الحزب وإيران: التّسوية خيرٌ من الرّدّ… فهل يستغلّ العدوّ بعض الثغرات لتوجيه المزيد من الضربات القاسية؟
على الرغم من التحدّي الكبير لمحور الممانعة الذي شكّله اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران والقيادي في الحزب في ضاحية بيروت الجنوبية فؤاد شكر، فقد حرصت إيران والحزب على عدم الذهاب إلى ردّ فعل سريع على الاغتيالات واعتماد العقلانية الكاملة في الخطاب والغموض الشامل في توقيت الردّ وطبيعته.
الخطاب الذي ألقاه الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله في الاحتفال التأبيني لفؤاد شكر يوم الثلاثاء الماضي هو نموذج واضح للعقلانية والواقعية في خطاب الحزب بمواجهة الضغوط الكبيرة التي يتعرّض لها، سواء من داخل بيئته أو من القوى الداخلية والخارجية.
الذّبح بالقطنة
ليست الواقعية والعقلانية في مواجهة التحدّيات جديدتين في أداء الحزب منذ تأسيسه إلى اليوم. وكانتا من الأسباب الرئيسية في تحقيقه الإنجازات العسكرية والسياسية. فالحزب استفاد من التجربة الإيرانية في إدارة الصراعات القائمة على قاعدة حياكة السجّاد في إيران أو ما يسمّيه البعض باللهجة العاميّة: الذبح بالقطنة. وهي تعتمد على تحديد الأهداف الآنيّة والبعيدة والعمل على تحقيقها ضمن خطّة ممنهجة وواضحة ووفقاً لآليّات محدّدة.
منذ تأسيسه في ظروف سياسية وأمنيّة صعبة وضع الحزب لنفسه أهدافاً معيّنة مرحلية واستراتيجية. ومنها مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وبناء قاعدة شعبية متماسكة وقويّة ومواجهة أيّة قوّة داخلية أو خارجية تقف في وجهه. مع الحرص على التفرّغ للأهداف الكبرى.
هذا ما يفسّر قدرة الحزب على التكيّف مع كلّ المتغيّرات الداخلية وعدم الغرق في صراعات جانبية، والاستفادة من التجارب التي يخوضها كي يحافظ على قوّته وقدراته العسكرية واللوجستية والبشرية وبناء منظومة متكاملة من المؤسّسات والأجهزة والقدرات القادرة على إدارة الصراعات في مختلف الظروف.
“مراعاة المصلحة الوطنية…”
في ظلّ التحدّي الكبير الذي يواجهه الحزب اليوم منذ بدء معركة “طوفان الأقصى” وانخراطه الكامل في معركة الاستنزاف العسكرية وما واجهه من تحدّيات جديدة في الصراع مع العدوّ الصهيوني والحجم الكبير في الخسائر البشرية، تعيد قيادته دراسة طبيعة هذه المواجهة. وتحاول الجمع بين قدراته الذاتية والظروف الداخلية والخارجية التي تحيط به.
من يتابع خطابات السيد نصر الله خلال الأشهر الماضية التي تواكب معركة “طوفان الأقصى” يلحظ بوضوح استخدامه الدائم لعبارة “مراعاة المصلحة الوطنية أو الجبهة الداخلية وعدم الانجرار وراء الحرب الكبرى”.
اليوم وعلى الرغم من الضربة القاسية التي تلقّاها الحزب عبر اغتيال أحد أهمّ قياداته العسكرية والجهادية والاستراتجية، لم ينجرّ إلى ردّ فعل سريع وانفعالي. بل حرص على اعتماد الغموض في تحديد توقيت وطبيعة الردّ. وهذا ما حصل أيضاً مع القيادة الإيرانية التي اعتبرت أنّ اغتيال اسماعيل هنية على أراضيها يشكّل ضربة قاسية للأمن الإيراني والسيادة الإيرانية. لكنّها لم تلجأ إلى ردّ سريع وانفعالي وأعطت المجال للاتصالات واللقاءات والبحث عن تسوية معيّنة لوقف إطلاق النار في غزة دون التخلّي عن الحقّ بالردّ القويّ والحازم.
الهدف وقف إطلاق النّار
عندما يعلن السيد نصر الله في خطابه الأخير أنّ الهدف الآنيّ لمحور المقاومة “هو وقف إطلاق النار في قطاع غزة وليس إزالة الكيان الصهيوني”، فهذا يمثّل الواقعية والعقلانية في الخطاب. لأنّ السيد نصر الله وقيادة الحزب يدركان أنّ الوقت الحالي ليس الوقت المناسب لخوض المعركة الكبرى، وأنّ تحقيق وقف إطلاق النار في قطاع غزة يشكّل بحدّ ذاته انتصاراً لقوى الممانعة ويعطيها الفرصة لإعادة ترتيب أوضاعها مجدّداً.
لكن هل يعني ذلك التخلّي عن الردّ الحازم والمؤلم من قبل إيران والحزب؟ وهل حصول وقف إطلاق النار في غزة سيؤدّي إلى إلغاء الردّ؟
لا أحد يملك الجواب النهائي والحاسم. والمسؤولون في الحزب يؤكّدون استمرار التحضير للردّ، سواء من قبل الحزب أو إيران. وقد يكون عنصر المفاجأة في الردّ أحد أهمّ عناصر نجاحه.
فهل ينجح الحزب في سياسته أم يستغلّ العدوّ بعض الثغرات لتوجيه المزيد من الضربات القاسية له؟
قاسم قصير- اساس