تواضع توقّعات الخماسيّة: الضّغط على أذرع إيران يعقّد حراك السفراء في لبنان؟
يقول سفير لبناني سابق إنّ في لبنان الكثير من الكلام عن السياسة، أكثر من السياسة نفسها.
هذا الانطباع من السفير المذكور، المتابع بدقّة لمآل الحراك السياسي المحلّي والخارجي لانتشال لبنان من أزمته، يخالف موجة التفاؤل الأخيرة.
استند الحديث عن إمكان إحداث اختراق في أزمة الفراغ الرئاسي، إلى إمكان التهدئة في الجنوب. فردّ الحزب ضدّ إسرائيل في 25 آب على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر، والردّ عليه، لقيا رضا الجانبين. ورأى مراقبون أنّ إعلان الأمين العامّ للحزب عن سحب الصواريخ الدقيقة من جنوب الليطاني قبل الردّ، إشارة عن نيّة الانسحاب. لكن سرعان ما بدّدت وقائع التصعيد الميداني في الأيام الماضية هذه التكهّنات.
عاد المسرح السياسي اللبناني إلى اختبار مدى جدّية فصل مسألة انتخاب رئيس الجمهورية عن الحرب الدائرة في الجنوب، وبالتالي حرب غزة. ومع تكرار رئيس البرلمان نبيه بري والحزب عدم الربط بينهما، فإنّ قراءة أوساط بعض دول الخماسية تتشكّك في قدرة الحزب على الفصل:
تعقيدات حرب غزّة والضّفّة واستهداف إيران
– موضوعياً ازداد الأمر تعقيداً، وبات السؤال عمّا إذا كانت استدارة الآلة العسكرية الإسرائيلية نحو الضفة الغربية، تشمل الاستدارة صوب جبهة “إسناد” غزة. والعملية الفدائية التي نفّذها الأردني ماهر الجازي بقتل 3 رجال أمن إسرائيليين على معبر “اللنبي” مؤشّر إلى تداعيات هذه الاستدارة على مجريات الحرب. فتل أبيب تتّهم إيران وأذرعها بالعملية على الرغم من الإشارات إلى أنّ منفّذها تصرّف بدافع النقمة على مجازر إسرائيل. توجيه أصابع الاتّهام لطهران مؤشّر إلى مواصلة نتنياهو والجيش الإسرائيلي الضربات ضدّ الحزب، وردّ الأخير عليها.
– يعزّز اندفاع إسرائيل نحو ضرب أذرع إيران، استئنافها القصف على المواقع الإيرانية في سوريا أوّل من أمس الأحد. وأفادت المعطيات بأنّ أعنف الغارات الإسرائيلية استهدفت مناطق عدّة ومصنعاً للصواريخ الدقيقة في الموقع حيث يوجد الحزب أيضاً.
ربط الرّئاسة بغزّة والتّمنّيات بفصلها
– وقف الحزب ومن خلفه إيران النار في الجنوب مستبعدٌ في ظلّ هجمة بنيامين نتنياهو على مخيّمات الضفة الغربية. والتساؤل عن مدى استعداد الحزب لتقديم تنازلات تنهي الفراغ الرئاسي في لبنان صار أقوى من السابق. هذا في وقت عادت لهجة المسؤولين الإسرائيليين بالتهيّؤ لحرب ضدّ قوات الحزب ما لم يسحب قوّاته إلى شمال نهر الليطاني.
– ما زالت واشنطن تلاقي طهران في ربط وقف الحرب جنوباً بوقفها في غزة. فمعلومات موقع “أكسيوس” الأميركي في 4 أيلول، عن اجتماع افتراضي “أونلاين”، بين مسؤولين إسرائيليين وأميركيين، تؤكّد ذلك. فيما خُصِّص الاجتماع الذي انعقد أواخر آب الماضي لبحث خفض التصعيد في جنوب لبنان، والحلّ الدبلوماسي لإنهاء القتال الدائر هناك. وكان الوسيط الأميركي آموس هوكستين من المسؤولين الأميركيين الذين شاركوا فيه. اللافت أنّه قال للجانب الإسرائيلي إنّ “وقف النار في غزة يؤدّي إلى خفض التصعيد في جنوب لبنان. كما يسمح بالتركيز مجدّداً على صفقة التطبيع مع المملكة العربية السعودية”. وفي ذلك عودة إلى البناء على تمنّيات أميركية، بينما الرياض ليست في وارد التطبيع وتشترط وقف حرب غزة وإعلاناً واضحاً من واشنطن لآليّة تحقيق الدولة الفلسطينية في إطار حلّ الدولتين.
– إذا كانت واشنطن نفسها تبثّ التشاؤم حول إمكان الاتفاق على صفقة التبادل ووقف حرب غزة، فعلى ماذا التفاؤل بإنهائها جنوباً… لفتح باب انتخاب رئيس؟
– لا ننسى هنا الرسالة التي أعلن وزير خارجية لبنان عبد الله بوحبيب عبر قناة “الجزيرة” أنّها وصلت من إسرائيل، ومفادها أنّ تل أبيب “غير مهتمّة بوقف إطلاق النار مع لبنان حتّى بعد وقف إطلاق النار في غزّة”.
تواضع توقّعات الخماسيّة
تتحدّث أوساط دبلوماسية أوروبية معنيّة بالخماسية عن “نافذة”، وتتواضع في الحديث عن حركتها وإمكان نجاحها. وتدعو إلى انتظار بلورة نتائج زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان للسعودية، حيث التقى المستشار الوزير المفوّض نزار العلولا، في اجتماع سفرائها في بيروت. فالسفير وليد بخاري الذي حضر الاجتماع سيُطلع نظراءه على النتائج. والسفير الفرنسي في بيروت هيرفي ماغرو سيتلقّى تقريراً من لودريان عن فحواه.
من دون كثيرٍ من التّفاؤل
تتجنّب الأوساط نفسها ربط تحرّكها المنتظر بتطوّرات الحرب، وتنسبه إلى “مواكبة الحركة المحلّية” مثل مبادرات كتلة “الاعتدال الوطني” والنائب المستقلّ الدكتور غسان سكاف، وغيرهم… يضاف إليه تكرار رئيس البرلمان نبيه بري في 1 أيلول دعوته إلى الحوار مع تعديل في صيغته وصولاً إلى جلسة انتخاب بدورات متعدّدة… كما تستند، “من دون كثير من التفاؤل”، إلى نصيحة عدم انتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية لحلحلة الأزمة الرئاسية في لبنان. فالرئيس السابق ميشال عون انتخب رئيساً عام 2016 قبل انتخاب الرئيس دونالد ترامب رئيساً في العام نفسه. وفي معلومات الأوساط نفسها أنّ الجانب الأميركي ليس بعيداً من هذا التوجّه. وتشير إلى أنّ التحرّك الجديد يراكم على مبادئ سبق للودريان وسفراء الخماسية أن تحرّكوا على قاعدتها:
1- الاتّجاه نحو مرشّح الخيار الثالث لتعذّر ضمان الأصوات المطلوبة لرئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجية، المدعوم من الثنائي الشيعي وحلفائه، ولمرشّح المعارضة جهاد أزعور.
2- تجديد عرض لودريان أن يلعب دوراً في “التشاور” بين الكتل النيابية بعد اجتماعها في البرلمان لانتخاب الرئيس، في اتصالات جانبية. والهدف بلورة التوافق على المرشّح الثالث، تجنّباً لصيغة “الحوار” التي يرفضها فرقاء المعارضة. وقبول الفرقاء بذلك يقود إلى حضور لودريان للعب هذا الدور، خصوصاً أنّ الخماسية مع فكرة الحوار بغضّ النظر عن صيغتها.
الطّموح الأميركيّ لإنجاز دبلوماسيّ؟
يبدي مصدر لبناني رسمي حذراً شديداً في التعاطي مع تحرّك الخماسية الجديد، لاعتقاده بأنّ العقدة داخلية و”لا قرار لبنانياً حتى اللحظة بالاتفاق على الرئيس”. ويتعامل المصدر مع الجهد الأميركي مع إسرائيل للتهدئة جنوباً باعتباره يسهّل انتخاب رئيس. ويعتبر أنّ الإنجاز الدبلوماسي الوحيد لإدارة الرئيس جو بايدن في المنطقة كان تحقيق الاتّفاق على الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل (تشرين الأول عام 2022). وهوكستين يحاول تحقيق إنجاز ثانٍ على الحدود البرّية وتطبيق القرار الدولي الرقم 1701. لكنّ أيّ تقدّم ينتظر غزة؟ وفي الانتظار يطغى تبادل الاتّهامات بين لبنان وإسرائيل حول خرق القرار الدولي.
ماذا عن ضمّ إيران للخماسيّة؟
هذا الانتظار لا يحجب المعضلة التي لطالما وضعت اللجنة الخماسية أمام تحدّي مدى تفاهمها مع إيران على تحقيق إنجاز دبلوماسي جنوباً ثمّ رئاسياً.
المقاربة الإيرانية تقول بالآتي:
– وقف الحرب في الجنوب يتوقّف على إسرائيل بالدرجة الأولى. وإذا أراد الحزب وقف إسناد غزة فالقرار يعود له، “لكن بالتشاور مع حلفائه (في الخارج)، كما يفعل الجميع في لبنان. والأوروبيون يناقشون الأمور مع الحزب”.
– حصل “جسّ نبض” حول إمكان ضمّ إيران إلى اللجنة الخماسية من أجل الانتخابات الرئاسية، لكن لم ينجح، وبالتالي الخماسية لم تصل لنتائج.
المعروف أنّ ضمّ إيران إلى الخماسية قابلته واشنطن والرياض والقاهرة بالرفض.
سرد العقبات أمام أيّ تقدّم يوقف الحرب جنوباً، وينهي الفراغ الرئاسي، يجعل تكرار الحديث عن الحوار مرادفاً لاستمرار الانقسام حول هذين العنوانين. وباتت الدعوة إلى الحوار تعني أن لا انتخابات رئاسية. وهو الأمر الذي يغرق الخماسية ومعها فرقاء في المعارضة في مناورات اللعب على الكلام حول تحقيق هذا الشعار.
وليد شقير- اساس