تكتيك «حصار الشمال»… هل يقضي على آمال «هدنة غزة»؟

مساعٍ إسرائيلية نحو «تقنين» حصار شمال غزة عبر خطة جديدة لعسكرة المنطقة، عدَّها محللون محاولة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لـ«توسيع فجوات وعراقيل» أي اتفاق مرتقب بشأن الهدنة وتجميد المفاوضات التي تراوح مكانها منذ أسابيع.

وتتجه إسرائيل نحو تكتيك جديد عبر جعل منطقة شمال قطاع غزة، منطقة عسكرية مغلقة؛ بهدف زيادة الحصار على مسلحي «حماس»، ومنع خطوط الإمداد لهم، وسط نداءات دولية وعربية، أحدثها مصرية – لبنانية، لوقف الحرب التي تقارب العام.

تلك الخطوة الإسرائيلية التي تأتي مع تحقيق إسرائيلي في احتمال مقتل زعيم «حماس» المتخفي بالقطاع، يحيي السنوار، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تشتيتاً لأوراق التهدئة والحلول، واستكمالاً لتصعيد نتنياهو على كل الجبهات، سواء بغزة أو لبنان دون اهتمام بحل أزمة الرهائن.

وتزامناً مع تواصل تصعيد نتنياهو في جبهة لبنان، نقلت هيئة البث العامة الإسرائيلية، الأحد، عن نتنياهو، قوله إن خطة حصار شمال القطاع «منطقية»، وإنها «واحدة من الخطط التي يجري النظر فيها، لكن هناك خططاً أخرى أيضاً».

الخطة، التي نشرها قادة عسكريون متقاعدون وطرحها بعض نواب البرلمان خلال شهر سبتمبر (أيلول) الحالي تنص على إجلاء المدنيين الفلسطينيين من المناطق الشمالية في غزة، وإعلانها بعد ذلك منطقة عسكرية مغلقة؛ بهدف إبقاء نحو 5 آلاف من مسلحي «حماس» المتبقين «تحت الحصار»، إلى حين استسلامهم.

تلك التقديرات الإسرائيلية، لم توضح تبعات ذلك القرار سواء على الرهائن الذين تحتجزهم «حماس»، أو الفلسطينيين الذين تشير تقديرات أممية حديثة إلى صعوبة إدخال المساعدات الإنسانية إليهم في شمال غزة على وجه الخصوص، حيث يعيش ما بين 300 ألف و500 ألف شخص بسبب عمليات الجيش الإسرائيلي.

امرأة تحمل جثمان طفلها الذي قُتل خلال غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين في حي الزيتون (أ.ف.ب)

بالتزامن، تتحدث تقارير نقلتها وسائل إعلام إسرائيلية، الاثنين، منها هيئة البث وصحيفتا «هآرتس» و«معاريف»، عن تحقيق في احتمال مقتل السنوار، وسط حديث الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي أن السنوار ربما قُتل في الغارات الإسرائيلية وتأكيد «الشاباك» أنه على قيد الحياة، وفق ما نقلته صحيفة «تايمز أوف إسرائيل».

ومقابل تلك التسريبات والتحركات الإسرائيلية، طالب كلٌ مصر ولبنان في بيان مشترك الاثنين لوزارتي الخارجية في البلدين، «بوقف العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية واللبنانية، وضرورة اضطلاع الدول الفاعلة بدورها في هذا الصدد؛ للحيلولة دون توسع المواجهات وتحولها إلى صراع إقليمي واسع النطاق».

وشدد البيان، على أنه «لا سبيل لحل الأزمة الحالية في الشرق الأوسط سوى من خلال تحقيق وقف شامل لإطلاق النار، ووقف العدوان على قطاع غزة ولبنان واللجوء إلى السبل السلمية لوقف التصعيد».

وبرأي السفير الفلسطيني السابق، بركات الفرا، «فإن تلك الخطة التي يبحثها نتنياهو والحديث عن مقتل السنوار، هما تشتيت لجهود الوسطاء وأوراق التهدئة واستكمال لمسار التصعيد وتمزيق القطاع، دون اهتمام مطلقاً بحياة الأسرى».

ويعتقد، «أن هناك ضوءاً أخضر أميركياً، لاستمرار نتنياهو في استهداف لبنان بهدف تحجيم (حزب الله)، وعدم التركيز على مفتاح حل الأزمة وهو عقد هدنة في القطاع»، مؤكداً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي «يتمنى أن يصعّد في كل الجبهات وليس لبنان وغزة فقط، باعتبار أن ذلك يبقيه سياسياً ولا يضعه تحت المحاسبة».

وأيضاً تهدف الخطة المحتملة، وفق الخبير الاستراتيجي رئيس «المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية»، سمير راغب، إلى «تقنين الحصار المفروض فعلياً منذ بداية الحرب على شمال غزة»؛ لتفادي أي انتقادات أممية بعدم إدخال مساعدات لها بذريعة أنها منطقة عسكرية مغلقة، أو تهديد حياة الرهائن.

ذلك الحصار الذي تسعى إسرائيل لتقنينه أكثر، لا يؤثر فقط على المواطن الفلسطيني ولا الهدنة، بل على الرهائن الذين من الوارد أن يكون بعضهم بشمال غزة أو جميعهم، وفق سمير راغب، مستدركاً: «لكن نتنياهو لا يضعهم في حساباته».

وقبل زيادة التصعيد في جبهة لبنان، كان مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، السبت، يقول إنه لا يزال يرى سبيلاً «لوقف إطلاق النار في غزة، لكن الولايات المتحدة لم تصل بعد إلى مرحلة نكون فيها مستعدين لطرح شيء على الطاولة».

ومع توالى الغارات الإسرائيلية، على لبنان، ومخاوف من تأثيراتها على هدنة غزة، نقل موقع قناة «الحرة» الأميركية، الاثنين عن المحلل الإسرائيلي، يوآب شتيرن، قوله إنه «خلال الشهر الماضي كان واضحاً أن مساعي الوساطة والمفاوضات فشلت، ومع انتهاء العمليات العسكرية الكبيرة في غزة، حيث بات لا يوجد مكان لمناورات كبيرة أخرى، اتجهت أنظار إسرائيل شمالاً (لبنان)».

وباعتقاده، فإن «(حماس) ستنتظر لترى نتائج المواجهة بين إسرائيل و(حزب الله). ربما كانت تأمل ولا تزال، بأن تفتح جبهة أكبر من قِبل إيران وحلفائها في المنطقة، ونرى حرباً شاملة»، مستدركاً: «لكن لا أستبعد أنه خلال أسابيع ستكون هناك عودة إلى مفاوضات، خصوصاً أن غزة مفتاح الحل، فـ(حزب الله) لا يرغب في فتح جبهة كاملة».

وفي المقابل، يعتقد السفير الفرا، أن «الهدنة ليست واردة في ظل التصعيد»، مؤكداً أن «هذا مقصود من نتنياهو لصالح حليفه الأكبر دونالد ترمب الذي يأمل أن ينجح في الانتخابات الأميركية الرئاسية القريبة».

ومتفقاً معه، يرى راغب أن «مفاوضات غزة مؤجلة لحين تهدئة جبهة الشمال (لبنان)»، لافتاً إلى أن نتنياهو سيصرّ على فتح جميع الجبهات وبحث أي خطط معرقلة، لتعطيل أي اتفاق قبل تلك الانتخابات.

الشرق الاوسط

مقالات ذات صلة