مواقف وليد جنبلاط “لغز” يجهد المحللون لفك شيفراته وكشف معانيه

لطالما كانت مواقف النائب وليد جنبلاط “لغزا” يجهد المحللون لفك شيفراته وكشف معانيه، فالرئيس السابق للحزب “التقدمي الاشتراكي” أكثر السياسيين اثارة للجدل بمواقفه وتموضعاته، فهو انتقل بعد ٧ اكتوبر بسرعة قياسية من الموقع المؤيد لانتخاب رئيس توافقي الى جانب فريق المعارضة لانتخاب جهاد ازعور، الى موقع وسطي في الملف الرئاسي، ليحسم تموضعه الى جانب المقاومة في حرب غزة لاحقا.

فمن بداية حرب غزة اتخذ جنبلاط موقفا حاسما من خارج سياق القوى السياسية، بدعم القضية الفلسطينية واسناد حزب الله ومده بالتضامن الداخلي، في حال توسعت المواجهة الى الحرب الشاملة، مثبتا تمايزه عن السياسيين بدعمه المطلق للمقاومة، وأكثر من ذلك فقد اعلن الاستنفار في الجبل لمواكبة جبهة الجنوب، بما في ذلك استقبال النازحين في مناطق الجبل، وقد لاقت مواقفه من القضية الفلسطينية والمقاومة تفاعلات إيجابية في بيئة حزب الله، الأمر الذي لم يعجب فريق المعارضة ، خصوصا ان “اللقاء الديموقراطي” كان يتناغم في المرحلة الماضية مع المعارضة ، ويرفض المرشح الرئاسي الذي سماه الثنائي الشيعي.

الموقف الجنبلاطي ثابت من ٧ أكتوبر بعدم تأييد الانخراط في الحرب، وانما بدعم حزب الله في حال الحرب، فأولوية جنبلاط اليوم تحصين الساحة الداخلية على مفترق خطر وجودي كبير يفترض إجراء تنازلات معينة، وحرب غزة فرضت معادلات مختلفة تقتضي رص الجبهة الداخلية وتعزيز التفاهمات الداخلية.

يجمع كثيرون على ان جنبلاط من السياسيين القلائل الذين يقرؤون التاريخ ويتوقعون المستقبل، ويسجل له انه عمم مواقفه على الحزبيين والملتزمين والمشايخ بدعم عمل المقاومة، وتحذير الدروز مرارا وتكرارا من الانزلاق الى المخططات المشبوهة “لإسرائيل” لزجهم، خدمة لمصالحها الاستراتيجية. ومن هنا سجل له موقف درء الفتنة في مجدل شمس ذات الغالبية الدرزية، والتعزية في حارة حريك بالقيادي فؤاد شكر.

لكن ومن خارج السياق المعتاد، فاجأ جنبلاط الوسط السياسي بتغريدة معلنا ان الحرب لن تنتهي، ولدى “اسرائيل” نية بإزالة غزة واكمال مشروعها في الضفة، متحدثا عن التسوية في لبنان كحل للواقع القائم. فهذا الموقف أثار لغطا حول المغزى منه، وعما اذا كان مبنيا على وقائع جديدة واشارات تلقاها؟
تؤكد مصادر مقربة من الحزب “الإشتراكي” ان كلام جنبلاط واضح، فهو متأكد من رغبة العدو الاسرائيلي إنهاء غزة وتدميرها كليا والتوسع الى الضفة، مما يثبت ان الحرب ستستمر طويلا ولن تتوقف، مع اصرار المقاومة الفلسطينية بالمقابل على مواجهة العدوان الاسرائيلي.

لم يوضح جنبلاط القصد في كلامه عن التسوية في لبنان، لكن المكتوب يقرأ من عنوانه، فهو يقبل التسوية التي تخرج لبنان رابحا في المعركة الحالية، ويمكن أيضا ان يكون غمز من موضوع التسوية الرئاسية لوضع حد للفراغ الرئاسي. وهو بالطبع لا يعاكس حزب الله او يعني الذهاب بعيدا عن خياراته، فهو بالأساس قدم “الغطاء” للمقاومة في الحرب، ويعلم تماما ان التسوية لا تمر إلا عبر المعبر الإلزامي في حارة حريك.

وباعتقاد كثيرين ان جنبلاط رسم خطا بيانيا يقف فيه بالوسط مائلا الى حزب الله. وإذا تمكن الحزب من إيصال مرشحه الى الرئاسة، فمن المؤكد ان “اللقاء الديموقراطي” لن يكون خارج هذا المسار، وعلى الأرجح لن يكون جنبلاط خارج السلطة او على مقاعد المعارضة في المستقبل.

الديار

مقالات ذات صلة