مفاوضات الدّوحة… تصلّب مصريّ وإيران “على الخطّ”: ماذا جرى على مدى يوميْن؟
لم تكُن طاولة المفاوضات التي عُقِدَت في العاصمة القطريّة الدّوحة على مدى يوميْن سوى بداية النّهاية لأحد المساريْن: إمّا نهاية الحرب أو نهاية الحلول السّلميّة. أجواء الوسطاء تُعبّر عن ارتياحها لجلستَيْ الخميس والجُمعة. لكنّ أجواء “حماس” لا تشي بهذه الإيجابيّة. أمّا إسرائيل فعلى عادتها تخرجُ بمواقفَ مُتناقضة، منها ما يُرحّب بنتائج المُفاوضات، ومنها ما يُشكّك ويُرسل إشارات سلبيّة… فماذا جرى على مدى يوميْن؟ ولماذا ينظرُ الوسطاء المصريّون والقطريّون والأميركيّون بإيجابيّة؟
تكتسبُ “جولة اليومَيْن” من التفاوض بين حركة حماس وإسرائيل، في الدّوحة، أهميّة كبرى. فهي مُختلفة من حيث ظروف انعقادها وشكله عن بقيّة الجلسات الماضية. إذ تأتي في ظلّ توتّر إقليميّ غير مسبوق يُحذّر الجميع من انفلاته نحوَ حربٍ إقليميّة لا تُبقي ولا تذر.
إيران تبحثُ منذ 20 يوماً عن ثأرٍ ولو شكليّاً ردّاً على اغتيال إسماعيل هنيّة في عُقر دارها. والحزبُ في لبنان يُؤكّد إصراره على الرّدّ على اغتيال قائده العسكريّ فؤاد شكر (السّيد مُحسن) في عقر ضاحيته أيضاً. أمّا رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو فلا يُبدي استعجالاً لإخماد الحريق المُشتعل في قطاع غزّة. ونصل إلى حماس، التي هي اليوم برئاسة يحيى السّنوار بعد اغتيال هنيّة، وهو ما يعني أنّ البراغماتيّة التي كانَ يتمتّع بها “أبو العبد”، إسماعيل هنية، ليست نفسها عند “أبي إبراهيم”، السنوار.
وحده الرّئيس الأميركيّ جو بايدن، الذي لن يكونَ رئيساً لولايةٍ ثانية، يجدُ نفسه مُتحرّراً من الضّغوط، وباتَ يمتلكُ هامشاً أوسع ليضغطَ على حليفه اللدود بنيامين نتنياهو.
ماذا في أجواء جلسة التّفاوض؟
عُقِدَت الجلسة في الدّوحة على وقع استنفارٍ أميركيّ عسكريّ – سياسيّ غير مسبوق منذ عقديْن.
ظلّلت الجلسة 5 حاملات طائرات أميركيّة تنتشر في البحر المتوسّط والبحر الأحمر والخليج العربيّ مُذخّرة بكلّ أنواع الطّائرات والمُقاتلات وقاذفات القنابل. ورافقها حشد سياسيّ عماده منسّق الشّرق الأوسط في مكتب الأمن القوميّ بريت ماكغورك، والمبعوث الأميركيّ الخاصّ آموس هوكستين، ومدير وكالة الاستخبارات الأميركيّة وليام بيرنز. وعزّزت واشنطن وجودها السّياسيّ عبر نيّتها إيفاد وزير خارجيّتها أنتوني بلينكن إلى المنطقة بعد الجلسة. وذلك بعدما ألغى زيارته قبل جلسة التفاوض.
زارَ ماكغورك القاهرة وبحثَ مع رئيس هيئة الاستخبارات العامّة اللواء عبّاس كامل واللواء أحمد عبد الخالق المسائل التّقنيّة المُتعلّقة بمعبر رفح و”محور فيلادلفيا”. وغادَرَ منها إلى الدّوحة ليُشارِكَ مع وليام بيرنز في تمثيل الولايات المُتحدة. أمّا موفد الرئيس الأميركي جو بايدن، آموس هوكستين، فحطّ رحاله في العاصمة اللبنانيّة لبحثِ آليّة تطبيق القرار 1701 في حال التّوصّل لاتفاق حول غزّة.
ماذا في تفاصيل المُفاوضات؟
يقول مصدر دبلوماسيّ عربيّ مُطّلع على مسار المُفاوضات لـ”أساس” إنّ الوسطاء على رأيهم في أنّ “المناخ إيجابيّ”، وأنّ ما أحرزه المُجتمعون في الدّوحة من تقدّم يفوقُ كلّ الجلسات السّابقة، بما فيها الجلسات التي أوصلت إلى الهدنة الأولى في تشرين الثّاني الماضي. يعتبرُ الوسطاء التّصريحات الإسرائيليّة و”الحمساويّة” بشأن المُفاوضات “تحسين شروطٍ” تحضيراً للجلسة المُقبلة التي ستُعقد قبل نهاية الأسبوع (مبدئياً يومَيْ الأربعاء والخميس) في العاصمة المصريّة القاهرة.
مردّ الإيجابيّة لدى الوسطاء أنّ الجانب الإسرائيليّ لم يُعقّد مسألة تبادل الأسرى كما كان الحال في الجلسات السّابقة. إذ إنّ الوفدَ الذي يرأسه رئيس الموساد ديفيد برنياع ويُرافقه رئيس الشّاباك رونين بار ومُمثّل الجيش نيتسان ألون، قالَ في الاجتماع إنّ تل أبيب جاهزة لتقديم بعض ما وصفه بـ”التسهيلات” لإنجاز صفقة التبادل، وإنّها قد تمتنِع عن وضع فيتو على بعض الأسماء ممّن تُريد حماس الإفراج عنهم (عبد الله البرغوثي ومروان البرغوثي وأحمد سعدات) بشرطِ ألّا يُفرج عنهم إلى قطاع غزّة أو الضّفّة الغربيّة، بل يتمّ ترحيلهم إلى خارج الأراضي الفلسطينيّة. إلّا أنّ حماس رفضت إبعاد أيّ أسيرٍ خارج فلسطين.
بالإمكان تقليص الفجوات
يكشف المصدر أنّ وليام بيرنز قدّم تصوّراً للإطار التنفيذي للورقة التي أعلنها الرّئيس جو بايدن أواخر أيّار الماضي. لكنّ هذا الإطار يُمكنُ التفاوض على تفاصيله. يهدف هذا التصوّر إلى تقليصِ الفجوات في ما يتعلّق بالمسائل الشّائكة التي يُلخّصها المصدر بالآتي:
1- طلب الوفد الإسرائيليّ لائحة بأسماء الأسرى الأحياء لدى حماس التي تُصرّ على رفضِ هذا المطلب. تعتبر الحركة أنّ هذه الخطوة من شأنها أن تُسهّل للجانب الإسرائيلي استئناف الحرب، خصوصاً إذا ما تسلّمَ أسراه الأحياء. عندها لن يُمانع نتنياهو استئناف العمليّات العسكريّة، على اعتبار أنّ الباقين أموات. هذا ما دفع “حماس” للمطالبة بضمانة خطّيّة من الرّئيس الأميركيّ تمنع نتنياهو من استئناف الحرب.
2- تُصرّ حماس على إزالة كلّ القيود على عودة النّازحين من جنوب القطاع إلى شماله. أمّا إسرائيل فتريد أن تقوم بإجراءات أمنيّة وتفتيش العائدين إلى الشّمال. يقترح الأميركيّون أن تُشرفَ قوّة عربيّة (يُتّفق عليها لاحقاً) بالتعاون مع الصّليب الأحمر والهلال الأحمر على العودة. لكنّ حماس تُصرّ على إزالة القيود كاملةً.
3- لا تزال السّيطرة الإسرائيليّة على الحدود مع مصر ومحور “نتساريم – صلاح الدّين” مسألةً شائكة. لم يبحث اجتماع الدّوحة هذه المسألة بتفاصيلها، وتُرِكَت لاجتماع القاهرة، حيثُ يؤكّد الأميركيّون أنّ مصرَ هي طرف في هذه المسألة، ولا بدّ من الوقوف عند رأيها أيضاً.
هل فعلاً أوقفت إسرائيل عمليّاتها في غزّة؟
4- 3تُصرّ حماس على انسحاب الجيش الإسرائيليّ من كلّ مناطق غزّة تزامناً مع المرحلة الأولى. أمّا الوفد الإسرائيلي فاقترحَ أن يكونَ الانسحابُ تدريجيّاً مُقسّماً على مراحل الخطّة الـ.
اقترحَ بيرنز أن ينسحب قسمٌ من الجيش الإسرائيليّ في المرحلة الأولى من المناطق الدّاخليّة للقطاع، من دون أن يسبّب القلق لتل أبيب. أمّا الانسحاب من الحدود مع مصر فيكونُ بالتفاوض مع السّلطة الفلسطينيّة والقاهرة. وتشير معلومات “أساس” إلى أنّ إنهاء الجيش عمليّاته في القطاع كما ذكرت هيئة البثّ الإسرائيليّة جاءَ بضغطٍ أميركيّ لإعطاء إشارات إيجابيّة للقاهرة قبل موعد الجلسة المُقبلة.
أبدى الجانب الإسرائيليّ ليونة في هذه المسألة. لكنّه قال إنّ المستوى السّياسيّ قد يُعقّد مسألة تولّي السّلطة إدارة المعبر، واقترحَ نشر قوّات عربيّة لإدارته، وهذا ما رفضته حماس، وكذلك الوفد المصريّ.
أمّا الوفد القطريّ فكانَ يُسلّم بالكامل بالمطالب المصريّة. واعتبرَ أنّ مسألة معبر رفح هي مسألة مصريّة – فلسطينيّة، ومسألة أمن قوميّ مصريّ، لا يُمكن أن تقبل الدّوحة التهاون بها أو أن تكونَ منطلقاً إسرائيليّاً لابتزاز الوفد المصريّ، الذي كانَ مُتمسّكاً لأبعد الحدود بضرورة الانسحاب من المنطقة المذكورة من دون “أنصاف حلول”.
العقدة أساسيّة في محور فيلادلفيا
يعتبر المصدر أنّ التفاصيل العالقة بمسألة تبادل الأسرى يُمكنُ حلّها في الجلسات القليلة المُقبلة. لكنّ الأهمّ هو التّوصّل لاتفاق حول ما يتعلّق بمحور فيلادلفيا ومعبر رفح. وهذا ما سيكون محلّ النقاش الأسبوع المُقبل. إذ يعتبر الأميركيّون أنّ حلّ هذه المسألة يعني حلّ 50% من الاتفاق، على اعتبار أنّها تُعقّد ملفّ التبادل، والمطالب بتدفّق المُساعدات الإنسانيّة إلى القطاع عبر رفح.
في هذا الإطار ستشهد القاهرة خلال الأسبوع المقبل حراكاً لحلّ هذه المسأله أساسه الآتي:
– ستستضيف العاصمة المصريّة حواراً فلسطينيّاً – فلسطينيّاً بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية لبحث مسألة إدارة المعبر من قبل السّلطة. إذ لم تمانع حماس دخول السلطة على خط هذا الحلّ. كما أنّ الأميركيين لا يريدون أي عودة لحماس إلى محور فيلادلفيا ومعبر رفح.
– ستشهد القاهرة اجتماعاً مصريّاً – إسرائيلياً لبحث النقاط العالقة والشائكة في هذه المسألة مع الجيش المصري. إذ مصر تعتبر أنّ التواجد الإسرائيلي على الملقب الآخر من الحدود مع غزة انتهاكاً لاتفاقيات بين الجانبين. سيمثل الجانب الإسرائيلي وفدٌ من الجيش لبحث الضمانات الأمنية والعسكرية.
– وكانَ “أساس” قد كشفَ عن التّصوّر الذي يحمله بريت ماكغورك لحلّ مسألة معبر رفح ومحور فيلادلفيا. وهو سيكون الأساس للمحادثات المُقبلة في العاصمة المصريّة.
– سيبحث اجتماع مصري – إسرائيلي- أميركي مقترحات لحلّ مسألة ممر نتساريم من جنوب غزة إلى شمالها.
إيران حاضرة عن بُعد…. بعدم الرّدّ
كانَ اللافتُ اتّصال رئيس الوزراء ووزير الخارجيّة القطريّ الشّيخ محمّد بن عبد الرّحمن آل ثاني مع وزير الخارجيّة الإيرانيّ بالإنابة علي باقري كنّي مرّتيْن. الأولى يومَ الخميس بعد الجلسة. والثّانية بعد انتهاء جولة المفاوضات وإصدار البيان الثّلاثي “الأميركيّ – القطريّ – المصريّ”.
يقول المصدر إنّ التفاوض الجدّيّ يجري مع إيران بالدّرجة الأولى. ولذلك تمنّى الشّيخ محمّد بن عبد الرحمن على الإيرانيين ألّا يقوموا بأيّ خطوةٍ من شأنها أن تُعطي نتنياهو الذّرائع لنسف التّفاوض، وأن يتدخّلوا للأمر نفسه لدى الحزب في لبنان.
كما قال رئيس الوزراء القطريّ لوزير الخارجيّة الإيرانيّ إنّ المُفاوضات تتّخذُ منحى إيجابيّاً، على الرّغم من بعض العقد، التي سيعمل الأميركيّون على حلّها مع الجانب الإسرائيليّ. ذلك أنّ بايدن تعهّد في اتّصاله مع أمير قطر الشّيخ تميم بن حمد آل ثاني بعد جلسة المُفاوضات بالضغط أكثر على إسرائيل لتسهيل التّوصّل إلى اتفاقٍ.
في المعلومات أنّ المسؤول الإيرانيّ قال لرئيس الوزراء القطريّ إنّ بلاده ترى اليوم أنّ الأولويّة هي لوقف الحرب في غزّة. وهي مستعدّة لبذل ما أمكن لتحقيق هذا الهدف. لكنّها لن تضغط على حماس أو الحزب لوقف الحربِ إن كان أيّ اتفاقٍ يُظهر أحدهما بصورة المهزوم.
هكذا تحوّلت أنظار المنطقة من ترقّب جلسة الدّوحة إلى جلسة القاهرة. يخشى الجميع، بمن فيهم الولايات المتحدة، أن يخرجَ نتنياهو لاحقاً وينسف كلّ الجهود بحجّة الضّغط الذي يتعرّض له من الثّنائي في حكومته: إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، علماً أنّ الوسطاء باتوا على قناعة أنّ من يدفع هذا الثّنائي لابتزاز نتنياهو هو نتنياهو نفسه.
فهل يتخلّى عن أسلوب المراوغة أم ينصاع لإرادة المؤسّستين العسكريّة والأمنيّة ومن خلفهما الولايات المُتحدة؟
الجواب عنده فقط…
ابراهيم ريحان- اساس