بعد غياب وتلطٍّ إيران في قلب المواجهة… ولبنان القاعدة المتقدّمة لحمايتها!
بعد غياب وتلطٍّ تجد إيران نفسها في قلب المواجهة. إنّها الحرب التي لطالما سعت إيران إلى تجنّبها، على الرغم من طموحاتها الكبيرة على مستوى المنطقة وتعزيز نفوذها من القوقاز إلى المتوسط، لكنّها أرادت تحقيق كلّ ذلك من دون خوض أيّ حرب ومن دون تعريض الأراضي الإيرانية للخطر. لذلك أنشأت إيران جماعات وحلفاء ووضعت مواطئ أقدام في جغرافيات متعدّدة في سبيل الدفاع عنها وعن مشروعها وللقتال مكانها ومكان جنودها. لكنّ كلّ ما بنته طهران يشارف على الانهيار.
منذ الأيام الأولى لعملية طوفان الأقصى وإعلان إسرائيل الحرب على غزة مدعومة من الغرب، تنصّلت إيران من كلّ ما جرى، ونفت رسمياً أيّ علاقة لها بالعملية، لكنّها احتفظت بالدعم المعنوي والسياسي لحركة حماس. وجدت طهران نفسها أمام اختبار حقيقي لمعادلة وحدة الساحات التي تحدّثت عنها كثيراً، فسعت إلى تفعيل ساحات “الحلفاء” في اليمن والعراق ولبنان، ولم تنجح في تفعيل الساحة السورية التي غرّد النظام فيها بعيداً عن توجيهات طهران.
أرادت إيران الاستثمار سياسياً في عملية طوفان الأقصى، لكن بقيت قراءتها تقليدية، ولم تنجح في مجاراة التفكير الإسرائيلي. ظنّت طهران أنّ الحرب لن تطول ولن تتوسّع، وأنّ الولايات المتحدة الأميركية ستنجح في فرض وقف لإطلاق النار، وتنتهي الحرب كما انتهت سابقاتها، فتكون لإيران الحظوة السياسية التي تريد تكريسها في منطقة الشرق الأوسط باعتراف أميركي، وتكون قد ضربت كلّ المسارات الأخرى. تجلّى ذلك في مواقف المرشد الأعلى خامنئي التي وصلت إلى درجة إعلان أن لا ضير في التراجع التكتيكي أمام الأعداء. لا تُنسى مواقف وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان في الأيام القليلة بعد الحرب عندما كرّر أكثر من مرّة أنّ الإصبع على الزناد، وأنّه في حال عدم وقف النار فإنّ حلفاء طهران سيشعلون المنطقة، لكنّ إيران لم تفعل شيئاً.
إيران تدرك الحقيقة
عندما أيقنت إيران أنّ الحرب على غزة لن تتوقّف، وأنّ إسرائيل مصمّمة على القضاء على حماس الذي يعني سحب ورقة قويّة من طهران، وهي الورقة الفلسطينية، سعت إيران إلى حماية “درّة تاج مشروعها”، أي الحزب في لبنان، وهو ما يعني رضوخ إيران لمعادلة الخسارة في فلسطين من خلال التسليم بخسارة حركة حماس مقابل الحفاظ على الحزب، بالإضافة إلى تخفيف عمليات الحوثيين أيضاً لحمايتهم والاحتفاظ بنفوذهم في البحر الأحمر، وحيّدت الفصائل العراقية لمصلحة الدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية على جدولة انسحاب القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي من العراق. بقي الحزب في الواجهة إلى جانب حماس، لكن وفق معادلة محكومة بما كان يسمّيه الحزب “قواعد الاشتباك”. تلك القواعد أطاحت بها إسرائيل أكثر من مرّة، لكنّ الحزب لم يلجأ إلى التصعيد ولا إلى الردّ المتوازن في مواجهة كلّ العمليات والضربات التي تعرّض لها سابقاً وصولاً إلى اغتيال أمينه العامّ السيد حسن نصرالله.
استعمال الصّواريخ قرار إيرانيّ
كلّما اشتدّ ضغط العمليات الإسرائيلية على الحزب كانت تبرز تساؤلات كثيرة حول سبب عدم استخدام الحزب لأسلحته الثقيلة والصواريخ الدقيقة، فتبيّن أنّ استعمالها كان ممنوعاً بقرار إيراني واضح، حتى إنّ بعض المعلومات أشارت إلى أنّ “كودات” إطلاق الصواريخ الاستراتيجية والمفاتيح السرّية كانت بحوزة الإيرانيين، وإيران لم تكن توافق على استخدامها. في هذا السياق، ظهرت فعّالية وتأثير الدور الإيراني في كلّ قرارات الحزب ومساراته، إذ إنّ كلّ الاغتيالات لقيادات الحزب كانت تشمل شخصية إيرانية، وذلك يعني أنّ الحزب لم يكن صاحب قرار مستقلّ.
بعيد اغتيال نصرالله، تأكّد الإيرانيون أنّ الحرب قد تصل إليهم، وأنّ إسرائيل لن تتوقّف عند حدود غزة أو لبنان. تعزّز ذلك بعد الفيديو الذي نشره نتنياهو وتوجّه فيه إلى الإيرانيين داعياً إيّاهم إلى التحرّك والتحرّر. حينها أيقنت إيران أنّ الحرب تقترب منها ولا بدّ لها من التصعيد، فتصاعدت وتيرة عمليات الحزب، وتكثّفت وتعمّقت واستخدم الحزب فيها صواريخ بالستية ومسيّرات متطوّرة نجحت في الوصول إلى حيفا وتل أبيب وتحقيق إصابات مباشرة. كانت الغاية من هذه العمليات إطالة أمد الحرب في لبنان لتجنّب انتقالها إلى إيران. كما هدفها إيصال رسائل واضحة لإسرائيل بأنّه في أيّ ضربة ضدّ إيران ستكون الصواريخ البالستية التي يمتلكها الحزب والحوثيون والعراقيون جاهزة للاستخدام دفاعاً عن إيران.
تجد إيران نفسها اليوم أمام معادلة الدفاع عن نفسها، ولذلك كثّفت من حضورها في لبنان ومنعت القوى السياسية اللبنانية والحكومة ورئيس مجلس النواب من القيام بأيّ دور سياسي لوراثة دور الحزب واستغلال حالة الضعف والترهّل أو التشرذم، فاختارت أن تقول إنّها القوّة المباشرة الموجودة على الساحة، وإنّها صاحبة القرار، وإنّ لبنان قاعدتها المتقدّمة التي ستقاتل عليها لتأخير وقوع أيّ حرب على أراضيها.
خالد البواب- المدن