هل خسر “الحزب” الحرب… وهل قدّمت إيران “رأس الحزب” لإسرائيل؟

كانت كلمة الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله الأسبوع الفائت نقطة تحوّل في الصراع بينه وبين اسرائيل، وقد إنتظر غالبية اللبنانيين، أن تكون هذه الكلمة “برغماتية” بعد ضربات نوعيّة كبيرة لإسرائيل ألحقت خسائر فادحة بـ”الحزب”، إلا أن نصرالله فاجأ الجميع برفع النبرة وإستمرار ربط جبهة لبنان بجبهة غزة، فيما كانت إيران تتراجع وتهادن الولايات المتحدة الأميركية وتعلن النأي بنفسها عن الحرب الدائرة مع اسرائيل.

واقعياً، يبدو “الحزب” وحيداً في المواجهة اليوم، متروكاً من المرجعية الكبيرة لمحور الممانعة أي إيران وكل فصائلها في المنطقة، حتى أن تحليلات البعض ذهبت إلى الكلام عن صفقة أجرتها طهران مع واشنطن، قدّمت فيها رأس “الحزب” لإسرائيل مقابل المحافظة على نظامها وبعض المكتسبات، وتصريح وزير الخارجية الإيراني أمس يضفي بعض المصداقية على هذا التحليل مؤكداً أن طهران مستعدة لبدء محادثات نووية في نيويورك.

بصرف النظر عن حقيقة هذا التحليل، إلا أن “الحزب” اليوم ليس في أفضل أوضاعه بعدما دمّرت له اسرائيل نظام الاتصالات الذي يستخدمه، مروراً بقتل قيادات كتيبة “الرضوان” وصولاً إلى استهداف كل مواقعه وترسانته العسكرية في الجنوب والبقاع وبعلبك. وتمكّنت من إختراقه على نحو ملحوظ بمجموعة كبيرة من العملاء الذين يعملون لمصلحتها، وما إلى ذلك من تفوّق تكنولوجي.

كل هذه المعطيات لم تعن شيئاً لنصرالله، حتى بات البعض يتساءل عن قدرته على ملامسة الواقع، وسط تهديدات اسرائيلية جديّة بالتفرّغ لجبهة الشمال وضرب “الحزب” في عمقه اللبناني، والرسالة التي يريد رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو أن يوصلها لـ”الحزب”، هي أن المواجهة ليست متكافئة وليس هناك حتى توازن رعب ولا وحدة ساحات، بدليل أن “الحزب” متروك وحيداً، والمطلوب تنفيذ القرار 1701، والتراجع عشر كيلومترات عن الحدود وإنشاء منطقة عازلة بإدارة الجيش اللبناني و”اليونيفيل”، لعودة آمنة لسكّان مستوطنات الشمال!

أما نصر الله الذي تجاوز هذه الرسالة والوقائع فإختار المواجهة متوعّداً اسرائيل بضربات مؤلمة، وسرعان ما قصف “الحزب” حيفا، لكن لا يمكن المقارنة بين الأذى الذي تسبّبه اسرائيل بما تفعله صواريخ “الحزب” في الشمال. والأسوأ من ذلك أن الأمور تبدو متدحرجة نحو تصعيد أكبر، واسرائيل بعد كل ضربة من “الحزب”، تخلق تبريراً لردّ أقوى، ولا داع من التذكير أن نصرالله نفسه اعترف بإمكانات العدوّ الكبيرة التي تفوق إمكانات “الحزب” بأضعاف مضاعفة. وقد شملت الهجومات الاسرائيلية أمس أكثرية مواقع “الحزب” في الجنوب والبقاع الشمالي وحتى جبيل، بعدما أكّد الجيش الاسرائيلي توسيع العمليات ويبدو أنها ستستمر أياماً عدة.

ولا شك في أن قرار نصرالله المضي بالحرب، منح نتنياهو ذريعة أمام الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، لمواصلة الحرب وتوسيعها، خلافاً لإرادة واشنطن التي تحبّذ الحل الديبلوماسي، ومن الواضح أن نصرالله “المكسور” عسكرياً والمحُبط معنوياً، لم يقرأ التطوّرات جيداً، بحيث يخرج من خسارة ليواجه خسارة اخرى أكبر.

وبات السؤال الأساسي، هل يتشاور “الحزب” مع إيران أو ينفرد بقراراته وخياراته، من دون أن يحتسب أوراق القوة التي يمتلكها وما إذا كانت كافية لينتصر في أي مواجهة مقبلة مع اسرائيل المستشرسة؟

لقد قلبت إسرائيل الطاولة الآن وقلبت المعادلة، وخرقتها ودمّرت معالمها، عندما قتلت القائد العسكري فؤاد شكر ثم سامي عبد الله قائد فرقة النصر التي تنتشر من بنت جبيل إلى الشرق وحتى جبل الشيخ، وقبله قائد فرقة عزيز الممتدة من بنت جبيل إلى الساحل، إضافة إلى قائد كتيبة الرضوان وسام الطويل، وأخيراً قضت اسرائيل على ابراهيم عقيل في قلب الضاحية الجنوبية، وبالفعل نجحت بتصفية 50 في المئة من قادة “الحزب” في الجنوب، من دون احتساب عدد القتلى والجرحى بسبب تفجيرات أجهزة “البايجرز” و”التوكي ووكي”!

في أول موقف للمعارضة اللبنانية بعد التطورات الأخيرة، ترى مصادرها أن “الحزب” خسر الحرب بالفعل، وهذا ما تشير إليه المعطيات الميدانية، ولا يعني بقائه على قيد الحياة إنجازاً، وبرهنت إسرائيل، للأسف، أن كل النظريات التي بنى عليها “الحزب” مقاومته من توازن رعب وتوازن ردع وقدرة على إزالة اسرائيل وأوهن من بيت العنكبوت…كلها سقطت بالمقارنة مع التفوّق الاستخباراتي والتكنولوجي العسكري الاسرائيلي، وإذا إخذنا المعايير العسكرية في الإعتبار نرى أن “الحزب” خسر واسرائيل ربحت، وبالتالي لم يعد وجود “الحزب” صالحاً لحماية حدود وشعب”.

وتلفت مصادر المعارضة إلى “أننا حذّرنا منذ البداية أن سلاح “الحزب” واداءه في ما يسمّى “جبهة إسناد” سيؤدي إلى قتل اللبنانيين وتهجيرهم، وأعطى اسرائيل حجّة لإبراز قدراتها، ولو لم يتورّط “الحزب” في الحرب، كان سيبقى “طوفان الأقصى” سقطة للجيش الاسرائيلي وإنجاز لمحور الممانعة، أما اليوم فدخوله إلى الحرب خدم اسرائيل، إذ استطاعت أن تعوّض عن النقطة السوداء التي حصلت في 7 تشرين الأول 2023، فأثبتت أنها قادرة بتفوّقها التكنولوجي أن تحقّق الإنتصارات من خلال الضربات النوعيّة التي وجّهتها لـ”الحزب”.

وعلى ما يبدو أن “الحزب” تُرِكَ وحده في المواجهة، وفق مصادر المعارضة، فوحدة الساحات سقطت، وإيران غير راغبة بالدخول في مواجهة مع اسرائيل بسبب مفاوضاتها مع واشنطن، والحوثيين خرجوا من المعادلة عندما قصفت اسرائيل “الحديدة”، والعراق وسوريا أعلنا الحياد منذ البداية، وبالتالي كل شعارات “الممانعة” فشلت، وها هي اسرائيل توجّت ضربات استثنائية لقدرات “الحزب”، أما ردوده فتقتصر على تدمير منازل وسيارات.

في المحصّلة هو خسر الحرب بعدما سقطت كل الأدبيات التي كان يتحدّث عنها منذ عام 2006، وتوضح مصادر المعارضة “أن هذه السرديات كانت إعلامية فقط، لا تترجم بالواقع العملي، إلا أن المهم الآن ليست الخسارة بحدّ ذاتها إنما كيفيّة البناء على هذه الخسارة والتعامل معها، والمؤسف أنه ورّط لبنان معه وهجّر بيئته ودمّر منازلها، وقد تعرّضت لمجازر لا توصف، في حين أنه لم يفد غزة بشيء، و”علّمت” عليه اسرائيل بقدراتها العالية”.

كيف ستترجم هذه الخسارة سياسياً؟ تجيب مصادر المعارضة “علينا الإنصراف إلى بناء دولة وتعزيز الشراكة الوطنيّة وإعادت الإعتبار للدستور، من دون أن تحاول أي جهة تطبيق منطق الغلبة، وربما الكلام عن هذا الموضوع لا يزال باكراً في ظل المعارك والقصف الهستيري المؤلم الذي يتعرّض له لبنان حالياً”.

جورج حايك- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة