هل تعتمد إيران خطبة الجهاد “اغزوهم قبل أن يغزوكم”؟

العدوان على لبنان وتصفية الحساب مع “الحزب” هما المقدّمة للتفرّغ لإيران ورسم شرق أوسط جديد

لطالما عبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن رغبته في تدمير المشروع النووي الإيراني وإخراج طهران من المعادلة الإقليمية كمنافس لها في الإقليم. كانت تل أبيب تمتلك كلّ القدرات الصاروخية والجوّية والتدميرية للقيام بذلك. لكن ما كان يلجم نتنياهو عن تنفيذ رغبته هو المخزون الضخم من الصواريخ والطائرات المسيّرة التي يسلّطها “الحزب” نحو قلبها، والتي أمضت إيران نحو 40 سنة في تصديرها ونشرها في أراضي الغير وتطويرها كرادع لها في وجه مخطّطات الإسرائيليين وطموحاتهم للانفراد بالهيمنة على المنطقة.

منذ انتهاء حرب تموز 2006، تسعى المؤسّسات السياسية والعسكرية والأمنيّة الإسرائيلية إلى استخلاص العبر من إخفاقات جيشها في ميدان المعركة آنذاك، وتعدّ الخطط وتجهّز العدّة والعتاد لمنع تكرار الخطأ – الفضيحة، وتسخّر كلّ الطاقات الاستخبارية والسيبرانية والاختراقات الإلكترونية والبشرية لمفاجأة أخطر خصومها وأشدّهم بأساً على الإطلاق “الحزب”. وربّما أحد أبرز أسباب فشل “الوحدة 8200” المولجة جمع المعلومات والبيانات الاستخبارية، في الكشف المسبق عن مخطّطات قائد “حماس” يحيى السنوار في “طوفان الأقصى”، كان انشغالها عن غزة وانغماسها العميق في لبنان وحركته المقاومة، لاعتقادها أنّ الجبهة في الشمال أشدّ خطراً عليها من الجبهة الجنوبية، وأنّ “الحزب” ومقدّراته التنظيمية والتسلّحية أولى باهتماماتها والملاحقة والتتبّع من “حماس”.

مؤامرة حيكت منذ سنوات

الاختراقات الإلكترونية والاستخبارية والسيبرانية لبنيان “الحزب” وجسمه التنظيمي والقدرة على اغتيال رهط كبير من قادة الحزب في مقدّمهم أمينه العام الشهيد السيد حسن نصرالله وأعضاء المجلس الجهادي والقادة الميدانيين الكبار، واستهداف المقرّات السرّية للحزب وعدد كبير من مخازن السلاح، وشلّ القدرة على القيادة والسيطرة داخل التنظيم، وإقصاء عدد كبير من الناشطين في عمليّتي “البيجرز” و”التوكي ووكي” اللتين لا تزالان لغزاً معقّداً يصعب حلّه ويصعب تخيّله، مع السهولة والسرعة والكثافة في التنفيذ، هي مجموعة أمور حدثت بسرعة وبشكل متلاحق وتدلّ على أنّ المؤسّستين الأمنيّة والعسكرية الإسرائيليّتين أعدّتا بالتعاون مع أجهزة مخابراتية أجنبية عدّة هذه الخطط من زمن طويل يسبق عملية “طوفان الأقصى” وجبهة الإسناد بكثير، وكانتا تنتظران الحجّة والذريعة والأمر السياسي لبدء التنفيذ الفوري.

يقول رئيس الأركان الإسرائيلي هارتسي هاليفي إنّ تل أبيب تنتظر منذ سنوات الفرصة لفتح الحساب مع “الحزب”، وجاء هجوم 7 أكتوبر 2023 وفتح الحزب لجبهة الإسناد وإبعاد مستوطني شمال الأراضي المحتلّة لتمنحها هذه الفرصة.

قبل ذلك كان داخل دوائر صنع القرار في إسرائيل نقاش طرح السؤال الآتي: أيّ من الخيارين أجدى لإضعاف الدور الإيراني في المنطقة: ضرب طهران أوّلاً، الأمر الذي يتيح تلقائياً إضعاف حلفائها في المنطقة، ولا سيما “الحزب” و”حماس”، أم البدء بضرب حلفاء إيران، وخصوصاً الحزب الذي يتمتّع بقدرات تسليحية كبرى وفي استطاعته توجيه ضربات قاسية في العمق الإسرائيلي؟

وجاءت المبارزة الصاروخية المحبوكة بين إيران وإسرائيل في أعقاب قصف القنصلية الإيرانية في دمشق والتي أظهرت التفوّق العسكري النسبي للجيش الإسرائيلي، ليستقرّ الرأي لدى الإسرائيليين على ضرب “الحزب” أوّلاً، ثمّ التفرّغ لإضعاف النفوذ الإيراني في الإقليم، على اعتبار أنّ شلّ القدرات الهجومية للحزب من شأنها تلقائياً تقليم مخالب إيران وكسر نفوذها الإقليمي وإعادتها إلى خلف حدودها الجغرافية، ثمّ إغراقها في أزماتها الداخلية، لا سيما الاقتصادية منها، وتالياً سحب أوراق القوّة منها على طاولة التفاوض النووي، وإبعادها عن البحر المتوسط وكسر “الهلال الشيعي”.

هكذا شكّل توسيع العدوان على لبنان ورفع التحدّي إلى أقصى درجاته باغتيال السيد نصراللّه، في الوقت الذي كان نتنياهو يلقي كلمته أمام الجمعيّة العموميّة، إعلاناً رسميّاً لبدء “الحرب الإقليميّة” لضرب إيران وشلّ محورها وكسر نفوذها وحبسها خلف حدودها. حرب قد لا تسلم من نيرانها الأراضي السورية ومواقع الحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق.

لم يخفِ رئيس الوزراء الإسرائيلي نيّته الواضحة في هذا الشأن، برفعه خارطتين للإقليم، الأولى ترسم دول الممانعة باللون الأسود وتضمّ إيران والعراق وسوريا ولبنان، والثانية باللون الأخضر وتضمّ إسرائيل والدول العربية المطبّعة معها. وسمّى الأولى محور اللعنة، وسمّى الثانية بمحور البركة. واتّهم المحور الأوّل بأنّه العائق أمام “الازدهار” في الشرق الأوسط، ولم يوفّر في هجومه الأمم المتحدة ولا حتى السلطة الفلسطينية التي لمّح مراراً إلى نيّته التخلّص منها والانقضاض الكامل على اتفاقات أوسلو.

اليوم التّالي: التّفرّغ لإيران

العدوان على لبنان وتصفية الحساب مع “الحزب” هما المقدّمة للتفرّغ لإيران ورسم شرق أوسط جديد لا تكون لاعباً مؤثّراً فيه إلا إذا تنازلت وانصاعت للرغبات الأميركية والإسرائيلية، بالتخلّي عن طموحها النووي والابتعاد عن المحور الشرقي والعودة إلى الفلك الذي كانت تدور فيه قبل الثورة.

توحي مقدّمات العدوان و”الخدع” الدبلوماسية الأميركية المرفقة بدعم مادّي كبير للآلة العسكرية الإسرائيلية، وصمت المجتمع الدولي، بأنّه ليس حرباً إسرائيلية خالصة، بل حرب مثلّثة الأضلع إسرائيلية أميركية أوروبية لترسيخ مكانة إسرائيل في المنطقة كقوّة مهيمنة على جيرانها، لها الحقّ بتوسيع مساحتها الضيّقة على حساب قطاع غزة والضفة الغربية والجولان السوري وربّما أجزاء من لبنان ومن الأردن، ومحو أيّ وجود لفلسطين والفلسطينيين بين البحر وبين النهر، وإسقاط حلّ الدولتين وحقّ العودة إلى الأبد، وفرض مظلّة أمنيّة لا مكان تحتها لرافضي الاحتلال وأنصار المقاومة.

ثلاثة مقالات بأقلام موشي بوزيلوف ويوسي تاتيكا ويارون فريدمان، صدرت في يوم واحد في صحيفة واحدة هي “معاريف”، تدعو كلّها إلى القضاء على التهديد النووي الإيراني وإخراج “إيران من المخبأ” بعدما “صارت وحيدة”، بعد اغتيال نصرالله وضرب الحزب.

زادت في الأمر تغريدة لجاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على منصّة “إكس” وصف فيها يوم اغتيال الأمين العام للحزب في 27 أيلول بأنّه “أهمّ يوم في الشرق الأوسط منذ التوصّل إلى اتفاقات أبراهام”. وأضاف أنّ إيران “أصبحت الآن مكشوفة بالكامل”. وخلص إلى أنّ “الخطوة الصحيحة الآن بالنسبة لأميركا هي أن تطلب من إسرائيل إنهاء المهمّة. لقد طال انتظارها. وهي ليست معركة إسرائيل وحدها”.

هل تترك إيران حلفاءها الخلّص يواجهون مصيرهم وحدهم وتكتفي بالغارات الصاروخية المحدودة المعلّقة نتائجها الفعليّة على المعركة بانتظار ردّ الفعل الإسرائيلي، وعلى الدعم السياسي والمعنوي التزاماً بمفهوم “الصبر الاستراتيجي” الذي أوصلها إلى “المأزق الاستراتيجي” الحالي أم تنتفض على مصالحها الداخلية الضيّقة وتعود إلى “ثوريّتها” وتقتدي بقول الإمام علي بن أبي طالب في خطبة الجهاد: “اغزوهم قبل أن يغزوكم”؟

امين قمورية- اساس

مقالات ذات صلة