناً وسلساً جداً.

وعلم “لبنان الكبير” أن هناك استنسابية في توزيع بدل الايواء بحيث أن بعض الناس قبض أموالاً بينما آخرون لم يصلهم أي قرش، ومن غير المعروف لماذا يحصل ذلك، وإن كان وفق آلية محددة أم أن الحزب مثله مثل أي مؤسسة أخرى البعض فيها نشيط والبعض الآخر كسول، أو أن هناك استنسابية لديه.

أما كيف يفسر التناقض بين شخص وآخر، فيبدو أن حجم الأضرار كبير جداً، ويختلف تعامل موفدي الحزب حسب طباعهم، لا سيما أن الحزب خسر كثيراً في هذه الحرب، وليس الجميع متفهماً لوضع الناس، علماً أنه ليس هناك إطار حتى الآن في تحديد التعويض عن الخسائر غير المادية خلال الحرب وبعدها مثل رواتب العمل أو المدخول من المصالح الخاصة، بحيث يعيش العديد من المتضررين اليوم من دون راتب شهري أو مدخول لاعالته.

ويمكن ملاحظة حالات التململ على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن ملف التعويضات، وقال أحد المصادر المطلعة على أجواء الحزب إنه على الرغم من عودة القيادة والسيطرة الى الحزب، إلا أنه فقد العديد من أذرعه اللوجيستية، وهو لا يزال يحاول اعادة تنظيم صفوفه من هذه الناحية، لا سيما أن حجم الدمار كبير جداً.

ولا ينفي المصدر أن هناك أزمة مالية في الوقت الحالي، والحزب يقنن المساعدات بانتظار الحلحلة، تحديداً أن هناك حصاراً بحرياً وجوياً وأخيراً برياً عليه وهو لا يقتصر على الامداد العسكري، بل يشمل المالي أيضاً، موضحاً أن إعادة افتتاح “القرض الحسن” لم يقتصر هدفه على توجيه رسالة صمود، بل لاعادة ضخ سيولة عند الحزب من منطلق تسديد القروض.

ويلاحظ الفرق في الأداء بين الحرب الأخيرة وما بعد حرب تموز 2006، حين كان الحزب حينها فعلياً “يرش” الأموال على البيئة الحاضنة، ويبدو أن ظروف هذه الحرب مختلفة، ويتخوف الناس من أن لا تكون للحزب قدرة على التعويض كما سبق، ما يضع هذه البيئة أمام تحدٍ صعب، وكيفية تعاملها مع الحزب وعناصره، بينما هي تعاني الأمرين، فيما يؤكد مسؤولو الحزب أنه على الرغم من الصعوبات لن يترك بيئته تعاني، وأن التعويضات ستصل الى الجميع ولو تأخرت قليلاً.

محمد شمس الدين- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة