دعوة إسرائيليّة لـ”تغيير الملعب الاستراتيجيّ”… وتوجيه ضربة إلى سوريا حتى لو أسقطت النظام!

الرّيبة المتبادلة مع روسيا وسوريا أخّرت ردّ إيران؟

 

 

بعض الحسابات الإيرانية في التمهّل بالردّ على اغتيال إسماعيل هنية تتعلّق بوقائع العلاقة المعقّدة الإيرانية الروسية السورية. وهذا الأمر ينطبق على ردّ الحزب على اغتيال القائد العسكري فيه فؤاد شكر وما سيليه. فطهران مضطرّة إلى الأخذ في الاعتبار الرفض الروسي لإقحام سوريا في المواجهة العسكرية مع إسرائيل، وتداعياتها المحتملة لجهة توريط أميركا بالحرب.

تحت سقف التحالف خضعت العلاقة الإيرانية السورية في الأشهر القليلة الماضية لعوامل الريبة وشيء من الفتور، وكذلك علاقة طهران بموسكو، على الرغم من الجهد الذي يبذله فلاديمير بوتين لتجنيب إيران التعرّض لردّ على الردّ يضعفها كحليف.

قبل 3 أسابيع، ظهرت في صحف إسرائيلية مقالات دعت القيادة السياسية إلى توجيه ضربة إلى سوريا حتى لو أسقطت النظام. اعتبر معنيون في دمشق وموسكو أنّ مصدر هذه المقالات حلقات نقاش داخل المستويين العسكري والسياسي في الدولة العبرية. وتردّدت معطيات بأنّ القيادة الروسية رصدت معلومات عن نقاش إسرائيلي في هذا المجال. ومع القناعة بأنّ توجّهاً من هذا النوع، إذا كان جدّياً، لا يتمّ عكسه في وسائل الإعلام، فإنّه أقلق مسؤولين سوريّين. ويفترض المرء أنّ المهتمّين في موسكو رصدوا مدى جدّية هذه الوجهة الإسرائيلية. فموسكو متيقّظة على الدوام لما يتعلّق بسوريا، لأنّها الساحة الحيوية التي أعادت لها نفوذها في شرق المتوسّط.

دعوة إسرائيليّة لـ”تغيير الملعب الاستراتيجيّ”

نشرت “معاريف” أواخر تموز الماضي تحليلاً لعاميت ياغور بعنوان “رأس الحيّة ليس في طهران ولا في بيروت بل في مكان غير بعيد عن إسرائيل”. يركّز المقال على أنّ “المسؤولين عن الحزب مستعدّون لتغيير المعادلة وتوسيع نطاق النار نحو مستوطنات إسرائيلية مدنية لم يتمّ إخلاؤها”. ومع إقراره بأنّ إسرائيل والحزب غير معنيّين بحرب شاملة لأنّ “غزة أوّلاً”، دعا إلى “تغيير الملعب الاستراتيجي”. طالب برفض “الملعب الذي فرضه الحزب علينا”. ويرى أنّ الأخير “يملك مركزَي قوّة استراتيجية كبيرَين، هما الدولة السورية والدولة اللبنانية، يمدّانه بالأوكسيجن لمواصلة الحرب”.

وشبّه كاتب المقال سوريا بأنّها “محور فيلادلفيا الشمالي وكلّ ما تريد إيران تزويده به”. وأشار إلى الغطاء اللبناني الرسمي و”الشرعية الجماهيرية” للحزب. ودعا إلى التفكير في “معادلة جديدة، بحيث يتمّ الردّ في الأراضي السورية على كلّ هجوم يشنّه الحزب على إسرائيل” لإجباره على لجم ردوده. ودعا إلى “سلسلة عمليّات (بنيران مباشرة أو غير مباشرة) ضدّ المواقع والمؤسّسات التابعة لنظام الأسد”. وبالنسبة إلى لبنان نصح بالامتناع عن قصف البنى التحتية، والعمل على زيادة الضغوط الاقتصادية… والعمل دبلوماسياً للضغط وصولاً إلى التفكير في إلغاء اتفاقية الحدود البحرية.

عكس مقال “معاريف” ما سمّي توحيد الردود الإسرائيلية على الجبهة الشمالية. وثمّة من يعتبر أنّ رسائل بلغت دمشق بهذا المعنى. وسواء صحّ ذلك أم لا، اهتمّت سوريا بالحؤول دون خلق الذرائع لإسرائيل عبر أيّ أعمال عسكرية من أراضيها. ومنذ عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر نأت بنفسها عن جبهات المساندة، كما سبق لـ”أساس” أن أشار في مقالات عدّة. فالنصائح بذلك جاءتها من سلطنة عُمان ودولة الإمارات، وطبعاً من موسكو.

إسرائيل تفصل بين وقف حرب غزّة والشّمال

كان من الطبيعي أن يستنفر تفكير إسرائيل في “تغيير الملعب الاستراتيجي” باتجاه دمشق، التي استنفرت بدورها موسكو. وهي استشعرت من بعض عمليات إسرائيل على أراضيها مخاطر الانتقال إلى إقحامها في المواجهة العسكرية غير القادرة على تحمّل كلفتها. والتهديدات الإسرائيلية التي بلغتها بالواسطة شملت التلويح بضرب قيادة النظام. وحسب مطّلعين على تحرّكات الأسبوعين الماضيين في هذا الشأن يمكن الإشارة إلى الآتي:

1- إسرائيل تتصرّف في الاتّصالات الدبلوماسية الجارية بشأن مفاوضات الهدنة في غزة على أساس الفصل بينها وبين الجبهة الشمالية مع لبنان. وهي جبهة تبقى مفتوحة على شتّى الاحتمالات بالنسبة إلى سوريا.

2- على الرغم من تأكيد الحكومة اللبنانية والحزب أنّ وقف القتال في القطاع سيوقف المواجهات بين الجنوب وبين الشمال الإسرائيلي. ومع أنّ بعض الرسميين في لبنان يتصرّفون على أنّ تثبيت الهدوء جنوباً سيحصل حتماً بعد غزة، وأنّ ترسيم الحدود البرّية شبه منجز، فإنّ إسرائيل في واد آخر، فهي تريد ضمان ابتعاد الحزب وأسلحته إلى شمال نهر الليطاني. وهذا يتطلّب صفقة سياسية كبيرة تتجاوز التهدئة جنوباً، وإذا تعذّرت تبقى المخاطر قائمة على سوريا. والانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية يؤخّر أيّ صفقة سياسية كبرى في المنطقة.

الاستنجاد ببوتين

3- الرئيس بشار الأسد نقل مخاوفه من السلوك الإيراني إلى الرئيس فلاديمير بوتين، في زيارته موسكو في 25 تموز الماضي. والأخير طلب من طهران الأخذ في الاعتبار هشاشة الوضع العسكري للنظام في سوريا، من ضمن الرسالة التي حملها مستشار الأمن القومي الروسي سيرغي شويغو لاحقاً. إذ إنّ “حرس الثورة” الإيراني يتصرّف على الأراضي السورية من دون تنسيق مع قوات النظام أحياناً كثيرة. وبالتالي لا علاقة للنظام بالكثير من خطوات “الحرس”. وكانت الرسالة في اتّجاهات عدّة أنّ دمشق غير قادرة على ضبط التحرّكات الإيرانية، وهي غير معنيّة بالحرب. ومن الأمثلة:

استقلاليّة الأمن الإيرانيّ واستهداف أميركا

– حوادث التحقيق في الاختراقات الأمنيّة السورية التي تسبّبت باستهداف إسرائيلي للقيادات الإيرانية في سوريا. وأبرزها ما تلغط به أوساط مطّلعة في دمشق عن توقيف الحرس للّواء ملهم الشبل، شقيق لونا الشبل التي يُقال أنها قتلت في حادث سير مدبّر. واللواء الشبل ما زال مصيره مجهولاً بعدما أوقفه “حرس الثورة” الإيراني. والتهمة هي التخابر مع جهة أجنبية. وممّا يتردّد أنّ هذه الجهة هي موسكو، وسط ريبة إيرانية بأنّ الجانب الروسي يساهم في تمرير المعلومات لإسرائيل عن المواقع القيادية الإيرانية. وبات الأمن الإيراني مستقلّاً عن الأمن السوري، فيعتقل ويسجن ويحقّق ويعاقب من دون إبلاغ الأمن السوري.

– “حرس الثورة” يدير عمليّات قصف الميليشيات الموالية له المنتشرة على الأراضي السورية للوجود الأميركي في قاعدة التنف وحقل العُمر…. وفي الأشهر الماضية بات استهداف هذه القواعد يتمّ من الأراضي السورية خلافاً لمرحلة سابقة كان يتمّ فيها من الأراضي العراقية. كلّ هذا بلا تنسيق مع القيادة السورية، التي أبلغت من يلزم بأنّها غير قادرة على ضبط التحرّكات الإيرانية.

– يتولّى “الحرس” تحريك الجبهة بين بعض العشائر العربية التي استمالها في شمال سوريا ضدّ مناطق سيطرة الأكراد، في ما يشبه حرباً بالواسطة مع النفوذ الأميركي في بلاد الشام. وفي أحيان كثيرة يتضرّر الجيش السوري من الردّ الأميركي حين تردّ المسيّرات الأميركية على قوات موالية لإيران قرب مواقع الجيش. ولهذا التحريك علاقة بتحسين الموقف التفاوضي الإيراني مع أميركا في الاتصالات الجارية بين الدولتين عبر القنوات الخلفيّة. وحين عاد “الحرس” لتعزيز وجوده في الجنوب، قصفت طائرات إسرائيلية مواقع له وللحزب في القنيطرة ودرعا.

زيارات للتّنسيق؟

اقتضى ذلك زيارة وزير الدفاع السوري اللواء علي محمود عباس لطهران في آذار الماضي، ثمّ زيارة رئيس أركان الجيش السوري العماد عبد الكريم محمود إبراهيم للعاصمة الإيرانية قبل أسبوعين. كما اقتضى انتقال اللواء حسام لوقا رئيس المخابرات العامة إلى بيروت في 8 آب الجاري للقاء قيادة الحزب، لتنسيق التحرّكات الميدانية. فدمشق اتّخذت إجراءات حول أماكن إقامة بعض قادة الحزب في دمشق بعد سلسلة الاغتيالات الإسرائيلية لكوادره ولقادة “الحرس”. وقد تكون هذه الزيارات حصلت نتيجة المسعى الروسي مع طهران للأخذ بالاعتبار هاجس عدم تعريض النظام للخطر.

لكنّ عوامل الريبة وانخفاض الثقة والأجندات بين الدول الثلاث لا تلغي الواقع القائل بأنّ الدول الثلاث تحتاج إلى إبقاء التحالف والتعاون على حيويّته. فإيران والحزب يحتاجان إلى سوريا ممرّاً للتسليح والإمداد. وسوريا تحتاج إلى طهران اقتصادياً، لا سيما لتزويدها بالنفط وغيره، ولمشاغلة الميليشيات المعارضة للنظام. وهي تدرك أنّها الممرّ الوحيد لإيران نحو لبنان. وروسيا أيضاً ليست في وارد التخلّي عن حليف كطهران مع التطوّرات الحاصلة على جبهة الحرب في أوكرانيا، بموازاة صيانتها لوضع النظام.

وليد شقير- اساس

مقالات ذات صلة