برّي قام بواجبه و«كفى»: « لا أعرف هل تمدّد حركة أمل لقائد الجيش»؟
بتسلّمه امس البريد الاسبوعي من الامين العام لمجلس النواب عدنان ضاهر، على جاري العادة، اخذ الرئيس نبيه برّي علماً باقتراح القانون المعجل المكرر الذي تقدمت به كتلة نواب حزب القوات اللبنانية لتمديد ثان لقائد الجيش العماد جوزيف عون على رأس المؤسسة العسكرية. وكانت الكتلة أودعت الاقتراح في المجلس الاثنين الفائت، واخذ برّي علماً به من وسائل الاعلام قبل تسلّمه اياه امس وصار الى تسجيله في قلم البرلمان. الخطوة التالية انتظار أوان جلسة عمومية كي يحال اليها ويُبّت.
مساء الثلثاء، سُئل رئيس المجلس عن الاقتراح، فعقّب: «لم يصل إليّ. أُخبِرت انهم تقدموا به. قبل إحالته الى الجلسة، يقتضي ان نصغي الى الأفرقاء الآخرين. الاقتراح كما علمت يقتصر على قائد الجيش، اي مقصور على فرد واحد. هذا عطبه الاول لأنه مرشح لأن يُطعن فيه. ماذا عن سائر الأجهزة الأمنية؟ هل يشملها؟ يصعب إمرار اقتراح شخصي. القانون الذي أصدرناه سابقاً كان عاماً شمل قائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية برتبة لواء في الوظيفة، وحظي بالتأييد لعدم اقتصاره على شخص واحد. عندنا السنّة والشيعة والكاثوليك. الامر مختلف الآن. ما رأي الكتل الاخرى التي وافقت على شمولية القانون السابق؟».
ولدى سؤاله عما إذا الأوان نضج للتفكير في إجراء كهذا؟ قال: «لنرَ اولاً. المرة الماضية حركة أمل كانت وراء التمكّن من إقرار القانون السابق. تعذّر اكتمال النصاب القانوني في الجلسة لغياب كتل أساسية كالتيار الوطني الحر وحزب الله. حضر نواب حركة أمل جميعهم الـ15، فاكتمل النصاب وأٌقرّ القانون. لا أعرف هذه المرة هل ستمدّد له حركة امل؟».
موقف رئيس المجلس هو الثاني في ايام قليلة حيال قائد الجيش. الاول في 20 تشرين الاول بقوله لقناة تلفزيونية ان ترشيح قائد الجيش لرئاسة الجمهورية يحتاج الى تعديل دستوري وتوافق أكثر من 86 نائباً. ليست تلك المرة الاولى يأتي على هذا الجانب كي يجزم بما هو أبعد من التعديل الدستوري. ليس في صدد تكرار تجربة انتخاب الرئيس ميشال سليمان في 25 ايار 2008 بالتعويل على المادة 74 في الدستور.
حينذاك انتخب قائد الجيش رئيساً من دون تعديل الدستور. أخذ برّي بفتوى كان ادلى بها امامه الوزير السابق بهيج طبارة في حضور وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير لسنة خلت، عام 2007، باجتهاد مؤدّاه ان التعديل الدستوري لمَن يُحظّر الدستور انتخابهم الا بشروط يسري على المهل، ولا يسري على ما بعد انقضائها. تحت وطأة ما نجم عن 7 ايار 2008 في ما بعد والتسوية الوطنية الصغيرة المبرمة في الدوحة، وجد رئيس المجلس نفسه يستعين بذاك الاجتهاد تحت وطأة تسارع الجهود لانتخاب الرئيس بعد شغور ستة اشهر. لاحقاً، مذ انتهت ولاية الرئيس ميشال عون في تشرين الاول 2022، سُمع رئيس المجلس اكثر من مرة يقول انه لن يعود بعد الآن الى المادة 74 التي لها شروطها المقيّدة لتطبيقها، وأعاد الاستحقاق الى قواعد المادة 49 عوض سواها.
ذلك ما فسّر تكراره أخيراً أن ترشيح قائد الجيش للرئاسة يتطلب تعديلاً دستورياً، عارفاً في الوقت نفسه ان للتعديل المنصوص عليه في المادتين 76 و77 أصولاً معقّدة وطويلة. المادة 76 معطّلة عملياً لعدم وجود رئيس للجمهورية صاحب اختصاص اقتراح التعديل، فيما المادة 77 متاحة بانبثاق التعديل من مجلس النواب. مع ذلك يحتاج إمرار التعديل الى الإرادات مقدار حاجته الى الوقت.
التمديد السابق لقائد الجيش لم يكن أقلّ التباساً وإثارةً للجدل مع انه نفّذ قانوناً. عجزت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عن إمراره في مجلس الوزراء بسبب رفض وزير الدفاع موريس سليم اقتراح تأجيل تسريح القائد الحالي، وتالياً امتناعه عن احالة مرسوم بذلك عملاً بالمرسوم الاشتراعي 102/83. طرحت مشاريع اقتراحات في مجلس النواب تناقض بعضها مع بعض. من ثمّ عاودت الحكومة المحاولة وحددت موعداً لجلسة في 14 تشرين الثاني 2023 لم تلتئم بذريعة تغيّب وزراء نجم عن قطع عسكريين متقاعدين طريق الوصول الى السرايا. آنذاك وُجّهت أصابع الاتهام الى عون أنه وراء تحريك العسكريين المتقاعدين ومساهمة حواجز الجيش في قطع الطريق بغية تعطيل الجلسة تفادياً لتمديد يصدر عن مجلس الوزراء خلافاً للأصول الدستورية والقانونية، هو عرضة للطعن.
أُلقي العبء عندئذ على مجلس النواب لإخراج التمديد بقانون يتفادى اختصاص وزير الدفاع لدى مجلس الوزراء، مؤدّاه تعديل سن التسريح الحكمي لقائد الجيش بتعديل القانون الذي ينص على هذا البند، هو المرسوم الاشتراعي 102/83. في غياب كتلتيْ حزب الله والتيار الوطني الحر وبعض نواب تغييريين صودق على اقتراح قانون معجل مكرر بتمديد سنة لقائد الجيش، في الوقت نفسه استرضاء طوائف قادة الاجهزة الامنية برتبة لواء. في المدة الفاصلة عن نهاية موعد التمديد الأول لعون في 10 كانون الثاني 2025، يبدو أن رئيس المجلس لا يريد تنكّب العبء نفسه، ولا تقبّل مناورة مزدوجة اشترك فيها ميقاتي وعون كالتي حدثت في 14 تشرين الثاني الفائت، ويفضّل المهمة – اذا كانت ستحدث – ان تكون بين يدي رئيس الحكومة. كان نُسِب الى برّي في وقت سابق عندما فوتح باحتمال تمديد ثان بأنه قام بواجبه و«كفى».
أما المغزى المهم، فهو ان لا يتيقّن رئيس المجلس بعد إن كانت حركة امل التي يرأسها ستصوّت للتمديد الثاني.
في ما قاله اخيراً ان لكلٍ من خياريْ التمديد والترئيس شروطه وزمانه ومقتضيات الحاجة اليه. بالتأكيد لم تنقطع مرة زيارات قائد الجيش لعين التينة، ولا قلّل رئيس المجلس من تأكيد التعويل على دور الجيش في حفظ الاستقرار والامن. آخر ما قاله ان الجيش وحده يطبّق القرار 1701. الرجل، كحزب الله، يميّز بين قيادة المؤسسة ورئاسة الدولة. مع ذلك، ظل عالقاً ما فات عون يوماً الانتباه اليه في استقباله ميقاتي في 2 آب الفائت في اليرزة في عيد الجيش، بأن قصر الاشادة عليه على انه «الداعم الاول والاساسي لهذه المؤسسة» و«في كل مرة نطلب منك امراً يتعلق بالجيش كنت تتجاوب معنا».
ما حصل في 15 كانون الاول 2023 يراد استعادته بحجج مماثلة.
يطلب اقتراح القانون المعجّل المكرر المقدم من حزب القوات اللبنانية «تعديل سن التسريح الحكمي من الخدمة العائد الى رتبة عماد في الجيش» ادراجه في جدول اعمال اول جلسة اشتراعية اخذاً بالمادة 110 في النظام الداخلي للمجلس، و«اعتبار الأسباب الموجبة تبريرية لصفة العجلة». وينص على التمديد سنة جديدة للقائد الحالي على نحو يجعل سن تسريحه 62 عاماً بدلاً من 61 التي نشأت عن قانون التمديد الاول في جلسة 15 كانون الاول المنصرم بأن رفعت سن تسريحه من 60 عاماً الى 61 عاماً. تبعاً للمادة 56 في المرسوم الاشتراعي 102/1983 وتعديلاته والقانون 329/1994 سن تقاعد القائد 60 عاماً.
نقولا ناصيف – الاخبار