اتجاه دوليّ للضغط مالياً على لبنان… استكمالاً لانهيار خريف 2019ّ
لم يعد مأزق لبنان المصيري رهناً بالحرب الشاملة التي قد تشنها عليه إسرائيل، أو بضربات تدمر فيها البنى التحتية. فالأخطر دخول لبنان مرحلة جديدة من الضغوط السياسية والعسكرية والمالية، ما يشكل استكمالاً لانهيار خريف 2019.
أي خيار من اثنين قرر بنيامين نتنياهو اعتماده، في سعيه إلى “إخضاع” لبنان:
1- خيار الضربة القاضية، أي الضربات التدميرية التي يُحكى عنها، والتي تستهدف المؤسسات والبنى التحتية الحيوية، ما يؤدي إلى فقدان البلد- المنهار والمفلس أساساً- كل قدراته، فيصاب بشلل فوري ومباشر، ولا تكون له قيامة حتى يأتيه الضوء الأخضر الإقليمي والدولي كي يعود إلى الحياة.
2- خيار تسجيل النقاط، أي إبقاء لبنان في وضعية الاستنزاف العسكري الحالية، أو توسيعها تدريجاً لتصبح أكثر إيلاماً، وإرفاقها بموجة ضغوط سياسية واقتصادية إقليمية ودولية، ما يؤدي إلى اختناق لبنان ببطء نسبي، أي في مدى أسابيع أو أشهر عدة.
ولكن في الحالين، بالضربة القاضية أو بالنقاط، واضح أن لبنان سيدخل في مسار الاختناق. والجميع في الداخل والخارج يدرك هذه الحقيقة، لكن أحداً لا يفعل شيئاً لتجنب الكارثة. والبلد بات متروكاً لمصيره، بعدما تخلى عنه الأميركيون والأوروبيون والعرب، وجميعهم نقلوا إليه التحذيرات على مدى 10 أشهر، من عواقب المغامرة بإشعال جبهة الجنوب، ولكن عبثاً. وواضح أن هؤلاء يتبنون اليوم طروحات إسرائيل في ما يتعلق بالمنطقة الآمنة أو العازلة في الجنوب. وإذا ما قرر نتنياهو تصعيد ضرباته في لبنان، فإن “أصدقاء لبنان” الدوليين والعرب سيقفون مع إسرائيل هذه المرة، وفي أفضل الأحوال سيتخذون موقف المتفرج ويتركون لبنان لمصيره.
وكما يبدو في الأفق، لا نجاة للبنانيين من الكارثة، والأسباب واضحة. فحرب غزة ستستمر لشهور أو سنوات أخرى، ومعها سيواصل “حزب الله” حرب “المساندة” بلا حساب ولا أفق زمني. وهذا ما يعني توسع الضربات الإسرائيلية في شكل تدريجي ضد لبنان أو اعتماد خيار الصدمات الكبرى الساحقة. وسيفعل نتنياهو ذلك لاعتقاده أن محور إيران- “حزب الله” لن يرد على ضرباته النوعية، بسبب عدم جهوزيته وخشيته الأسوأ.
لكن الأخطر من التصعيد الإسرائيلي هو ما سيرافقه من ضغوط سياسية واقتصادية ومالية دولية وإقليمية بدأت تظهر. فوزير خارجية الولايات المتحدة أنطوني بلينكن أنهى جولته الشرق أوسطية بتبني طرح نتنياهو، والوسيط الأميركي مع لبنان عاموس هوكشتاين اكتفى في بيروت بنقل التهديدات الإسرائيلية. وأما فرنسا، الراعية الدولية الأساسية لمصالح لبنان، فلا تتميز كثيراً بموقفها عن واشنطن وتل أبيب في هذه المرحلة، بعدما بذلت الكثير من الجهود لإقناع اللبنانيين بوقف الحرب الحدودية، ولكن عبثاً.
الموجع هو أن القوى الدولية ستقوم، بتحريض من حكومة نتنياهو، برفع مستوى الحصار والعقوبات والضغوط المالية على لبنان، في محاولة لتركيعه. وهذا ما يذكّر بالضغوط التي بدأ المجتمع الدولي بممارستها في العام 2017، وأدت إلى إفشال مؤتمر “سيدر” في العام 2018، ثم إلى الانهيار في العام 2019. وهذه الضغوط، في ظل طبقة سياسية فاسدة، دفعت لبنان إلى أسوأ انهيار مالي في العالم منذ 150 عاماً. وحتى اليوم، البلد عاجز عن النهوض، لأن الطبقة التي تمسك بقراره لم تتبدل، وهي تقوده من السيء إلى الأسوأ.
ويجدر التوقف بكثير من التدقيق عند التحذيرات من احتمال قيام مجموعة العمل المالي FATF بتصنيف لبنان في المنطقة الرمادية مالياً، على خلفية التجاوزات المتمادية التي يشهدها منذ سنوات. وهذا الإجراء، إذا ما تم اتخاذه، سيؤدي عملياً إلى محاصرة البلد مالياً وعزله، ما يشكل استكمالاً لمفاعيل الانهيار الذي يتعرض له منذ أكثر من 5 أعوام.
والاختناق المالي، إذا تم تشديده، مشفوعاً بتصعيد عسكري إسرائيلي غير محدود بسقف، وبضغط سياسي دولي وإقليمي، ستكون عواقبه خطرة على لبنان، إذ سيدفعه إلى خيارات صعبة. فإما الرضوخ للضغوط والقبول بما تطرحه إسرائيل. وإما الإصرار على المواجهة مهما كانت النتائج، استجابة لطروحات محور طهران، وهذا يعني انتحار لبنان عملياً، تماماً كما انتحرت غزة، حيث هُزمت “حماس” واقتربت إسرائيل من حسم الحرب لمصلحتها.
طوني عيسى- الجمهورية