أيلول يتدحرج نحو هاوية الحرب الشاملة: فهل ختم مصير لبنان والمنطقة؟؟
عادة ما تسبق الحروب مؤشرات، بحيث يبدأ الطرف الذي يسعى الى شن الحرب للفوز بها قبل بدئها حتى، وذلك عبر عمليات تعتبر استراتيجية، مثل تحضير جبهته الداخلية، أو تغطية طرق الامداد للعدو نارياً، الا أن الحرب بين لبنان واسرائيل اليوم مختلفة عن الحروب التقليدية، بل يمكن القول إنها حرب من نوع جديد لم يشهده العالم سابقاً، ولكن في الوقت نفسه هناك مؤشرات تدل على تدحرج الوضع نحو حرب شاملة، لا سيما منذ بداية أيلول بحيث تسلسلت الأحداث بصورة توحي بأنها وشيكة.
وقد وسّع الجيش الاسرائيلي أحزمته النارية إلى مجرى نهر الليطاني، ونفذت الطائرات الحربية ضربات عنيفة استهدفت مواقع غير مأهولة في أودية فرون والغندورية وصريفا وزوطر المحاذية لمحمية وادي الحجير، تبعد نحو 10-12 كيلومتراً عن الحدود.
ووفق ما أعلن الجيش الاسرائيلي، تم استهداف نحو 50 مبنى عسكرياً وبنية تحتية ومستودع أسلحة، وتدمير عشرات المنصات لإطلاق القذائف التي كانت موجهة نحو منطقة شمال إسرائيل، في بداية شهر أيلول. وأشار الى استهداف أكثر من 10 من البنى التحتية العسكرية ومنصات إطلاق تابعة لـ”حزب الله” في بلدات زوطر والجبين، في 5 أيلول.
ووقعت سلسلة غارات عنيفة على وادٍ بين فرون وصريفا في ليلة السادس من أيلول، واستهدفت المساحات الحرجية بين البلدتين، وأفيد أن اسرائيل استخدمت صواريخ ارتجاجية، وأعلن جيشها عن استهداف أكثر من 15 منصة صاروخية وبنية عسكرية لـ”حزب الله” في جنوب لبنان، قائلاً: “ان عدة منصات كانت جاهزة لإطلاق فوري نحو الأراضي الاسرائيلية”. وأفاد بأن طائرات حربية أغارت على منصة صاروخية تابعة للحزب في منطقة قبريخا، وحرصت اسرائيل على استهداف عناصر من الدفاع المدني كانوا يقومون بإطفاء الحرائق في فرون، ما أدى إلى مقتل ثلاثة.
وفي 8 أيلول، أغار الطيران الحربي بـ3 صواريخ على منزل في منطقة الدبشة في بلدة خربة سلم لجهة بلدة السلطانية.
في 9 أيلول أجرى قائد القيادة المركزية للجيش الأميركي”سنتكوم”، الجنرال مايكل إريك كوريلا، مباحثات مع مسؤولين إسرائيليين حول التطورات مع لبنان وإيران، وقال الجيش الاسرائيلي إن كوريلا التقى رئيس الأركان هيرتسي هاليفي لإجراء تقييم للوضع.
وزار كوريلا مقر قيادة المنطقة الشمالية في الجيش الاسرائيلي برفقة قائدها الميجر جنرال أوري غوردين، وأجرى تقييماً للوضع في غرفة العمليات الخاصة بالقيادة، حيث طُرحت عليه هناك الخطط العملياتية للجيش الاسرائيلي في لبنان، وفق بيان الجيش.
وفي الليلة نفسها لزيارة كوريلا، شنت اسرائيل هجوماً غير مسبوق على منطقة مصياف في ريف حماة، وصل عدد الغارات فيه إلى 14، وتبين أن الهدف هو مركز البحوث العلمية في المدينة. وسُرّبت عبر وسائل الاعلام لاحقاً أخبار عن عملية إنزال قامت بها وحدات خاصة من القوات الاسرائيلية، وتعددت الروايات بين استحواذ اسرائيل على وثائق مهمة وأسر ايرانيين، إلا أن المؤكد وفق معلومات “لبنان الكبير” أن المنشأة تم إخراجها من الخدمة، ووفق مصادر سورية فإن هناك أسيراً وحيداً وهو أحد حرس المنشأة والمنطقة المحيطة بها. وتشكك المصادر في استحواذ اسرائيل على أي وثائق مهمة لأن من الصعوبة جداً اختراق المنشأة الى هذا العمق تحت الأرض.
وفي العاشر من أيلول أعلن وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت عن تحويل ثقل العمليات العسكرية شمالاً استعداداً لعملية برية شاملة، وقال خلال جولة في المنطقة الحدودية مع لبنان: “الثقل ينتقل الآن نحو الشمال، نحن على وشك استكمال مهامنا في الجنوب، لكن لدينا هنا مهمة لم تُنفذ بعد، وهي تغيير الوضع الأمني وإعادة السكان إلى منازلهم. عليكم أن تكونوا جاهزين ومستعدين لتنفيذ هذه المهمة”، مضيفاً: “نحن ننهي تدريب جميع القوات البرية وإعدادها استعداداً لعملية برية شاملة على جميع المستويات – من الوحدات القتالية إلى القيادة… كونوا جاهزين، وعندما يحين الوقت، ستنفذون”.
وأعلن الجيش الاسرائيلي في 11 أيلول أن سلاح الجو قصف نحو 30 هدفاً لـ”حزب الله”، في جنوب لبنان، مشيراً إلى استهداف منصات إطلاق صواريخ وبنى تحتية في مناطق الجبين والناقورة ودير سريان وزبقين.
وفي 12 أيلول بدأ الحديث في الاعلام الاسرائيلي عن أن المبعوث الأميركي إلى لبنان آموس هوكشتاين يصل برسالة أميركية إلى إسرائيل مفادها الإمتناع عن عمل عسكري واسع في لبنان. وأشارت “القناة 12” العبرية الى أن “الجميع يدرك في الولايات المتحدة وإسرائيل أنّ حرباً مع حزب الله يمكن أن تؤدي إلى حرب متعددة الساحات”. وأكدت أن “هوكشتاين سيبذل جهداً إضافياً للوصول إلى تسوية في الشمال والمشكلة هي أن تسوية كهذه مرتبطة أيضاً بوقف النار في غزة”.
أما في 13 أيلول فأشار المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي إلى أن رحلة هوكشتاين هي جزء من الجهود المستمرة التي تبذلها إدارة جو بايدن لمنع فتح جبهة ثانية، وذلك على وقع تسريبات من الاعلام الاسرائيلي عن مصادر أمنية وسياسية حول الاستعداد للحرب الموسعة على لبنان، التي أفادت بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سوف يعرض على الكابينيت إضافة الساحة الشمالية الى أهداف الحرب، فيما نقلت “القناة 12” عن مصدر أمني إسرائيلي قوله: “نحن بالفعل نستعد لمعركة طويلة على الجبهة الشمالية وستكلفنا غالياً”.
وفي 14 أيلول نقلت وسائل إعلام إسرائيلية مباشرة عن رئيس الوزراء أنه قرر توسيع العملية العسكرية ضد “حزب الله” في الجبهة الشمالية على الحدود مع لبنان. ونقلت “القناة 13” الاسرائيلية عن نتنياهو قوله: “نحن بصدد عملية واسعة وقوية في الجبهة الشمالية”. وأفادت القناة بأن الجيش الاسرائيلي يسعى إلى تصعيد متدرج على الجبهة الشمالية مع لبنان، كاشفة أن “نتنياهو قال خلال اجتماع أمني عقد يوم الخميس الماضي إن لا مناص من توسيع القتال في الجبهة الشمالية في القريب العاجل، وفق معيارين هما إمكانات الجيش والغطاء الدولي، وان التقديرات حول أي تغيير في الجبهة الشمالية سيقود إلى حرب”.
وألقى الجيش الاسرائيلي في 15 أيلول، منشورات فوق الوزاني تدعو الموجودين في هذه المنطقة وجوارها إلى إخلائها، جاء فيها: “إلى جميع السكان والنازحين في منطقة مخيمات اللجوء: يطلق حزب الله النيران من منطقتكم. عليكم ترك منازلكم فوراً والتوجه إلى شمال منطقة الخيام حتى الساعة الرابعة مساء، وعدم الرجوع إلى هذه المنطقة حتى نهاية الحرب. من وُجد في هذه المنطقة بعد هذه الساعة، فسيعدّ عنصراً إرهابياً وستستباح دماؤه. جيش الدفاع الاسرائيلي سيعمل بكل ما أوتي من قوة في منطقتكم ليتأكد من أن تكون خالية من السكان”، علماً أن القيادة السياسية والعسكرية في اسرائيل أعلنت أنها لم تأمر بالقاء هذه المناشير، وأنها كانت مبادرة فردية من أحد الألوية الموجودة في الجبهة الشمالية.
بين الأحزمة النارية، والهجوم على مركز أبحاث يستعمل لتطوير السلاح، والتسريبات الاعلامية للاستعداد للحرب، وأخيراً المنشورات التي ألقيت في الوزاني، ما حلله البعض أنه خطأ في التوقيت من أحد الألوية قبل أوامر الجيش النهائية، يبدو أن الميدان يتقدم على الديبلوماسية، بل يبدو أن الديبلوماسية لا أفق لها، فيما تقول الأروقة الديبلوماسية إن واشنطن اقتنعت بأن لا مفر من الحرب، إلا أنها تسعى الى تأجيلها لما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، فهل ختم مصير لبنان والمنطقة؟
محمد شمس الدين- لبنان الكبير