تغيير المشهد الإقليمي: هل تستعد إسرائيل لمعركة مكثفة وطويلة على جميع الجبهات؟
التصعيد هو سمة المرحلة المقبلة على الحدود الجنوبية التي أضحت جزءاً من مسرح العمليات المفتوح – في غزة وقبله في العمق السوري – حيث لم تنجح طهران في تفعيل مبدأ وحدة الساحات التي ترعاها فيما نجح العدو الإسرائيلي في توحيد الأشكال الميدانية المعتمدة لعملياته العسكرية. لقد أسقط الجيش الإسرائيلي بشكل نهائي مبدأي الحرب الخاطفة ونقل المعركة الى أرض الخصم واستبدلهما بمبدأ العمليات النوعية التي تعتمد بشكل أساسي على دقة الجهد الإستخباري وقدرات سلاح الجو والمسيّرات. وبذلك تجاوز العدو جملة من نقاط الضعف والمخاطر التي كانت تفرضها المواجهات القريبة واكتسب القدرة على خوض الحروب الطويلة الأمد التي طالما كان يخشاها والتي حالت سابقاً دون تحويل الإنجاز الميداني لقواته إلى أهداف سياسية.
أتاحت الاستراتيجية العسكرية الجديدة للعدو الإسرائيلي المحافظة على وتيرة يومية من العمليات في غزة والضفة كما في لبنان وسوريا بشكل متزامن وباستخدام الحد الأدنى من القوات بحيث تبدو إحتمالات الذهاب الى عمليات برية معدومة تقريباً لتجنب حصول إنقلاب في موازين المعركة – على غرار ما حصل في العام 2006- كما لا يبدو أن هناك ظروفاً ملحَّة تدفع إسرائيل لتقديم التنازلات للذهاب الى أي شكل من أشكال التفاوض.
وفيما يمعن رئيس الوزراء الإسرائيلي في إفشال كل التسويات التي يحملها الوسيطين القطري والمصري لوقف إطلاق النار في غزة من خلال فرض شروط إضافية، تريد إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة التوصل إلى ترتيبات أمنية نهائية في جنوب لبنان بمعزل عن احتمالات النجاح المرتقب في غزة، مما يعني رفض العودة الى ما قبل الثامن من أكتوبر 2023 والإبقاء على الجبهة مشتعلة حتى تطبيق القرار 1701. هذا ما أبلغه الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين للرئيس نبيه بري خلال زياراته الثلاث الأخيرة إلى بيروت.
تكمن حراجة تجاهل الموقف الأميركي في ربط عدم تطبيق القرار 1701 بتعليق كل المبادرات الدولية تجاه لبنان المتعلقة بدعم الإقتصاد اللبناني المتعثر والملف الرئاسي، لا سيما اللجنة الخماسية ووفد صندوق النقد الدولي. هذا وتستثمر إسرائيل في التجاهل اللبناني وهي قد انتقلت الى مرحلة ثانية من العمليات عبر توسيع الحزام العازل الذي أحدثته من خلال تدمير القرى الحدودية لتتعدى هجماتها منطقة جنوب الليطاني ولتؤكد سقوط معادلة الردع العابرة للحدود التي كانت قائمة مع حزب الله برعاية إيرانية أميركية.
أما على المقلب السوري حيث لا سوابق لأي مواجهة مباشرة بين إسرائيل والميليشيات الإيرانية، تسجل الهجمات على أهداف إيرانية مزيداً من التصعيد، وكان آخرها على مركز البحوث العلمية في ريف حماه الذي يتواجد فيه ضباط من “الحرس الثوري” الإيراني منذ 6 سنوات في إطار تطوير صواريخ دقيقة قصيرة ومتوسطة المدى وتطوير المسيّرات، وفقاً لإفادة المرصد السوري لحقوق الإنسان، مما أدى الى سقوط 16 شخصاً وفقاً لوكالة سانا. وهذا الهجوم هو الأكبر من حيث عدد القتلى الذي تعلن السلطات السورية منذ الضربة التي استهدفت مجمع السفارة الإيرانية في دمشق في أبريل الماضي.
فهل تستعد إسرائيل لمعركة مكثفة وطويلة على جميع الجبهات؟ وهل دفع هذا الموقف الميداني المتعثر الذي يعبّر بشكل واضح عن رغبة أميركية في تغيير المشهد الإقليمي المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية علي خامنئي – خلال استقباله القائمين على مؤتمر “تكريم شهداء محافظة كهكيلويه وبوير أحمد – لإتخاذ موقف مثير للإستغراب ومجهول الأبعاد: “لا ضير في التراجع التكتيكي أمام إسرائيل والتراجع قد يكون في الميدانين العسكري أو السياسي”.
موقف خامنئي الذي لا يمكن إلا أن يعبّر عن حقبة إيرانية جديدة يعيدنا بالذاكرة الى موقف مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني عندما قبِل متردّداً بالقرار الأمميّ 598 القاضي بوقف إطلاق النار بين إيران والعراق في تموز 1988 : “ويلٌ لي لأنّي ما زلت على قيد الحياة لأتجرّع كأس السّمّ بموافقتي على اتّفاقيّة وقف إطلاق النار”. موقف الخميني أتى بعد تمكن العراق من السيطرة على شبه جزيرة الفاو وخسارة إيران الغالبيّة الساحقة من أسطولها الجوّيّ وبعد أن دمّرت الولايات المتّحدة نصف أسطولها البحريّ.
فما هي الجغرافيا المعنية بالتراجع السياسي والعسكري للمرشد الأعلى علي خامنئي وما هي حدودها؟ وما هي انعكاسات هذا التراجع على المعادلات الداخلية في هذه الجغرافيا ومن يضمن استقرارها؟ وهل تذهب الولايات المتحدة إلى تأمين استقرار إسرائيل بتفجير الكيانات المحيطة بها من الداخل؟
العميد الركن خالد حماده – اللواء