تطبيق الاتفاق “الغامض”: هل نحن امام تحولات قسرية… وعمليات أمنية أو اغتيالات؟

تطبيق الاتفاق “الغامض”: لبنان والحزب أمام تحولات قسرية

وضعت الحرب أوزارها. صفحة يُراد طيّها للدخول إلى مرحلة جديدة في لبنان، الذي عاش حرباً طاحنة وهو في أخطر أزماته الاقتصادية والكيانية. سيسيل حبر كثير حول الحرب ونتائجها وتفسيراتها، بين المنتصر والمهزوم، انطلاقاً من الانقسامات اللبنانية التاريخية والتي تتجدد عند كل محطّة من هذه المحطات المفصلية. وستتضارب التقديرات والتفسيرات لنص الاتفاق، بين من يعتبره انتصاراً وآخرون يريدون النظر إليه بوصفه هزيمة لحزب الله، علماً أن الحزب يصفه بأنه انتصار حفظ الوجود والبقاء، وأنه اتفاق تحت سقف القرار 1701، مستمداً أو مستعيداً تجربة ما بعد حرب تموز عام 2006. أما الآخرون فيعتبرون في تفسيراتهم أن الاتفاق يفرض تغييراً جذرياً في المقاربة حول السلاح. وقد بدأت التصريحات تصدر حول رفض السلاح غير الشرعي وحول تطبيق القرار 1559، علماً أن هذا القرار لم يذكر على الإطلاق في نص الاتفاق.

الاجتهاد في تفسير الاتفاق
يختلف نص الاتفاق عن الكثير من الشروط التي وضعها الإسرائيليون بداية، خصوصاً حول نزع سلاح الحزب، أو سحقه وإنهاء قوته. سيغرق اللبنانيون في تضارب كبير حول التفسيرات، لكن عملياً فإن تطبيق أي اتفاق سيكون خاضعاً لموازين القوى السياسية داخلياً وخارجياً، مع الإشارة إلى أن الحزب سيبقى مصراً على تكرار تجربة العام 2006. حتماً هناك أجزاء من الاتفاق ستكون بحاجة إلى استكمال، خصوصاً تفاصيل خطة انتشار الجيش وخطة انسحاب القوات الإسرائيلية، وما سيفعله الإسرائيليون في المرحلة اللاحقة. علماً أن كل كلامهم المتشدد والمعطوف على التصريحات الأميركية حول حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، مثل هذه المواقف صدرت تماماً بعد حرب تموز 2006، ولكنها لم تجد طريقها إلى التطبيق، وذلك بفعل تفاهمات دولية جانبية، خصوصاً بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، أسهمت في الآلية التي طبق الاتفاق بموجبها. وبعدها كان المسار السياسي واضحاً في لبنان من خلال خطوات حزب الله التي اتخذها لتعزيز وضعيته السياسية. إذ جاء ذلك بعد انقسام لبناني كبير أدى إلى توترات داخلية واستعادة مشاهد مشابهة للحرب الأهلية.

إعادة تشكيل السلطة
عملياً، العقد شريعة المتعاقدين، ولا قوة لأي اتفاق إلا بتوفير الظروف والتفاهمات السياسية له بالمعنى الإقليمي، وهي التي يفترض بها أن توفر الآلية التطبيقية بالمعنى الميداني في الجنوب، وبالمعنى السياسي في الداخل اللبناني، لا سيما أنه بعيد الإعلان عن وقف النار بدأت التصريحات والمواقف الدولية الواضحة حول ضرورة إعادة تشكيل السلطة وانتخاب رئيس للجمهورية، وهو ما سيحتاج إلى تقاطعات وتفاهمات أميركية إيرانية فرنسية مع دول عربية عديدة حول المرحلة المقبلة لبنانياً. إذ لا يمكن للبنان أن ينهض من دون مثل هذه التفاهمات الخارجية والداخلية، لا سيما في ظل حاجته إلى رعاية الاستقرار وإعادة الإعمار.

ضغوط دولية
سياسياً، سيكون لبنان أمام تحديات كبيرة، فالضغوط الدولية بدأت تظهر من خلال تصريحات عديدة، تدعو إلى انتخاب رئيس للجمهورية وفق معايير معيّنة وهو ما تواكبه الدول المعنية واللجنة الخماسية. جزء أساسي من الشروط سيكون مرتبطاً بشخصية الرئيس وهويته وآلية عمله، كما ستشمل هيكلية الحكومة برئيسها وأعضائها وبرنامج عملها، وسط مخاوف من أن تشتد الضغوط السياسية الدولية والأميركية خصوصاً في سبيل إعادة إحياء معادلات تحاكي الانتقام للمعادلات التي انكسرت في لبنان منذ الثمانينيات. في حال استمرت الضغوط، وأصر الإسرائيليون على التلاعب الأمني والسياسي في لبنان، من دون توفير حصانة داخلية، سيشهد لبنان الكثير من التوترات والانقسامات السياسية. وقد يجد نفسه أمام استغلال خارجي لتنفيذ عمليات أمنية أو عمليات اغتيال. حزب الله سيعلن الانتصار حتماً، وهو يتحضر لذلك من خلال الإعداد لمأتم مهيب لأمينه العام السيد حسن نصرالله، لكنه بعد إعلان الانتصار، سيواجه معاناة كبيرة مع معارضيه ومع الكثير من التوجهات الدولية والإقليمية، لجهة السعي إلى إرساء قواعد سياسية جديدة أو موازين قوى متغيرة.

العبرة في التطبيق
توقف إطلاق النار، وفتحت أبواب التحديات الكثيرة، حول الآليات التطبيقية للاتفاق، ولما سيليه عسكرياً وسياسياً، وهو ما يمكن إيجازه بنقاط متعددة:
– الفترة الأولى من وقف النار تمتد على مدى ستين يوماً، تحدياتها الأبرز تتصل في آليات خروج حزب الله بسلاحه الثقيل من جنوب نهر الليطاني.
– هناك فترة ثانية غير معلنة، وهي عبارة عن فرصة ممنوحة للبنان مداها ستة أشهر، للعمل على معالجة الكثير من الملفات الميدانية في الجنوب، والسياسية في الداخل اللبناني.
– اعتماد آلية واضحة لدخول الجيش اللبناني ومتابعة الانتشار في الجنوب ونقاط هذا الانتشار.
– الحصول على خرائط حول كل البنية التحتية لحزب الله من أنفاق ومواقع ومخازن وتفكيكها وإنهاء وجودها. وهو ما سيكون خاضعاً لمراقبة أميركية مباشرة عبر الأقمار الصناعية.
– زيادة الضغوط الدولية على حزب الله للتحول إلى حزب سياسي غير متمتع بالقدرات العسكرية الكبيرة وغير المؤثر او المتدخل في السياقات الإقليمية.
– سيبقى لبنان وحزب الله أمام تحدّي الاتفاق الجانبي بين أميركا وإسرائيل، خصوصاً أن الولايات المتحدة الأميركية ستستخدمه كسيف مسلط على لبنان، الحزب، وإيران.
– يبقى التحدّي الأبرز هو التطلع إلى وضع المنطقة وظروفها ولا سيما في سوريا والعراق، بما يتصل بمنع تهريب الأسلحة إلى لبنان. وهو ما سينجم عنه متغيرات على مستوى القرار السياسي الإقليمي أو فرض وقائع أمنية وعسكرية جديدة.

منير الربيع* المدن

مقالات ذات صلة