مؤشر غير إيجابي و“سقطة غير حكيمة”: جعجع “الوجه الآخر” للــ “ثنائي الشيعي”؟
سمير جعجع… “رئيس” أو “قائد القوات اللبنانية”؟
في الوقت الذي يرزح فيه لبنان بكل مناطقه تحت عدوان إسرائيلي همجي يهدد بإعادة جنوب لبنان إلى ما قبل العام 2000 – بغض النظر عن أسبابه المعروفة -، وفي وقت تقوم فيه السلطة ممثلة برئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بـ “مصادرة” القرار اللبناني وحصر التفاوض بهما مع المبعوث الأميركي الرئاسي آموس هوكشتاين على حد تعبير البعض، من دون إطلاع أقله مجلس النواب أو القوى السياسية الأخرى في البلد على ماهية التفاوض والقرارات المتخذة والتي يتأثر بها لبنان بأكمله بطبيعة الحال، في هذا الوقت يسأل المرء عن المعارضة السياسية في البلد وموقفها من التطورات الذي يبدو للأسف لا يقل سوءاً عن موقف السلطة ولو أنه يلتقي معها واقعاً، وهي التي تتعامل مع الوضع وكأنه لا يعنيها بذريعة أن “حزب الله” هو وحده المسؤول عن إندلاع الحرب عبر إطلاقه حرب “المساندة والاشغال” في الثامن من شهر تشرين الأول 2023 وبالتالي فليقلِّع شوكه بيديه، وتكتفي بإطلاق بعض التصريحات والبيانات وكأنها بذلك قد أدت قسطها للعلى عبر دعوتها – ونتحدث هنا حصراً عن “القوات اللبنانية” التي تتصدر المعارضة وتدَّعي ريادتها – إلى مؤتمري معراب اللذين خرجا بمقررات تصعيدية “رومانسية” لا تمت الى الواقع الحالي بصلة، بسبب اللغة التي صيغت بها والتي أقل ما يقال فيها إنها “إستفزازية” وتنحو نحو التحدي الذي يستجلب الهواجس والتحدي المضاد، بحيث يرى البعض صعوبة في الفصل بين المقررات نفسها على الرغم من “أحقيتها” ربما، وبين اللغة التي صيغت بها والتي تجعل منها – كما يرى هذا البعض – صعبة المنال في الوقت الحاضر على الأقل بسبب طبيعة النظام القائم في البلد، والذي تساهم هذه المعارضة في إطالة عمره والتمسك به.
وفضلاً عن المؤتمرات ومقرراتها، أطل رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع في مقابلتين تلفزيونيتين دعا في الأولى إلى الذهاب إلى المجلس النيابي وإنتخاب رئيس حتى ولو من دون المكوِّن الشيعي، وذلك عبر “فتوى” دستورية أطلقها بأن الدستور ينص على أن المناصفة هي بين المسلمين والمسيحيين وليس بين المذاهب، على الرغم من أن المجلس النيابي والحكومة ووظائف الفئة الأولى في الدولة هي فعلياً مقسمة بين المذاهب، فكان هذا التصريح بمثابة “سقطة غير حكيمة” يصح القول فيها إن غلطة “الحكيم” بألف، اضطر بعدها الى إصدار توضيح للتصريح الذي وللأسف لم يكن السقطة الوحيدة.
وفي مقابلة أخرى، لم يرَ “الحكيم” في التطورات والأحداث الراهنة من عدوان إسرائيلي همجي يهدد وحدة أراضي لبنان وسيادته، إلا مجرد “فرصة” لاستعادة الدولة اللبنانية سلطتها، بتصريح يذكِّر بتصريح مماثل للرئيس السابق ميشال عون عندما رأى في كارثة “تفجير” المرفأ فرصة لعودة المساعدات الدولية لسلطة “العصابة الحاكمة” يومها، هذا التصريح “الفج” أثار الاستهجان والاستغراب أيضاً ما إضطر الدكتور جعجع الى إصدار توضيح آخر للتصريح، فبات لكل تصريح لـ “الحكيم” توضيح في سابقة لم تحصل من قبل ولا تليق برئيس حزب من وزن الدكتور جعجع.
هذه التصريحات لرئيس حزب “القوات اللبنانية” والتي أُتبعت بتوضيحات، أثارت العديد من الانتقادات لدى البعض ممن رأى فيها حدة في اللغة المستعملة والبعيدة كل البعد عن لغة التخاطب السياسي البناء، والتي ذكَّرت هذا البعض بلغة “قائد القوات اللبنانية” سمير جعجع وليس رئيس حزب هذه القوات، وهي الصفة التي إعتمدها الحكيم منذ خروجه من السجن بفعل العفو عام 2005، وهو ما رأى فيه هذا البعض مؤشراً غير إيجابي.
اليوم والبلد على أهبة إتفاق – غير مضمون النتائج – على وقف إطلاق النار مع إسرائيل برعاية أميركية، وقبول لبناني “متأخر” بالقرار 1701، ماذا سيكون موقف الدكتور جعجع و”المعارضة” من هذا الموضوع، خصوصاً مع وقوف هوكشتاين على “خاطره” عندما زاره في معراب؟ هل سيرفض ويبقى على رأيه التصعيدي بتطبيق كل القرارات الدولية – التي هي أصلاً في صلب القرار 1701 ما يجعل من موقفه يبدو وكأنه للمزايدة – أم سيقبل ما يمليه الأميركيون والايرانيون على لبنان، ويكون بذلك “تنازل” كغيره من خصومه اللبنانيين للخارج مقابل التصعيد في الداخل، وهي باتت عادة لبنانية مقيتة يدفع ثمنها الشعب اللبناني من حياته وإستقراره ومستقبله، ما يجعل من ممارسات حزب “القوات اللبنانية” وبكل صراحة ومحبة هي “الوجه الآخر” لممارسات خصمه “الثنائي الشيعي” ولكن في المقلب الآخر من الصورة؟ فهل نطمع بأن تغير التطورات ومشروع الحل المطروح – إذا تحقق – من نمط التعامل السياسي بين الخصوم والأطراف السياسية وينعم لبنان بفترة راحة نسبية تعيد له ولو نسبياً صورة الدولة الطبيعية؟ للأسف لم يعد لدينا في هذه الظروف غير الانتظار.. فلننتظر ونرى.
ياسين شبلي- لبنان الكبير