العصا والجزرة: الاستنفار الأميركي يخفّف من حدة الردّ الايراني ولا يلغيه!

يعيش الشرق الأوسط والعالم حمى الصراع بين اسرائيل والولايات المتحدة الأميركية من جهة ومحور الممانعة بقيادة إيران من جهة أخرى، وليس سراً أن اسرائيل تقدّمت بالنقاط في المرحلة الأخيرة بعد نجاحها في اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” اسماعيل هنيّة في قلب إيران، والقيادي العسكري في “حزب الله” فؤاد شكر في قلب الضاحية الجنوبية، ما رفع مستوى التحديات، وبادرت إيران و”الحزب” إلى التهديد بردّ قاس طال انتظاره، علماً أن جميع المراقبين يؤكّدون أنه إذا صدق محور الممانعة في تهديداته وردّ على نحو مؤلم في الداخل الاسرائيلي، قد يدفع المواجهة إلى حرب شاملة في المنطقة.

أمام هذا الواقع المأزوم، تحرّكت واشنطن على مستويين: ديبلوماسي وعسكري. الأول تمثّل في إرسال الموفد الأميركي الرسمي آموس هوكشتاين إلى المنطقة للتخفيف من وتيرة التصعيد المُقلق. والثاني قضى بإرسال أساطيل بحرية أميركية رابضة اليوم في المياه الاقليمية في البحر الأبيض المتوسّط لردع أي هجوم “ممانع” كبير على اسرائيل. وحتماً ينطبق على هذا المشهد الأميركي المعادلة الشهيرة التي يُطلق عليها عنوان: العصا والجزرة.

هناك قناعة في دوائر القرار في الولايات المتحدة أنه لا يُمكن ردع إيران عن تسلّق سلّم التصعيد إلا بإظهار الولايات المتحدة نزعتها العسكرية الهجومية الجديّة، والاتجاه الأميركي في ما يخص الرد الايراني، وفق القنوات الديبلوماسية، يبدو غير متساهل هذه المرة بالقدر الذي كان فيه بالرد السابق في نيسان الفائت، لأن واشنطن تعتبر أن تكرار مسألة الرد على الداخل الاسرائيلي يُشكّل سابقة خطيرة.

في المبدأ تتفهّم الولايات المتحدة الغضب الايراني والشعور بإذلال كبير وانتكاسة أمنية واستخباراتية نتيجة قتل هنيّة في كنف حماية النظام الايراني، إلا أن ما يُقلقها اليوم هو الشكل الذي قد يتخذه الانتقام.

من جهتها، لا تبدو إيران متساهلة كما في المرة السابقة بالإتفاق مع الولايات المتحدة على شكل الرد، وليست موافقة على الشكل السابق الذي اعتمدته في 13 نيسان الفائت عندما أطلقت وابلاً من الطائرات من دون طيار والصواريخ المجنحة والصواريخ الباليستية مباشرة من أراضيها، وقامت الولايات المتحدة واسرائيل بإتخاذ تدابير دفاعية قوية منعت وقوع كارثة. أما الآن، فتمارس الادارة الأميركية أقصى جهودها لمنع إيران من الهجوم على اسرائيل خوفاً من أن يتخذ الصراع أبعاداً خطيرة.

وتشير تقديرات لديبلوماسيين أميركيين مطلعين على دراسات عسكريّة حديثة تدرس خيارات الرد الايراني الى أنها متعددة: قد تقضي بتدمير مجموعة من الأهداف العسكرية أو الاستخباراتية الرئيسية الاسرائيلية، أو مبنى حكومي بارز، أو بنية تحتية مدنية، مستخدمة أنواعاً ومجموعات محددة من الصواريخ الباليستية، والصواريخ المجنحة، والطائرات المسيّرة الانتحارية، والهجمات الالكترونية التي توفر فرصاً أفضل للنجاح مقارنة بهجوم 13 نيسان الفائت. ولا يستبعد الديبلوماسيون أن يكون اختيار الوقت مفاجئاً لضمان فاعلية الضربة. ومن المنطقي أن تتجنّب ايران ضرب الأهداف المدنية لمنع ردود فعل متعاظمة من اسرائيل تورّطها في حرب كبيرة معها ليست في وارد الدخول فيها لأنها تعرف أنها ستكون الخاسرة.

أما احتمالات توجيه اسرائيل ضربات استباقية فلا تغيب عن تفكير الديبلوماسيين الأميركيين، على الرغم من أنها ستجد نفسها محرجة قليلاً من الناحية العسكرية، إذا كان الهجوم الايراني منسّقاً في الوقت نفسه مع فصائل “الممانعة” مثل “حزب الله” والحوثيين والحشد الشعبي العراقي وغيرها من الميليشيات. ويأخذ الديبلوماسيون الأميركيون في الاعتبار أنه لا يمكن ألا يكون هناك رد من محور الممانعة، لأنه بعد الضربات الاسرائيلية “النوعيّة” يعيش انتكاسة معنوية كبيرة ويريد أن يعيد اعتباره.

واللافت أن الدراسات العسكرية التي اطلع عليها الديبلوماسيون تؤكّد أن إيران لم تستخدم بعض صواريخها الباليستية الأكثر حداثة وقدرة في هجوم 13 نيسان الفائت، وقد فشلت نصف الصواريخ الباليستية التي استخدمتها في الوصول إلى أهدافها. ويُقال انها كانت تحمل رؤوساً حربية وهميّة لإغراق الدفاعات الاسرائيلية حتى يكون للصواريخ الأخرى ذات الرؤوس الحربية الموحّدة فرصة أفضل للمرور.

وليس مستبعداً أن تحيل إيران مهمة إطلاق الطائرات المسيّرة وبعض الصواريخ المجنّحة على “حزب الله” الذي قد يستفيد من قرب المسافة مع اسرائيل لتكون الضربة أكثر فاعلية.

كل ذلك، يُبرر الحشود العسكرية الأميركية في المنطقة، وتعتبر القنوات الديبلوماسية ان واشنطن تُدرك حجم المخاطر وترى أنه من الضروري ردع إيران، إذا فكّرت بإلحاق الضرر باسرائيل، لذلك رفعت من مستوى استعداداتها التي تألّفت من مجموعة اسلحة حربية نوعيّة أهمها سرب من طائرات إف-22 ومجموعة حاملة الطائرات “يو إس إس ثيودور روزفلت” الضاربة، التي أعيد تمركزها من الخليج العربي إلى بحر العرب. ومجموعة حاملة الطائرات “يو إس إس واسب” البرمائية الجاهزة، التي أعيد تمركزها إلى شرق البحر الأبيض المتوسط ​​بالقرب من إسرائيل، إلى جانب مدمرات بحرية فعالة للغاية قادرة على الدفاع ضد الصواريخ الباليستية، إضافة إلى مجموعة حاملة الطائرات “يو إس إس أبراهام لينكولن” الضاربة بجناح جوي مختلط يضم طائرات إف/إيه-18إي/إف، وإي إيه-18جي، وإف-35سي، أعيد تمركزها من المحيط الهادئ. وهناك احتمال نشر المزيد من أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي.

وترى الدراسات العسكرية أن وجود بعض المدمرات من فئة “أرلي بيرك” من الجيل الأحدث في المسرح يمنح الولايات المتحدة قيمة مضافة من حيث مرونة المهمة والتكامل مع أجهزة الاستشعار الخارجية، فضلاً عن القدرة على استخدام أحدث جيل من الصواريخ الاعتراضية المضادة للصواريخ. مع الاشارة إلى وجود مقاتلات الجيل الخامس التي تمنح الطيارين الأميركيين القدرة على تنفيذ جميع مهام القوة الجوية الرئيسية (التفوق الجوي، والدعم الجوي القريب، والهجوم الاستراتيجي، والحرب الالكترونية، والاستطلاع، وجمع المعلومات الاستخباراتية وتوزيعها، وقمع الدفاعات الجوية للعدو وتدميرها) في الوقت نفسه مع المساهمة بصورة كبيرة في فهم الصورة الشاملة للتهديد.

من جهة أخرى، فعّلت واشنطن المبادرات الديبلوماسية غير المسبوقة التي تم تسليمها عبر قنوات موازية مثل سويسرا والأردن وقطر والمملكة العربية السعودية، التي أوصلت إلى ايران رسالة واضحة بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عن اسرائيل. ومع ذلك، لم تردع كل هذه التدابير الدفاعية البحتة طهران عن رغبتها في تنفيذ الرد على اسرائيل، لذلك يُجمع الديبلوماسيون الأميركيون على أن الولايات المتحدة بحاجة إلى إعادة النظر في استراتيجية الردع الخاصة بها، لأن طهران تحتاج إلى تحذير أكثر وضوحاً ورعباً لتفهم أن أي ردّ عسكري غير مألوف ستكون له عواقب وخيمة – بل وحتى وجودية – على النظام.

جورج حايك- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة