شبح الفوضى الداخلية والحرب الأهلية: هل رفعت محافظتا طرابلس وعكّار أيديهما عن استقبال النازحين؟
حاول بعض المعنيّين شمالاً “ترقيع” ما اقترفته الحرب المتوسّعة، عبر احتضانه النازحين في مناطقه وفتح المدراس لهم كمراكز إيواء، لكن من يُراقب الوضع السياسيّ ويرصد البيانات التي أطلقها محافظ طرابلس والشمال القاضي رمزي نهرا من جهة، ومحافظ عكّار المحامي عماد لبكي من جهة ثانية، يشعر جدّياً بوجود تبدّلات واضحة في المواقف والاتجاهات عقب عملية احتضان شماليّة “شعبيّة” واسعة للنازحين.
البداية كانت مع نهرا الذي أكّد في أكثر من مقابلة إعلامية، أنّ مراكز الإيواء في الشمال امتلأت بالنازحين “ولم تعد هناك أماكن كافية لاستقبال موجات نزوح جديدة”، مشدّداً على عدم وجود مجال أساساً لفتح مدارس جديدة لهم، خصوصاً مع قرب انطلاق العام الدراسي الذي يأمل وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي بافتتاحه في 5 تشرين الثاني. وفي المقابل، صُدم المراقبون ببيان محافظ عكّار بعد مرور يوميْن تقريباً على كلام نهرا، والذي أعلن فيه الأمر عينه، أيّ “عدم وجود مراكز إيواء في المحافظة بعد امتلائها بالنازحين”، لافتاً إلى أنّ “المدراس الباقية مقفلة للتدريس”، عدا عن رصده صعوبات عدّة لدى استقبالهم النازحين شمالاً.
معطيات “لبنان الكبير” الأمنية، تُؤكّد استمرار موجة النزوح الكبيرة إلى الشمال وعدم توقّفها حتّى اللحظة، وهو ما تُشير إليه أساساً زحمة السير الخانقة تزامناً مع هذه الحركة خصوصاً عند مدخل الشمال، أيّ حاجز المدفون- البترون، “وهذه الحركة لن تتوقّف وستكون (وتحديداً خارج مراكز الإيواء) عشوائية، غير منظمّة وغير منضبطة مع توسّع الحرب واستهداف النازحين في كلّ منطقة”.
وبوجود أكثر من 15 ألف نازح في مراكز إيواء طرابلسية، مع أكثر من 55 ألف نازح خارجها (وفق إحصاءات غير دقيقة بصورة شاملة حتّى اللحظة، نظراً الى عدد سكان المدينة الكبير والضغط الأكبر مع نزوح لبنانيّ وآخر سوريّ) كما جاء على لسان نهرا، وحوالي 63 ألف نازح في عكّار وفق لبكي، أعلنت البلديات، اتحاد البلديات والمخاتير، بطبيعة الحال، عدم قدرتهم على تحمّل الأعباء التي تُرافق هذا “الحمل” الاجتماعي والأمنيّ، لا سيما بعد حديث أكثر من جهة (قد تكون استخباراتية) عن احتمال حلول شبح الفوضى الداخلية والحرب الأهلية التي قد “يستمتع” بها العدو، كتصريح وزير الجيوش الفرنسيّ سيباستيان لوكورنو، وتوقّع الأمين العام للمجلس الاسلامي العربي محمّد علي الحسيني عبر قناة “العربية”.
يُمكن القول، إنّ “الشبح” الأمنيّ، كان ذُكر فعلياً خلال اجتماعات عكّارية وطرابلسية مع الفعاليات الأمنية والمعنية شمالاً، وهو ما يُؤكّده مصدر مسؤول لـ “لبنان الكبير”، والذي لا يُخفي صحّة هذه الأقاويل “في ظلّ رغبة العدو في نسف الجنوب للاستيلاء عليه، ونقل المعركة إلى الجبهة الداخلية المشغولة بنفسها”.
ويقول: “نرصد مشكلتيْن، أوّلها يرتبط بعدم تحمّل الدّولة مسؤوليتها أمام شعبها، إذْ لم تصل المساعدات التي يتحدّث عنها القائمون عليْها إلى المحافظتيْن كما يجب، وتُعانيان من نقص في الفرش والمساعدات الغذائية التي لم تتجاوز الألف في عكّار مثلاً، وفي ظلّ الضغط الذي تُواجهه المحافظات الشمالية لأنّها الأكثر أمناً واحتضاناً للنازحين لا سيما البيئة الاسلامية فيها (إنْ صح التعبير)، يُحمّلها البعض مسؤولية فتح المدارس أو إقفالها أمام المواطنين، مع العلم أنّ هذه المسؤولية لا تتحمّلها إلّا وزارة التربية بشخص الوزير حالياً، لأنّ المحافظات تتخذ إجراءات تابعة لقرارات السلطة التنفيذية وتُطبقّها، فالمحافظ لا يتخذ قراراً بفتح مدرسة ما، إلّا بقرار من الوزير، فأين هو الوزير؟ ولماذا يُريد فتح المدارس في زمن الحرب العشوائية؟”.
أمّا المشكلة الثانية، فتكمن في “وجود قرار مسيحيّ واحد وجامع اتُخذ أخيراً وحسم فكرة عدم الرغبة في استقبال النازحين في البيئة المسيحية تحديداً، وذلك خوفاً على أيّ تغيير ديموغرافي وتجنّباً للضربات العدوانية، مشيراً الى “أننا نواجه انقساماً طائفياً حاداً في لبنان، لكنّ البيئة المسيحية وفي مواقفها التي اعتاد البعض اتهامها بالعمالة، تمكّنت من اتخاذ قرارها لحماية نفسها لا سيما بعد ضربة أيطو- زغرتا، حتّى لو اختلفت أهواء المسيحيين السياسية وبغضّ النّظر عن أيّة خلافات شخصية، أعلنت لمّ شملها بخلفية قواتية، مردية، وعونية، فالبترون رفضت استقبال أحد، وكذلك بشرّي البعيدة أساساً، وتتخذ مجمل البيئة القرار عينه على خلاف البيئة الاسلامية التي ستستقبل الفائض من النازحين لديها (على الرّغم من تناقضها) من دون تدخل وعناية سياسيّة (ضعيفة أساساً)، وهو ما سيُعرّضها للخطر فيما بعد، وستفتح أبواباً على نفسها كنّا ظنّنا أنّها أُغلقت، لكنّها ستفتح بمفتاح صهيونيّ خبيث، وفي كلّ الاجتماعات التي تُعقد شمالاً، تحتفظ المناطق المسيحية بحدودها بعد علمها بكثافة النزوح واحتمال انتقال بيئة أخرى ترفضها إليها… والعترة فعلياً على النّاس التي شُرّدت من منازلها ظلماً”.
ويضيف: “المعطيات تغيّرت ولا يُمكن إطلاق الحكم عليها إلّا بعد جمعها ووضعها على الطاولة، فتصريح رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ضدّ إيران مثلاً ليس سهلاً وغير معتاد أساساً، وكلّ المعلومات تلفت بجزءٍ منها إلى استهداف النازحين بصورة غير مباشرة والتضييق عليهم، لذا نستنتج أنّ كلام المحافظيْن كان رسالة سياسية وطائفية تُنذر القائمين على هذه المناطق قبل غيرهم، كما تُنذر المنظمات الاغاثية للتحرّك”.
لبنان الكبير