“الخماسية” تتحرك: إستحالة فرض “الحزب” مرشحه… ما بعد حرب غزة و”أخواتها” ليس كما قبلها!
بعد فترة حبس الأنفاس التي تلت عملية إغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية في طهران وقائد أركان “حزب الله” فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية، وقيام الحزب برد مدروس ومحدد، من دون تطور الأحداث نحو حرب شاملة، إرتأت اللجنة الخماسية أن الوقت حان للعودة الى التحرك على صعيد الملف الرئاسي على أمل تحقيق تقدم ما وتشجيع الأطراف اللبنانية على العودة الى الحوار. فقد تراجع اهتمام اللجنة بملف إنهاء الفراغ الرئاسي في لبنان مع اندلاع الحرب في غزة، بحيث عمد سفراء الدول الخمس الى وقف تحركاتهم حول الملف الرئاسي، لأن لا مجال للتوصل الى حلول في ظل انشغال قيادات دولهم بالتطورات في غزة.
وكان مفاجئاً ما أدلى به السفير المصري في لبنان علاء موسى عن عودة اللجنة الخماسية الى التحرك على صعيد الملف الرئاسي بعد تخفيف حدة التوتر في الصراع مع العدو الصهيوني، ليقابل ذلك نشاط ملحوظ للسفير السعودي وليد بخاري من خلال سلسلة الزيارات التي قام بها لعدد من الشخصيات السياسية والديبلوماسية. ومنذ ذلك الحين، عاد حراك اللجنة لينشط لإنجار الاستحقاق الرئاسي واستكمال المؤسسات الدستورية والمساعدة في تنفيذ الاصلاحات الضرورية، وسط تحذيرات من تداعيات استمرار الفراغ السياسي على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وحديث عن احتمال قيام المبعوث الفرنسي الرئاسي جان ايف لودريان بزيارة المملكة العربية السعودية والبحث مجدداً في الملف الرئاسي اللبناني.
وبالفعل، انعقد اللقاء في الرياض بين لودريان والمستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا والسفير بخاري وتمحور حول الملف الرئاسي الذي تسعى “مجموعة الخمس” (تضم أيضاً الولايات المتحدة ومصر وقطر) الى إنهاء الشغور الرئاسي المتمادي منذ 1 تشرين الثاني 2022. ولم ترشح عن اللقاء أية معلومات عن مبادرة ما ومساعٍ لاحداث خرق في جدار الرئاسة، فيما أشار بعض المصادر الى أن سفراء اللجنة سيجتمعون في بيروت منتصف الشهر الجاري، من دون معرفة ما إذا كان الهدف من الاجتماع معادوة “تسخين” محركات عمل اللجنة.
إزاء هذا الحراك، هل ان الظروف الداخلية اللبنانية والأحداث الاقليمية تسمح باختراق وشيك لهذه المعضلة المعقدة التي تتداخل فيها العوامل المحلية مع الخارجية، والتي باتت مرتبطة واقعياً بمآلات حرب غزة وكل التطورات المتعلقة بها؟ وبالتالي هل يمكن أن تحل الأزمة الرئاسية، في موازاة “التمترس” المستمر بين رئيس البرلمان نبيه بري (ومن خلفه “حزب الله”) والمعارضة حيال الحوار الذي يصرّ عليه “الثنائي الشيعي” كممر إلزامي لفتح البرلمان أمام جلسات انتخاب بدورات متتالية، ما يعني أن طريق الحل ما زال مزروعاً بالألغام والأشواك؟
بالنسبة الى السؤال الأول، كشفت مصادر مقربة من أحد سفراء اللجنة أنه تم فصل انتخاب رئيس للجمهورية عن حرب غزة والعدوان الاسرائيلي على جنوب لبنان. وعلى هذا الأساس عاودت اللجنة الخماسية تحركها واتصالاتها لمتابعة الملف الرئاسي بتوافق محلي ودولي، مشيرة الى وجود اتصالات مع المراجع اللبنانية المعنية تقوم على مبدأ فصل لبنان عن حرب غزة التي تتعثر مفاوضاتها نتيجة سلسلة الشروط الاسرائيلية التي لا تنتهي، بحيث أنه كلما تم تجاوز عقدة استحدثت حكومة بنيامين نتنياهو عقدة أخرى في إطار سياسة المماطلة التي تتبعها، مستفيدة من الظروف الدولية العاجزة عن كبح جماح حركتها العدوانية.
وتضيف المصادر: “ان عدم تصعيد الأوضاع في لبنان نحو حرب شاملة مع العدو الاسرائيلي، وفي ظل استمرار حرب الاستنزاف على كل الجبهات وعدم التوصل الى وقف لاطلاق النار في غزة، يعني أن هناك فرصة جديدة أمام اللبنانيين للتوصل الى انتخاب رئيس جديد من خلال التفاهم والحوار الداخلي”.
أما بالنسبة الى السؤال الثاني، فقد كرر الرئيس بري “توجيه” دعوة مفتوحة الى الحوار أو التشاور لأيام معدودة تليها دورات متتالية بنصاب دستوري، قائلاً: “تعالوا غداً إلى التشاور تحت سقف البرلمان وصولاً إلى رئيس وطني جامع في هذه اللحظة التي يحتاجها لبنان”. وما زال الإنقسام عمودياً بين الفريقين المتنازعين على الموضوع الرئاسي، بحيث يعتبر “الثنائي” أن عودة الرئيس بري الى طرح مبادرته الحوارية مجدداً تمهيداً لانتخاب رئيس يشكّل فرصة جديدة أمام اللبنانيين للتوصل الى حلول للأزمة الرئاسية لأن الحوار الداخلي هو الطريق الأسرع للوصول الى تفاهم رئاسي مدعوماً من اللجنة الخماسية، وفي حال عدم تجاوب الأطراف اللبنانية مع هذه الدعوات الحوارية فان الازمة الرئاسية مستمرة .
في المقابل، ردّ نواب قوى المعارضة بالتذكير أنهم طرحوا خريطة طريق للتشاور تحت قبة البرلمان، تتلخص في اقتراحين: الأول يقضي بتشاور النواب لمدة 48 ساعة في المجلس النيابي من دون دعوة رسمية أو مأسسة يذهب بعدها النواب، الى جلسة انتخاب مفتوحة بدورات متتالية، من دون إقفال محضر الجلسة، والثاني بأن يدعو رئيس المجلس الى جلسة مفتوحة لانتخاب رئيس للجمهورية، ويقوم النواب بالتشاور بعد دورتها الأولى لمدة أقصاها 48 ساعة، ثم ينتقلون الى الاقتراع في دورات متتالية بمعدل 4 دورات يومياً، (مذكرين بأن “حزب الله” وحركة “أمل” رفضا التشاور معهما بشأن إقتراحهما).
وبرز في الآونة الأخيرة إقتراح جديد “قديم”، قد يكون أقرب الى الشرط “التعجيزي”، يتمثل في معاودة بعض القوى السياسية في لبنان طرح توسعة اللجنة الخماسية لتصبح سداسية (بضم السفير الايراني في بيروت إليها). وهو ما ترفضه “الخماسية” لاعتبارات تتعلق بخصوصيات بعض الدول المشاركة في اللجنة، مع التأكيد أن دولاً في اللجنة على تشاور دائم مع طهران بشأن الملف اللبناني. غير أن مصادر “الخماسية” كشفت أن تحركها القادم يختلف من حيث طروحه عما سبقه من تحركات، بحيث يتركز على بعض الأفكار والمبادرات الجدية و”البناءة” التي طرحتها الكتل اللبنانية، “مطعّمة” بعناوين “جامعة” من اللجنة، تشكل قاسماً مشتركاً بين الكتل المتنازعة.
تحرك سفراء “اللجنة الخماسية” على الرغم من جديته، يستحيل أن يتكلل بالنجاح، ما لم يتخلى كل طرف لبناني عن شروطه “التعجيزية”، لأنّ لا أحد يمكنه أن يكسب كل شيء في لبنان، (حسب تعبير أحد سفرائها)، خصوصاً وأن الأطراف المحلية تراهن على ما ستؤول إليه حرب غزة، لجعل إستحقاق الرئاسة يدار بخلفية مآلات “غزة” سواء عن طريق تسوية مؤقتة أو صفقة شاملة.
بانتظار نتائج تحرك “الخماسية”، الأمر الذي بات محسوماً لدى العواصم الاقليمية والدولية أن ثمة إجماع في ما بينها على إستحالة تفرد “حزب الله” بفرض مرشحه، لأن ما بعد حرب غزة و”أخواتها” من جبهات “المشاغلة” ليس كما قبلها، والمنطقة بأسرها مقبلة على تغييرات جذرية، الى حينها فإن الحزب سيدخل “بازار الأخذ والرد”، في ما خص الجنوب والرئاسة.
لبنان الكبير