معطيات خطيرة حول ما حصل منذ أسبوعين قبل الردّ الهزيل: لبنان نجا في اللحظة الأخيرة!

تمر الأحداث فوق لبنان كأنها فيلم سينمائي، نكاد لا نلتقط أنفاسنا بين كل مشهد وآخر، حتى أنه لا يتسنّى لنا الوقت للتحليل واستشراف المستقبل نظراً إلى التطوّرات السريعة التي تداهم المنطقة عموماً ولبنان خصوصاً، وقد توافرت لنا معطيات خطيرة حول ما حصل منذ أسبوعين قبل ردّ “حزب الله” على اسرائيل وبعده، إذ كان الوضع على وشك الانفجار الكبير ليتحول حرباً كبيرة بين اسرائيل و”الحزب”، ولولا التدخّل الأميركي والدولي لكان لبنان اليوم يحترق، وتتقاطع تحذيرات السفارات الأجنبية وشركات الطيران مع هذه المعطيات التي سنستعرض أهم محاورها في هذا المقال.

في 25 آب الفائت، نفّذت إسرائيل ضربات استباقية واسعة النطاق ضد أهداف لـ “الحزب”، ويُقال إنها كانت تعمل بناءً على معلومات استخباراتية تفيد بأنه كان يستعد لهجوم وشيك رداً على مقتل القيادي الكبير فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية، ولم يكن هجوم “الحزب” المنوي القيام به متواضعاً، إنما أراد إطلاق أكبر عدد من الصواريخ والمسيّرات لتعطيل النظام الدفاعي للقبّة الحديدية، إلا أن الضربة الاسرائيلية الاستباقية فعلت فعلها ودمّرت عشرات منصّات الصواريخ قبل إطلاقها، فبدا ردّ “الحزب” هزيلاً.

في الواقع، كان “الحزب” يلعب على حافة الهاوية ويُخاطر بمصير لبنان، لأن كل الديبلوماسيين الأميركيين والدوليين سمعوا من المسؤولين الاسرائيليين تهديدات جديّة بأنهم يستعدون لشنّ حرب شاملة إذا لزم الأمر، وقد أكدت الولايات المتحدة هذه النقطة بإعادة نشر قوات كبيرة في المنطقة، مع تنشيط حركتها الديبلوماسيّة للتخفيف من حدّة التصعيد، وصدرت تصريحات من الادارة الأميركية أعربت فيها عن قلقها من إمكان تطوّر الحرب على الجبهة الشمالية لاسرائيل.

كانت النصائح الأميركية للمسؤولين اللبنانيين الرسميين الذين يتفاوضون مع الولايات المتحدة نيابة عن “الحزب”، بأن لا يتجاوز ردّه الخطوط الحمر التي حددتها اسرائيل أي قتل المدنيين أو ضرب المراكز السكنيّة، وما فعلته اسرائيل بضربتها الاستباقية خفّف من الأذى والأضرار الجسيمة، ولا شك في أن هذه الضربة كانت بعلم مسبق من واشنطن.

ولعل فشل ردّ “الحزب” وإبطال فاعليته، حصلا قبل الضربة الاستباقية الاسرائيلية لأن استخابرات العدو كانت تعلم بتحركات “الحزب” وتوقيت الضربة، ففقد عنصر المفاجأة. وليس بعيداً عن هذه الأجواء كانت الديبلوماسية الأميركية عبر الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، تعمل على نزع صاعق الإنفجار بحيث يطل الأمين العام لـ “الحزب” حسن نصر الله تلفزيونياً ليعلن أنه انتهى من عمليات الانتقام ويرغب في العودة إلى قواعد الاشتباك المحدودة التي التزم بها الجانبان طيلة حرب غزة!

كل ما حصل، كشف فشل ردّ “الحزب” ونزع عنه نظرية الردع التي كان يتباهى بها، بحيث بات كلام نصر الله فاقداً للمصداقية، بعدما حاول رسم صورة أمام أنصاره بأنه ألحق أضراراً بقواعد عسكرية واستخباراتية بالقرب من تل أبيب. لكن ما فضحه أنه لم يُقدم دليلاً مصوراً من أي موقع يُظهر الأضرار المفترضة، وهو الأمر الذي كان يقدمه دائماً في الماضي عند إعلان الإنجازات العسكرية الكبرى. وهذا ما أثار الشكوك حول مزاعمه.

عادت المواجهات بين اسرائيل و”الحزب” إلى مستوى قواعد الاشتباك التي كانت متبعة منذ بداية الحرب، بـ”دوزنة” أميركية، فاسرائيل من جهتها لا تريد فتح جبهة في موازاة جبهتي غزة والضفة الغربية، و”الحزب” يريد إبقاء التهديد قائماً على الحدود ليشعر سكّان الشمال أنهم غير آمنين، وهذا ما يزيد العبء على اسرائيل، إلا أن الأخيرة لن تقبل بهذا الوضع لفترة طويلة، وما إن تنتهي من غزة، ستعود إلى تصعيد أكبر في مواجهة “الحزب” لتطبيق القرار 1701 أو إبعاده 10 كيلومترات عن الحدود.

في المقابل، هناك من ينفي في واشنطن أن ردّ “الحزب” يوم الأحد 25 آب، كان عازماً على إيذاء اسرائيل، ويؤكّد أن التصعيد الذي حصل لساعات معدودة كان تحت السيطرة الأميركية الكاملة، إذ تولّت التنسيق الفاعل بين الطرفين لمنع سوء التفاهم. وليس من قبيل المصادفة أن رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال تشارلز براون الابن كان يزور المنطقة في نهاية هذا الأسبوع ووصل إلى إسرائيل قادماً من الأردن مساء 25 آب الفائت. وقد صرّح المسؤولون الأميركيون بأنهم كانوا على علم باستعدادات “حزب الله” لهجوم وشيك، وقدموا لإسرائيل أشكالاً مختلفة من المساعدة الاستخباراتية، وأيّدوا الضربة الاستباقية باعتبارها عملاً مشروعاً للدفاع عن النفس.

من جهة أخرى، لن يكون الردّ الايراني مختلفاً عن ردّ “الحزب” ونعني أنه سيكون بالدرجة ذاتها، لأن طهران لا تريد الدخول في صراع مباشر مع الولايات المتحدة. فمنذ الحرب الايرانية العراقية، عندما أغرقت القوات الأميركية السفن الحربية الايرانية وهاجمت محطات المراقبة ومنصات النفط، أدرك الايرانيون أن مثل هذا الصراع قد يهدد أولويتهم القصوى: بقاء النظام! لذلك يفضّلون استخدام الأذرع العسكرية. وقد أدت الحشود العسكرية الأميركية في المنطقة مهمتها في إفهام إيران حدودها، وأن لديها ما تخشاه من التصعيد أكثر مما تخشاه أميركا.

واللافت أن خطر الردّ الايراني تراجع إلى أسفل الدرجات بعدما نجحت المساعي الديبلوماسية أولاً في إقناع النظام الايراني بأن التخلي عن الإنتقام جعله محور الاهتمام الدولي، وهو أمر يعني الكثير له. ثانياً، إبقاء إسرائيل على حافة الهاوية هدفاً إيرانياً رئيسياً، على غرار “الحرب النفسية” التي ذكرها نصر الله مؤخراً. ثالثاً، تحب طهران أن تتظاهر بأنها بطلة للفلسطينيين من أجل استغلال الصراع ووضع شركاء الولايات المتحدة في موقف دفاعي، وهذا ما يساعد في تفسير مبرر إعلانها أنها ستمتنع عن الانتقام إذا تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة.

ولا يختلف اثنان على أن الموقف الايراني الرمادي من الردّ، يبقي خياراته مفتوحة. ولا ينبغي لأحد أن يفترض أن الخيار سيكون هجوماً عسكرياً مباشراً آخر على إسرائيل. فالملعب المفضّل لإيران هو استخدام وسائل الإرهاب، فقد يهاجم النظام السفارات أو القنصليات الاسرائيلية أو الديبلوماسيين في الخارج، أو حتى أهدافاً للطائفة اليهودية.

عموماً، أدى الحشد العسكري الأميركي دوره، إذ انه ردع “الحزب” عن فتح جبهة شمالية كاملة النطاق عندما اندلعت حرب إسرائيل مع “حماس” لأول مرة. وحافظ وزير الدفاع لويد أوستن على هذا النهج في تصعيد الأحد 25 آب الفائت.

صحيح أن شبح الحرب الكبيرة ابتعد عن لبنان في الوقت الحاضر، لكن هذا لا يعني أن الخطر زال، لأنه ما ان تنتهي اسرائيل من غزة والضفة، سيصبح شمال اسرائيل هو المحور، ما سيؤدي إلى ضغوط كبيرة على “الحزب” للتراجع وتنفيذ القرار 1701، وإنشاء منطقة عازلة بإدارة الجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل”، وإلا سيعود الخيار العسكري إلى الواجهة، فيما يعوّل “الحزب” على اتفاقية هدنة بين اسرائيل و”حماس” وإيجاد حلّ لمعبر فيلادلفيا في جنوب غزة، ما يجعله يُقفل الجبهة للعودة إلى ما قبل 8 تشرين الأول الفائت، والبدء بمفاوضات غير مباشرة مع اسرائيل في ما يخص الحدود البريّة، لكن هذا السيناريو “الطموح” قد لا يرضي اسرائيل العازمة على إنهاء حالتي الشذوذ في جنوبها وشمالها وإبعاد الأذرع العسكرية الايرانية عنها.

جورج حايك- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة