على مفترق تسوية آتية أو حرب واسعة…المعارضة تستعد لرفع الصوت: متى أوان السياسة؟

"تحريم السياسة" في زمن الحرب، وترك الكلمة لـ"الميدان" العسكري

بعد أيام قليلة على بدء الحرب على لبنان، بدأت المعارضة محاولة استعادة صوتها.

ففي الحرب -حسب القاموس اللبناني- يُعتبر “الكلام في السياسة” سبباً من أسباب “إضعاف الشعور القومي وإيقاظ النعرات…”!

في الأيام الأولى للحرب تهيّب كثيرون التعليق، تحت هول حجم الإجرام الإسرائيلي وعدد الضحايا غير المسبوق في يوم واحد، من جهة، وحجم النزوح ومآسيه وقصص ناسه المتروكين لمصيرهم من جهة أخرى، إضافة إلى ضبابية المشهد السياسي ومآلاته المشرّعة على كل الاحتمالات.

اليوم، وعلى مفترق تسوية آتية أو حرب واسعة، بدأت المعارضة تجد نفسها معنية بإعلاء الصوت “حفاظاً على ما تبقى من وطن وشراكة وطنية”.

الكتائب والقوات
مع بداية الحرب طلب كلّ من حزبي “الكتائب” و”القوات” من محازبيهم، وحتى المسؤولين فيهم، التزام الصمت. كانت الأولوية “لعدم صبّ الزيت على النار، خصوصاً في ظل موجة النزوح الكبيرة وتوتر الجميع وخوفهم. لذا، تم التنسيق والتوافق على منع توتير الأجواء ومحاولة معالجة أي احتكاك وتطويقه، منعاً لتفلت الأمور وافتعال المشاكل. فجميع الناس مضطربة وخائفة، وقد اختبرت، وتختبر، أزمات متلاحقة؛ وتكفي شرارة واحدة ليتفجر كل الإحتقان والضغط المتراكم”. وكان “التواصل بين رئيسي الحزبين قائماً لتنسيق المواقف وقراءة المرحلة على ضوء المصلحة اللبنانية”.

وفي الاجتماع الدوري لنواب المعارضة الذي تم “أونلاين” يوم الثلاثاء الماضي، استعيد كذلك وجوب إبداء كل التضامن الوطني، من دون أن يحجب ذلك الكلام العاقل المطلوب في السياسة.

مسؤولية الدولة و.. برّي
تحريم الكلام السياسي، أو “تحريم السياسة” في زمن الحرب، وترك الكلمة لـ”الميدان” العسكري من جهة والإغاثي من جهة ثانية، لا ينم إلاّ عن قصر نظر وجهل بإدارة الأزمات والدول، ناهيك عن القمع العاري لأي رأي مخالف.

هذا بعض مما بدأ يخرج إلى العلن في أوساط المعارضة، على تلاوينها، التي تتجه إلى تعديل في خطابها. وتقول أوساطها “على الرغم من أن الدولة لم تكن شريكة في قرار الحرب، إلاّ أنها لا بد من أن تتحمل مسؤوليتها في عملية التفاوض وإرساء قواعد السلام والاستقرار”.

في السياق، تُحمّل المعارضة “رئيس مجلس النواب نبيه برّي المسؤولية الأكبر في هذا المجال. فهو أمام استحقاق تاريخي قد يحدد مستقبل البلد لسنوات مقبلة. ولا يمكنه التفرد بالمفاوضات وقبول الشروط أو رفضها لوحده، من دون سائر مكوّنات المجلس النيابي، لتكون مفصّلة على قياس فريق. فعلى المحك المصلحة الوطنية، ومن واجبه فتح أبواب مجلس النواب ليتم النقاش داخله، ويتشارك الجميع في وضع استراتيجية الدولة وخياراتها ليخرج عن مجلس النواب -وهو اليوم الهيئة الشرعية الوحيدة المكتملة المواصفات- توصيات تحدد سقف التفاوض وما يمكن، أو لا يمكن، القبول به”.

وفي حين يتحدث بعضهم عن “هرطقة التفرد بقرارات البلد، سواء في الحرب أو في تكريس السلم”، يعتبر آخرون أن “في البلد فرصة للملمة ما تبقى من تضامن وتعاطف إنساني والبناء عليه وترجمته في السياسة موقفاً وطنياً، قبل أن تشتدّ الأزمات، فتخنق الجميع وتُخرج أسوأ ما في المضمر لدى كل الفئات والطوائف”.

ما عاد الكلام في السياسة مؤجلاً، طالما أن السعي جادّ لبلورة تسوية. وبالتالي، ما يصح مع “قوى خارجية”، من باب أولى أن يتم في الداخل. فتشمل التسوية ما تبقى من مقومات البلد الذي يكاد لهشاشته أن يتشظى من دون أي جهد خارجي.

دنيز عطالله- المدن

مقالات ذات صلة