كنعان “لا معلّق ولا مطلّق”… ومبادرته ولدت ميتة: ماذا في حقيقة الخلاف بين التيار ومن غادره من النواب؟

قبل عشرة أيام خرج عضو تكتّل لبنان القويّ النائب إبراهيم كنعان إلى الإعلام مبادراً لإصلاح ذات البين بين النواب الذين أُخرجوا من التيار أو خرجوا منه وبين رئيسه جبران باسيل. تقدّم باقتراح يوصي بـ”التراجع عن كلّ المواقف والقرارات المسبقة من فصل واستقالات وإحالات مسلكية، ووقف الحملات الإعلامية بين أبناء البيت الواحد، وإعطاء مهلة أسبوع لحلّ إشكالية الالتزام من خلال حوار مباشر يجب أن يبدأ بالتفاهم على سقفه ومضمونه”.

انتهت المهلة التي حدّدها النائب كنعان ولم يطرأ أيّ تطوّر، وبقي التشنّج سائداً، كما بقي معلّقاً مصيره في التيار، وكذلك علاقته مع باسيل. خلافاً لاعتقاد ساد في أعقاب كلمة كنعان وبعدها، رئيس لجنة المال والموازنة أبقى مصيره الحزبي في التيار “لا معلّقاً ولا مطلّقاً”. لم يتقدّم باستقالته ليلحق بزميله النائب سيمون أبي رميا، ولم يتّخذ التيار إجراءً بحقّه على غرار ما سبق أن فعل مع النائب آلان عون. عدم إعلان الخطوات من قبل الطرفين لا يلغي وجود توتّر في العلاقة تضجّ به الكواليس.

كنعان متريّث

يتريّث كنعان إفساحاً في المجال كي لا يقطع حبل الودّ، “وحرصاً على مسيرة التيار وحاضره ومستقبله”، كما سبق أن قال في مؤتمره الصحافي. المقرّبون منه ينتقدون التنافس في ضرب المواعيد لمغادرته ويؤثرون عدم الحديث عن كلّ إضافة تعكّر الجهود المبذولة لتقريب وجهات النظر، وإن كانت خفايا ما تشير إليه العلاقة لا توحي بأنّ انفراجاً قريباً أو صلحاً قريباً يطوف في الأفق، بل إنّ العلاقة آخذة في مزيد من التأزّم بالنظر إلى الروايات المتناقلة في صالونات النواب وخلف جدران اجتماعات رفاقه النواب الثلاثة حتى بات من غير الممكن الركون إلى حقيقة أنّ الخلاف بين الرئيس والخارجين عن طوعه يرتبط حصراً بجلسة انتخاب رئاسية مرّ عليها الزمن.

الوقائع التي يتحدّث عنها التيار في كواليسه تقول إنّ “القصة مش رمّانة وإنّما قلوب مليانة”. فماذا في حقيقة الخلاف بين التيار ومن غادره من النواب؟ وماذا عن مصير كنعان الحزبي؟ وإذا كان الجنرال المؤسّس ميشال عون أيّد الإجراء القاضي بفصل قريبه النائب آلان عون فماذا عن علاقته مع إبراهيم كنعان؟

التّيّار والنّوّاب الأربعة

تعتبر مصادر قيادية في التيار الوطني الحر أنّ الخلاف مع النواب إبراهيم كنعان وآلان عون وسيمون أبي رميا والياس بوصعب “سياسي في جوهره وليس تقنيّاً إداريّاً”. وتقول إنّ هذا الخلاف “يتّصل بعدم تسليم عون وكنعان وأبي رميا بقيادة باسيل للتيّار من الأساس، وإصرارهم على الرغم من انتخابه مرّتين على إبقاء التيار حالة سياسية جماهيرية خارج الإطار التنظيمي مع نوع من قيادة جماعيّة لا رأس لها. انضمّ إليهم بوصعب منذ انتخابات 2022، حيث سعى إلى تكوين وضعيّة خاصّة مستقلّة تجعل منه مرجعاً أرثوذكسيّاً مستقلّاً، وازداد التمايز مع مرور الأيام إلى أن بلَغ درجة عدم الالتزام بقرار التيّار المتعلّق بانتخابات الرئاسة، وعدم الاكتراث للانضباط الحزبي” في الوقت الذي رأى فيه آخرون أنّ بوصعب في موقع يقتضي أن يكون وجوده أوسع من النطاق الحزبي.

يتّهم التيار الوطني حسب مصادره القيادية كلّ هؤلاء بأنّهم “أخّروا قانون الكابيتال كونترول، وشوّهوا قانون السرّية المصرفية، وتعاونوا سنة 2020 على إسقاط خطّة حكومة حسان دياب للإصلاح المالي، ووفّروا حماية للمصارف بدَل حماية الناس”. وتبلغ الاتّهامات مبلغاً عالياً حين توجّه إلى “اللجان النيابيَّة ومنها لجنة المال والموازنة لعدم مساءلة حاكم مصرف لبنان عن الفجوة الماليَّة البالغة 72 مليار دولار في حسابات مصرف لبنان، علماً أنّ وزير الاقتصاد آنذاك منصور بطيش كشف عنها في نيسان 2019 قبل أشهر من الانهيار”، وربّما هذا ما يفسِّر ما نقلته النشرة عن زوّار الرئيس عون ثمّ حذَفته بعد تدخُّلات وجاء فيه: “لو كان كنعان عَم يسمع منّي، لما ساهم بإجهاض الخطة الإصلاحيّة للحكومة ولا باستمرار تهريب الأموال للخارج، ولا كان خاصمَ كُلّ من حاول القيام بعَمَل إصلاحي”. والأخطر هو قول زوّار الرئيس ميشال عون إنّ “المُعطيات، التي كانت تُقدّم له من قبل البَعض من أمثال هؤلاء، كانت مَغلوطة، وهو ما ساهَم في تعطيل إجراءات الإصلاح وتفشيل أيّ محاولة لمساءلة مَن سرقوا وهدروا ودائع الناس وتطاولوا على المال العامّ”.

مبادرة كنعان ولدت ميتة

بات من الصعب وسط أجواء كهذه أن يكون فتح حوار بين النواب الأربعة وباسيل ممكناً، كما ليس ممكناً استمرار كنعان في صفوف التيار وإن كان يتريّث في إعلان خروجه. ربّما كان تريّثاً متبادلاً بين من يريد أن يكون بموضع الضحيّة إن أُقيل ومن لا يرغب في تصويره على هذا النحو. وفي كلا الحالين التيار أمام أزمة تستوجب منه حسم أمره، خاصة أنّ مجلس النواب يستعدّ لانتخاب لجانه النيابية الشهر المقبل، ومن غير المعلوم ما سيكون عليه مصير كنعان كرئيس للجنة المال والموازنة، خاصةً أنّ التيار قد لا يوافق على ترشيحه مجدّداً.

يعترف عدد من النواب الذين صاروا خارج التيار أنّ مبادرة كنعان ولدت ميتة تماماً كما سبق أن قال في مؤتمره، بدليل جواب باسيل وهجومه عليها الذي “أثار استياء كنعان نفسه”. وتقول المصادر: “لو كان لدى باسيل نيّة النقاش لكان عرض كتاب كنعان المتعلّق بفصل بوصعب للنقاش داخل اجتماعات الهيئة السياسية”. وعلم “أساس” أنّ كنعان بصدد إعلان خروجه من التيار في غضون الأيام القليلة المقبلة، لكن قد يستبق التيار قراره بعرض قضيّته على هيئة التحكيم فتصدر قراراً بتنحيته أو إقالته.

سباق محموم شهدته الساعات الماضية كشف عمق الهوّة وإصرار باسيل على المضيّ في خطواته لإقفال هذا الملفّ نهائياً.

غادة حلاوي- اساس

مقالات ذات صلة