ما حصل هو نتيجة أداء عون نفسه: زلزال “التيار” كرّس “القوات” الأولى مسيحياً!

ليس عادياً ما يحصل داخل “التيار الوطني الحر”، بل هو بمثابة زلزال سياسي أدى إلى تصدّعه نتيجة خروج ثلاث شخصيات رئيسية منه: آلان عون، سيمون أبي رميا والياس بو صعب، وهذا حتماً إنعكس على تكتل “لبنان القوي” الذي تراجع عدد نوابه إلى 17 نائباً بعدما كان يتألف من 20، وأكّد المؤكّد أن “القوات اللبنانية” كانت ولا تزال الأكثر تمثيلاً للمسيحيين، وتكتّلها النيابي “الجمهورية القوية” يستمر بتماسكه ويحافظ على عدد نوابه منذ الانتخابات النيابية عام 2022. وهذا له دلالاته وتأثيراته في المشهد السياسي اللبناني العام وما سيترتّب عليه من استحقاقات مقبلة.

ما حصل في “التيار” لم يكن مستغرباً، إنما توقيته فاجأ الكثيرين، لأن هؤلاء توقّعوا هذه التصدّعات في المرحلة التي ستعقب الرئيس السابق ميشال عون، معتبرين أن حضوره كفيل بإبقاء بناء “التيار” متماسكاً، لكن في الواقع، تمكّن رئيس “التيار” الحالي جبران باسيل، بسرعة قياسية، من هدم ما ورثه من عون، علماً أن بعض قياديي “التيار” السابقين يؤكّد أن “ما يحصل اليوم داخل التيار هو نتيجة أداء عون نفسه، إذ بادر إلى إتخاذ خيارات بعيدة عن ثوابت المسيحيين ووجدانهم التاريخي منذ عودته من منفاه الفرنسي، فهم كانوا دائماً مع الدولة الفعلية والدستور والحياد والسلاح الواحد والسيادة ونهائية الكيان والانتظام والمساواة والشراكة والعدالة، وقد صدمتهم خيارات عون بدءاً من تفاهم 6 شباط 2006 مع حزب الله، ثم توّجها بعهده الرئاسي الذي اتّسم بأداء كارثي، تخللته ثورة عليه وعلى حليفه حزب الله، ووقوع أكبر انفجار في تاريخ لبنان عام 2020 وانهيار اقتصادي وماليّ غير مسبوق”.

انكشف عون وباسيل اللذان كانا يتحكّمان بالسلطة بأنهما تاجرا بالشعارات، ويعتبر قياديو “التيار” السابقون أن “المسيحيين عاقبوا عون وباسيل في الانتخابات النيابية عام 2022، بعدما اكتشفوا زيف هذه الشعارات مثل التغيير والإصلاح، بحيث فشلا في كل الملفات وفي طليعتها الكهرباء، بل غرق باسيل في الفساد والتبعيّة وتبويس اللحى والصفقات، وكل ادعاءات عون أنه ضد الميليشيات، نسفها هو وباسيل في تحالفهما مع الحزب على حساب ثوابت المسيحيين”.

لائحة طويلة من الأسماء الأساسية في “التيار” أصبحت خارجه وأهمها: عصام أبو جمرا، نبيل نقولا، نعيم عون، أنطوان نصر الله، كمال يازجي، فادي أبو جمرا، طوني مخيبر، الراحل أنطوان الخوري حرب، رمزي كنج، زياد عبس، ماريو عون، زياد أسود، الياس بو صعب، سيمون أبي رميا وآلان عون. والمفارقة أن العامل المشترك ولسان حال هؤلاء جميعهم هما انتقاد أداء باسيل المدمّر لـ”التيار” الذي لا يقبل بالرأي الآخر، وقد تجاوز الخط الأحمر، إذ لم يكتفِ بممارسات الغائية لخصومه في الوسط المسيحي، إنما انقضّ على رفاقه وشركائه في المواجهة والنضال داخل “التيار”، علماً أن هؤلاء واكبوه في كل المراحل حتى في تفاهم 6 شباط 2006 وشاركوه في كل العناوين التي أوصلت البلد إلى هذه الحالة المأساوية، إلا أن ما يحصل حالياً أنهم رفضوا أن يلتزموا بتوجهاته ويخضعوا لأوامره وتقلباته السياسية يميناً ويساراً ليحقّق مصالحه السياسية الشخصية. وتشير إحدى هذه الشخصيات المذكورة أعلاه إلى أن “حقيقة ما يحصل أن باسيل يُحضّر لمرحلة ما بعد العماد ميشال عون، ويريد حوله فقط شخصيات تخضع لأوامره، بحيث لا تكون هناك حالات لا يقدر على أن يضبطها مثل الذين استقالوا مؤخراً، فهؤلاء يتقدّمون عليه بالنضال والخبرة والتجربة، لذلك فضّل أن يستبدلهم!”.

في المقابل، لا شك في أن “القوات” التي يعتبرها كثيرون المنافسة الأساسية التاريخية لـ”التيار” على الساحة المسيحية، مستفيدة من الوضعية الجديدة، واللافت أنها، عكس “التيار” تحافظ على تماسكها، ولم تشهد أي تصدعات داخلية سواء داخل “الحزب” أو في تكتلها النيابي، إلا أن أحد المسؤولين فيها يؤكّد أن “القوات” غير معنيّة بما يحصل داخل “التيار”، بل كانت متأكّدة منذ الانتخابات النيابية الأخيرة من أنها متقدّمة بالأصوات التفضيلية على “التيار” وبفارق شاسع، وربما ما حصل يؤكّد المؤكّد.

ويلفت المسؤول القواتي إلى أن القاعدة التي صوّتت لـ”القوات” صلبة، أما الأصوات التي نالها “التيار” فانكشفت عند أول خلاف بين باسيل و”الحزب” على خلفيّة الانتخابات الرئاسية، وأعلن “الحزب” آنذاك أنه قدّم لباسيل 5 نواب بأصوات شيعيّة من بيئته، وكل ما حصل يؤكّد مشروعيّة “القوات” المسيحيّة والوطنيّة، بحيث أنها لن تسمح بعد اليوم بأن تُستخدم البيئة المسيحية لتحقيق مشاريع خاصة على حساب الثوابت التاريخية للمسيحيين، وأن يأتي عون آخر أو باسيل آخر ليشكّل غطاء لوضعيّة انقلابية على حساب المسيحيين ما يؤدي إلى تقهقرهم على مستوى الدولة والحضور.

تصدّع “التيار” سيستمر، وهذا ليس سراً، وربما يؤدي ذلك إلى استقالات جديدة لنواب آخرين يتخبّطون في حالة من التململ والتردّد، وهذا ما يُكرّس “القوات” أكثر وأكثر في الصدارة المسيحيّة، بل ستكون في الواجهة في كل الاستحقاقات المقبلة، وهي تمارس هذا الدور على صعيد الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، وفي المعارضة وفي مواجهة مشروع “الحزب” منسجمة مع الخيارات التاريخية للمسيحيين، ولا يمكن حصول أي مشروع أو أي تسوية سياسية أو إعادة نظر بالنظام من دون التفاهم مع”القوات”، وهذا ما يعرفه الخصوم قبل الحلفاء.

ولا تبحث “القوات”، خلافاً لـ”تيار” باسيل عن مكتسبات طائفية أو شخصية، ولا تتحالف مع أحد من شركاء الوطن، لتحقّق مصالح فئوية، إنما تبحث عن حلول دائمة للبنان تنقله إلى الاستقرار والدولة الفعلية والشراكة وفق مبدأ المساواة.

جورج حايك- لبنان الكبير

مقالات ذات صلة