بعد عام على عملية «طوفان الأقصى» يبدو المشهد في الشرق الأوسط مختلفاً تماماً عمّا كان قبل السابع من تشرين الأول الماضي. فالزلزال الحربي أنهى مقومات الحياة في غزة وشبه استحالة إعادة إحيائها، وفَتَح أبواب المخاطر حول مستقبل الضفة، وها هو يدفع بلبنان الى غدٍ مظلمٍ ومبهمٍ.

والأكثر خطورة من كل ذلك، هو أنّ إسرائيل نفسها تغيّرت كثيراً، وبات شارعها يدفع في اتجاه مزيد من الحروب متجاوزاً «عقدتي» الوقت وأكلافه الإقتصادية والخسائر البشرية. هو بات أكثر «يمينية» في اندفاعه ناحية مشروع الولادة الثانية لإسرائيل، والتي يسعى نتنياهو لأن يكون بطلها التاريخي كما كان بن غوريون صانع الولادة الأولى لإسرائيل. لا بل انّ نتنياهو مهجوس بتجاوز مكانة بن غوريون في الوجدان الإسرائيلي لناحية أن تكون «الولادة الثانية» خالية من أخطاء «الولادة الأولى» لناحية تحقيق اليهودية الصافية للدولة من خلال طرد الفلسطينيين، وأيضاً تأمين متطلبات الأمن للكيان في جنوب لبنان، والتمهيد لإمكانية مدّ الحدود لاحقاً وعندما تسنح الظروف للوصول إلى مياه الليطاني.

وبذلك، بدل أن تكون عملية «طوفان الأقصى» مدخلاً لتوجيه ضربة قاسية تؤدي إلى زعزعة ركائز هذا الكيان، فهي تحولت «فرصة تاريخية» لإعادة تجديد وترسيخ حضوره وترسيخه ووفق أسس أكثر متانة.

لذلك، لا يبدو مفاجئاً أن تتكرّر المسرحية التي اتُبعت في غزة مع لبنان. كمثل عنف التدمير ودعوات الإخلاء والتي شملت حتى مناطق عند شمال الليطاني.
ويبدو نتنياهو متيقناً بأنّ العقبة الأخيرة أمام الخريطة الجديدة للمنطقة هي بقطع كل أشكال التمدّد الإيراني في فلسطين ولبنان وحتى سوريا، قبل الشروع في تثبيت نظام إقليمي جديد. والعاصفة التي تضرب لبنان، تمّ التحضير لها جيداً غداة هزيمة العام 2006، مرشح لها أن تتطور أكثر وسط رهان إسرائيلي على نتائج عسكرية وربما ديمغرافية مختلفة. ومن هنا كان قرار التدمير من خلال القنابل الذكية العملاقة والتمهيد للغزو البري الذي وحده قادر على تثبيت النتائج المطلوبة وترسيخها على الأرض.

لذلك، تشير التقارير العسكرية إلى اكتمال نشر زهاء ثلاث فرق عسكرية إسرائيلية في محاذاة الحدود اللبنانية. وهو ما يعني أنّ عديد القوات المنتشرة بات يسمح للقيام بالمغامرة البرية وصولاً للسيطرة على عمق يتراوح بين 5 الى 7 كلم. وجاء التمهيد لذلك عبر عمليات جسّ النبض والاستطلاع، وهو ما يُعتبر في العلم العسكري خطوة ممهدة للتقدّم البري، ويهدف لاكتشاف ماذا يوجد فعلاً في الجانب المقابل. ولا شك في أنّ الجيش الإسرائيلي اكتشف جهوزية عالية لدى مجموعات «حزب الله»، بعد أن تكبّدت طلائع قواته خسائر فادحة. ورغم ذلك فإنّ قرار الغزو سيبقى قائماً والكلمة ستكون للميدان.

وتأمل إسرائيل في فرض شروطها قبل انسحاب قواتها مجدداً، والتي ستتضمن بنوداً سياسية وأخرى عسكرية، كمثل تركيز أبراج مراقبة عند طول الحدود كان «حزب الله» قد رفض إقامتها سابقاً، إضافة إلى دور أكبر لقوات «اليونيفيل»، بحيث تصبح مخولة بالتحرّك ميدانياً وعبر مظلة دولية داعمة.

وستتجّه إسرائيل إلى مواكبة حركتها في الجنوب بحركة عسكرية أخرى عند البقاع الشمالي، بهدف إقفال الجزء الحدودي الذي يخضع لسيطرة «حزب الله». والمطروح أيضاً هنا تزنير كل الحدود مع سوريا بأبراج المراقبة بذريعة منع أي إمكانية لتهريب الأسلحة مستقبلاً. وفي هذه الأثناء يمكن تفسير الضربات التدميرية التي تقوم بها بوحشية فائقة في الضاحية الجنوبية، بهدف القضاء نهائياً على إمكانية إعادة تشكيل هرمية عسكرية جديدة.

لكن قبل ذلك، هنالك الحركة العسكرية في اتجاه إيران، والتي شاركت واشنطن من قرب في الإطلاع عليها. وكان معبّراً أن يستبق نتنياهو الضربة على إيران بالظهور إعلامياً وحديثه عن تبديل المعادلات. وهنا يوحي نتنياهو بعملية مؤثرة (أو هكذا يتمنى) تساهم في إضعاف سعي طهران الى ترسيخ نفوذها في الساحات القريبة من إسرائيل.

واستطراداً، فإنّ العملية البرية في اتجاه لبنان لا بدّ من أن تنتظر ما ستؤول إليه الضربة في اتجاه إيران ونوعيتها، والأهم الردّ الإيراني عليها.

وفي هذا الوقت، أرسلت إيران وزير خارجيتها عباس عرقجي الى بيروت في مهمّة أساسية عنوانها إعادة ربط وقف إطلاق النار في لبنان بغزة. والخطوة الإيرانية جاءت إثر الموقف اللبناني الداعي إلى وقف إطلاق النار من دون التطرّق إلى غزة. ولذلك جاء الإجتماع بين عرقجي والرئيس نجيب ميقاتي بارداً لا بل غير ودود. فعلى رغم من إصرار عرقجي على الربط وحضّ لبنان على القيام بضغوط في المحافل الدولية في هذا الإتجاه، كان جواب ميقاتي أنّ لبنان وضع خريطة طريق وهو متمسّك بها. لذلك كان الإجتماع الأهم مع الرئيس نبيه بري شريك ميقاتي في قرار وقف النار. ذلك أنّ بري يحاول استباق الوقت لإنقاذ الجنوب من الكارثة التي تعدّ لها إسرائيل. وكان معبّراً جداً أن يخرج عرقجي عن السلوك الديبلوماسي الإيراني ويستعمل تعابير جديدة في كلامه من عين التينة لناحية دعم الطائفة الشيعية. والواضح أنّه حاول التأثير على بري من هذه الزاوية.

لكن المفاجأة الثانية جاءت على لسان نائب «حزب الله» حسين الحاج حسن لقناة «الجزيرة»، وبعد ساعات معدودة على مغادرة طائرة الوزير الإيراني مطار بيروت، من دون أي اعتراض أو تشويش إسرائيلي، وحيث لمّح ضمناً إلى القبول بقرار الحكومة اللبنانية بالفصل بين لبنان وغزة.

 

مقالات ذات صلة