اسرائيل تهدّد نصر الله الذي لا يعيش فوق الأرض… ماذا لو “لم يكن هناك خيار آخر”!؟
ليست المرة الأولى التي تهدّد فيها اسرائيل بإغتيال الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، وقد تكررت التهديدات منذ حرب تموز 2006 حتى اليوم، وكانت دائماً تفتقر إلى الجديّة. لكن في اليومين الفائتين صعّدت اسرائيل من لهجتها حيال “الحزب” عموماً ونصر الله خصوصاً، والكلام الأخطر جاء على لسان عضو الكنيست الاسرائيلي نيسيم فاتوري الذي توعد بأنها مسألة أيام قبل أن تبدو ضاحية بيروت مثل غزة، مهدداً باغتيال نصر الله، ومؤكداً أن اسرائيل تعرف بالضبط مكانه، وقد تقوم باستهدافه “إذا لم يكن هناك خيار آخر”!
طبعاً يُمكن وضع كلام النائب الاسرائيلي في خانة “الحرب النفسيّة” التي اعتادتها حكومة بنيامين نتنياهو، لكن وصول النزاع بين اسرائيل و”الحزب” إلى حدود اللاعودة وإنهاء تهديد “الحزب” لسكّان شمال اسرائيل، يجعل من هذا الكلام احتمالاً واقعياً.
واللافت أن مسار الأحداث منذ 8 تشرين الأول 2023 حتى اليوم، يُظهر ما يُشبه الخطة الاسرائيلية لتصفية قيادات محور الممانعة، وقد بدأت بإغتيال أحد قيادات “حماس” الأساسية صالح العاروري في الضاحية الجنوبية ثم عدد كبير من قيادات “حزب الله” الميدانيّة وكان آخرها الرجل الثاني في الهرم العسكري فؤاد شكر وأيضاً في قلب الضاحية، واستهداف اسرائيل رئيس المكتب السياسي في “حماس” اسماعيل هنيّة في قلب طهران! وليس بعيداً عن هذا السياق، كانت محاولة اغتيال القيادي العسكري في “حماس” أيضاً محمد الضيف.
لا شك في أن نسبة نجاح اسرائيل في تصفية قيادات “الممانعة” وفق بنك الأهداف تبدو مرتفعة نظراً إلى تفوقها التكنولوجي والاستخباراتي، كما يظهر أن لا خطوط حمر لدى حكومة الحرب الاسرائيلية، وهذا ما دفع النظام الايراني في حزيران الفائت، إلى ارسال مبعوث للقاء نصر الله في بيروت لتحذيره من تصميم اسرائيل على اغتياله، وما يُقلق إيران أكثر أن الأحداث التي مرّت منذ 11 شهراً حتى اليوم، أثبتت أن “حزب الله” يعج بالعملاء لمصلحة اسرائيل، وهذا ما ساعدها على اغتيال هذا الكمّ من قيادات الممانعة.
عموماً، يقول بعض المراقبين الضالعين في الشؤون الأمنية أن من يهدّد بإغتيال مسؤول كبير مثل نصر الله، يعني أنه لا يريد ذلك، لأن العمليّة تحصل من دون تهديدات إعلامية وبصورة مفاجئة كما حصل في اغتيال هنيّة في إيران، ولا يستبعد هؤلاء أن يكون جهاز “الموساد” على علم بمكان وجود نصر الله، ويرصده بإستمرار وربما يعرف تنقلاته.
لكن ثمة تقارير تشير إلى أن نصر الله لا يعيش فوق الأرض منذ حرب تموز 2006، بل يختبئ في الأنفاق وسط حراسة أمنية مشددة وتدابير لا تعرفها سوى الحلقة الضيّقة في “الحزب”. وتعتبر التقارير أن اسرائيل عاجزة عن الوصول إليه، ولو كانت قادرة لفعلت ذلك عام 2006، فحركة نصر الله تتسّم بالسريّة المطلقة.
عادة، تركّز المخيّلة الاسرائيلية على وجود نصر الله في الضاحية الجنوبية، لكنّ معارضاً ايرانياً منفياً كشف منذ فترة أن نصر الله وقيادات “الحزب” الأساسية تختبئ في أنفاق عميقة في الجبال اللبنانية، ونشر صوراً وفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لعدة سيارات دفع رباعي داكنة اللون أمام مدخل أحد الأنفاق. والجدير بالذكر أن نصر الله الذي يعيش في الخفاء إلى حد كبير، يلقي الخطب عبر بث حي آمن لأتباعه ويتواصل معهم عبر مبعوثين.
في المعايير العسكرية، يعتبر الجيش الاسرائيلي أن تصفية نصر الله تعد انتصاراً عسكرياً حاسماً لاسرائيل، وهو يشبه الإنجاز الذي حققته إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عندما اغتالت قائد فيلق القدس قاسم سليماني في العراق. علماً أن نصر الله اليوم هو الشخصية الأكثر أهمية في محور الممانعة، بعد المرشد الأعلى الايراني آية الله علي خامنئي.
لكن استهداف رأس الهرم في “الحزب” ليس جديداً، ففي العام 1992، اغتالت اسرائيل الأمين العام السابق السيد عباس الموسوي في الجنوب، إلا أنه لم يكن صعباً في هذا التنظيم العقائدي الحديدي الموجّه والمدعوم من إيران، أن يُعثر على بديل يحلّ مكانه، فوقع الإختيار على نصر الله، ولا يزال حتى اليوم.
قد تكون اسرائيل متوهّمة بإنتصار كبير فيما لو اغتالت نصر الله، لأن “الحزب” لا يخلو من القيادات القادرة على متابعة تنفيذ المشروع الإيراني في المنطقة، ولو أدى اغتيال نصر الله إلى إضعافه وخلق توتر داخلي لفترة معيّنة. وكل التقديرات تشير إلى أن خليفة نصر الله ضمن التسلسل الهرمي الواضح، سيكون إبن شقيقته رئيس المجلس التنفيذي في “الحزب” السيد هاشم صفي الدين.
لا أحد يعرف مدى جديّة اسرائيل في هذه التهديدات، لكن بلا أدنى شكّ أن نصر الله هو هدف بالنسبة إليها، نظراً إلى ما يتمتع به من عقل ذكي وحضور مهيمن، وقد حوّل “الحزب” من مجموعة لا تجيد سوى حرب العصابات إلى قوة شديدة الانضباط ذات هيكل قيادي مركزي.
أما قرار اغتياله، فربما يكون مجرّد حرب نفسيّة تستخدمها اسرائيل، لأن الأمر ليس بهذه السهولة، وقد تنجح أو لا، بل ان هناك حسابات سياسية واستراتيجية اسرائيلية قد تقضي ببقاء نصر الله والمحافظة عليه لدور قد يلعبه في المستقبل، وهذا احتمال وارد أيضاً.
جورج حايك- لبنان الكبير