تراجع مسار المواجهة وسحب فتائل التفجير مع إيران…ولكن إسرائيل ماضية بحروبها!
إلى جانب الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، وفي الضفة الغربية، تبرز ديناميكية سياسية لا تزال خافتة، لكنها تسعى إلى العمل على خفض التصعيد في المنطقة، خلق مقومات لوقف الحرب، والانتقال إلى مرحلة من الاتفاقات أو الحلول السياسية. هناك تشديد أميركي تم إبلاغه لغالبية القوى والدول المؤثرة بأن الإدارة الأميركية الحالية وفي ظل الظروف الانتخابية تفضّل الحلول الديبلوماسية، ولا تريد توسيع الحرب أو نقلها إلى جبهات أخرى. وبالتالي، الهم الأساسي لدى إدارة جو بايدن هو محاولة الوصول إلى وقف لإطلاق النار أو هدنة إنسانية. وبحال لم يتحقق ذلك، فما تريده الإدارة الأميركية هو بقاء المواجهات محصورة بحدودها الحالية، ومنع تفجر الأوضاع في المنطقة.
تراجع مسار المواجهة
تحت هذا العنوان عملت واشنطن على سحب فتائل التفجير مع إيران، وحصلت تطورات كثيرة على خطّ التفاوض بين الجانبين، إما بشكل مباشر أو عبر وسطاء. وهو ما تجلى في كلام مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي، لاستئناف المفاوضات مع الأميركيين، بالإضافة إلى تراجع وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف عن استقالته. تريد أميركا منع إيران من الردّ على استهداف طهران. وهذا تحقق إلى الآن، وسط معلومات ديبلوماسية تفيد بأن واشنطن نجحت في الحصول من إيران على التزام بعدم تنفيذ الردّ قبل الانتخابات الأميركية. في المقابل، يشدد الإيرانيون على الحاجة للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.
هذه الديناميكية السياسية كان لها صداها في لبنان، منذ تنفيذ حزب الله لردّه على استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت، والذي كان مدروساً ولم يستدع رداً إسرائيلياً، فيما مرر أمين عام الحزب حسن نصرالله رسائل كثيرة تتطابق مع المسار الإيراني، أولاً من خلال دعوة الناس إلى عدم الخوف والهدوء والعودة إلى بيوتهم وممارسة حياتهم الطبيعية. ثانياً من خلال تأكيده أن الحزب عمل على تغيير أماكن الصواريخ البالستية والدقيقة، وهو ما يعني ضمنياً إبعادها عن مناطق الجنوب وتحديداً جنوب نهر الليطاني. كلام نصرالله انعكس بوضوح على تراجع مسار المواجهة، وانخفاض كثافة النيران اليومية بين الحزب والإسرائيليين. وهو ما يعطي المزيد من الدفع للديناميكية السياسية، خصوصاً أنه في كل الكواليس اللبنانية والدولية يُشار إلى أن الاتفاق حول ترتيب الوضع في جنوب لبنان جاهز، وفق المقترح الاميركي. ولكن ينتظر وقف إطلاق النار في غزة لتطبيقه.
الملف الرئاسي مجدداً
انعكست الديناميكية السياسية تهدئة إيرانية أميركية وإطلاقاً لمسار تفاوضي جديد، كما انعكست في لبنان من خلال إعادة تحريك المسار السياسي المرتبط بانتخاب رئيس للجمهورية، عبر تجديد الرئيس نبيه بري لمبادرته، بالإضافة إلى حركة السفراء على قاعدة أن اللحظة مناسبة لإنتاج تسوية سياسية في الداخل، وانتخاب رئيس يمكنه أن يساعد في تخفيف حدة التوتر في الجنوب وإنجاز الاتفاق المنتظر. وسيستكمل السفراء تحركاتهم في المرحلة المقبلة في السياق نفسه.
حوار فلسطيني
المسار السياسي الذي تسعى بعض القوى الدولية إلى خلقه في لبنان، يقابله المزيد من المساعي لخلقه حول الوضع في فلسطين، من قطاع غزة إلى الضفة الغربية. وهذا له أكثر من مستوى. فإلى جانب المفاوضات المتعثرة حول وقف النار في غزة، هناك مسار تفاوضي قد فتح على أكثر من مستوى بين السلطة الفلسطينية من جهة وحركة حماس والفصائل المقاومة من جهة أخرى. جانب من هذه المفاوضات يحصل برعاية إقليمية ودولية، حول الوصول إلى اتفاق لإدارة المعابر في قطاع غزة. وحسب ما تشير مصادر متابعة، يتم البحث بين فتح وحماس من أجل الوصول إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، وتؤلف من وزراء التكنوقراط. وهنا يرد اسم سلام فياض لترؤس هذه الحكومة الانتقالية على أن يكون ناصر القدوة، وهو إبن شقيقة ياسر عرفات، نائباً لرئيس الحكومة. بشكل تكون حماس ممثلة فيها.
تهجير إسرائيلي
كل هذه الصيغ والمحاولات تبدو مرفوضة من قبل الحكومة الإسرائيلية، التي لا تزال ترفض دخول السلطة الفلسطينية إلى القطاع، أو عودة حماس إلى السيطرة على المعابر والمنافذ الأساسية. ولذلك لجأت الحكومة الإسرائيلية إلى تعيين ضابط عسكري، وهو العميد إلعاد غورين لإدارة القطاع. وما يعنيه ذلك من محاولات إسرائيلية لفرض وقائع جديدة، من دون تخلي الإسرائيليين عن مسألة تهجير المزيد من الفلسطينيين. أما من يريد أن يبقى، فعليه أن يكون خاضعاً للسيطرة الإسرائيلية. وهنا تكشف مصادر ديبلوماسية أن الإسرائيليين يصرّون على تهجير المزيد من الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر، وسط تقديرات تفيد بأنه حتى الآن قد دخل إلى مصر حوالى 150 ألف فلسطيني. وهو رقم كبير وينفيه المصريون. ويرغب الإسرائيليون برفع هذا العدد ليبلغ حوالى 400 ألف. الأمر الذي ترفضه مصر والدول الأخرى. الأمر نفسه تحاول إسرائيل فرضه على الضفة الغربية لتهجير حوالى 200 ألف فلسطيني باتجاه الأردن، وذلك من خلال تشديد العملية العسكرية في الضفة الغربية، بالإضافة إلى محاولة تضييق الخناق على الفلسطينيين وتدمير مقومات الحياة هناك.
يؤكد السلوك الإسرائيلي رفض أي مسار سياسي أو ديبلوماسي حتّى الآن. وهو ما سيفرض الكثير من التحديات على المفاوضين أو الوسطاء. وبالتالي، فإن المنطقة مرجحة أن تبقى لفترة طويلة في حالة الاستنزاف القائمة، مع مواصلة حكومة نتنياهو لحربها وتصعيدها، في غزة والضفة، أما جبهة لبنان فستكون في حالة انتظار طويل لما ستسفر عنه نتائج الحرب في فلسطين، أو الديناميكية السياسية بين إيران وأميركا، والتي يمكنها أن تنعكس تهدئة تدريجية على الحدود الجنوبية، بالتكامل مع أي مسار سياسي داخلي برعاية دولية، أو بملاقاة مجهود الدول الخمس المعنية بلبنان.
منير الربيع- المدن