ضرب المقاومة وفتح جبهة أخرى: أميركا نحو المجازفة بـ«استقرار» العراق؟
نتنياهو ينسّق توسيع العدوان مع ترامب لا مع بايدن
تزايدت، في الأيام الماضية، وتيرة التهديدات الإسرائيلية للعراق، رداً على تزايد عمليات المقاومة ضد أهداف في فلسطين المحتلة. والتهديدات المشفوعة بتناول وسائل الإعلام الإسرائيلية إحصائيات لعمليات المقاومة، وسيناريوات للرد الإسرائيلي تتحدث عن استهداف محتمل للبنى التحتية وقادة المقاومة، تعبّر عن توجّه جديد لدى الاحتلال، الذي دأب، منذ افتتاح جبهة الإسناد العراقية منذ أكثر من عام، على تجاهل تلك العمليات إلى حد كبير، توازياً مع فرض الرقابة العسكرية على وسائل الإعلام عدم تناولها.
وتنطلق إسرائيل في تفكيرها المستجد، من أن استمرار تجاهل تلك الهجمات يسيء إلى الردع الإسرائيلي، ولا يتساوق مع طريقة تصرّف العدو على جبهات أخرى مثل غزة ولبنان وسوريا، وإلى حد أقل اليمن. على أن السبب في إحجام العدو عن الرد في العراق معروف، وهو أن ثمة مصالح ورهانات كبيرة للولايات المتحدة في هذا البلد، تخشى أن يسيء أي رد إسرائيلي إليها، ولا سيما أن المقاومة العراقية بدأت جبهة إسنادها لقطاع غزة، بهجمات على أهداف إسرائيلية وقواعد أميركية في سوريا والعراق، ثم توقّفت عن استهداف هذه القواعد، بعد الاتفاق الأخير بين واشنطن وبغداد على انسحاب أميركي من العراق بحلول نهاية عام 2026، بمعزل عن اقتناع المقاومة بجدية الأميركيين في الالتزام بهذا الاتفاق.
وإذ نجحت التهديدات الإسرائيلية في دق ناقوس الخطر عند الحكومة العراقية، إلا أنها لم تُسهم في ما تقول الأخيرة إنها تبذله من مساع لإقناع المقاومة بوقف عملياتها ضد إسرائيل، لعدم إعطائها حجة للرد، وبالتالي عدم جرّ العراق إلى الحرب. أما الأميركيون، فيضغطون، في هذا الوقت، على تل أبيب لعدم الرد، وفي المقابل يهوّلون على العراقيين بذلك الرد إن هم واصلوا العمليات، تحت عنوان أن قدرتهم على الضغط على العدو محدودة. وما يمكن استخلاصه من السلوك الأميركي هنا، هو أن أي رد إسرائيلي مدمّر على العراق، لا يمكن إلا أن يكون قراراً أميركياً، أو أن يتم بموافقة أميركية، كما هي الحال في كل الساحات التي تضرب فيها إسرائيل، من غزة إلى لبنان وسوريا واليمن. وبالتالي، لا يمكن إلا اعتباره مؤشراً إلى نية الولايات المتحدة إحداث تغيير جوهري في سياستها التي تخص مستقبل وجود جنودها في العراق، ومواجهتها مع إيران أيضاً.
نتنياهو ينسّق توسيع العدوان مع ترامب لا مع بايدن
من هنا، يمكن الانتقال إلى القول إن هذا المسار، ما دام يُنفّذ بقيادة بنيامين نتنياهو، وبمواكبة أميركية، يساوق ما يتفاهم عليه الأخير مع الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، وليس مع إدارة جو بايدن التي كان رئيس وزراء العدو قد أدار لها الظهر حتى قبل الانتخابات. وممّا يجدر التذكير به، في هذا الإطار، هو أن التقارير التي أشارت إلى نوعية المحادثات بين ترامب ونتنياهو قبل أشهر من الانتخابات، تؤكد أن الرئيس المنتخب كان يملي على رئيس وزراء العدو ما يجب فعله، من نوع الطلب منه عدم وقف الحرب على غزة قبل الانتحابات، ومن ثم الطلب منه «إنجاز المهمة» قبل تسلّمه منصبه رسمياً في 20 كانون الثاني المقبل.
ولا تكتفي واشنطن وتل أبيب بالتهويل على العراقيين، وإنما تتهمان طهران بإطلاق يد المقاومة العراقية، كطريقة للرد على هجمات إسرائيل ضد إيران، من الأراضي العراقية، وبأنها قامت بتهريب صواريخ متوسطة المدى إلى العراق بهدف تطوير هذا الرد. وذلك الاتهام دفع بالحكومة العراقية إلى التوكيد، مرة بعد أخرى، أنها ترفض استخدام أراضي البلاد كساحة للصراع، وإن كان موقفها المتقدم يشوبه نقص ناجم عن أنها لم تستطع منع إسرائيل من استخدام أجواء العراق في الهجوم الأخير على إيران، باعتراف حكومة محمد شياع السوداني، والتي تقدمت بشكوى إلى الأمم المتحدة ضد الانتهاك المشار إليه. وعلى رغم ما تقدّم، لم تقل إيران إنها ستردّ على إسرائيل انطلاقاً من العراق، كما ليس من المتوقع أن تُقْدم على سيناريو كهذا. وأما عمليات المقاومة العراقية، فهي وإن كانت لا تغطّيها الحكومة، تبقى قراراً عراقياً وبتنفيذ عراقي.
في ظل ما تقدّم، صار من المحتّم الاستعداد لاحتمال قيام واشنطن وتل أبيب بفتح جبهة أخرى في العراق، ضمن المشروع الأوسع للرئيس الأميركي المنتخب لترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط، بما يخدم هدف جرّ مزيد من الدول العربية إلى التطبيع مع إسرائيل، وبالتالي تعزيز الهيمنة الأميركية عليه، و«إنهاء الحروب»، وفق ما يدعو إليه برنامج ترامب، بهذه الطريقة وليس بالتسوية بين القوى المتصارعة. وسواء كان هدف مثل هذا السيناريو الوقوف على حدود إيران ومحاصرتها، وفق ما يُتوقع لسياسة الرئيس الأميركي الجديد أن تكون، أو مهاجمة إيران نفسها، فإن الأخيرة لا يُنتظر أن تقف مكتوفة الأيدي، وهي ليست كذلك الآن. حينها، يمكن ترقّب أن يكون الرهان الإيراني قائماً على المقاومة أينما وُجدت، بحيث يمكن إسقاط المشروع المذكور في أيّ مكان، من مارون الرأس في لبنان إلى آخر جيب على الحدود العراقية الإيرانية، أو داخل إيران نفسها.
حسين ابراهيم- الاخبار