أوهام الجغرافيا الآمنة: هل فعلاً هناك مكان آمن في لبنان في حال شنت اسرائيل حرباً على البلد؟

في كل مرة تهدد اسرائيل بحرب على لبنان، أو تشنّها عليه، يُفترض اللبنانيون أن بعض المناطق في منأى عن الاستهداف. لذلك أسبابه السياسية التي يتداخل فيها الانتماء إلى محاور، وأوهام الجغرافيا الآمنة والتضامن الملتبس، والحياد المأمول، حتى يكاد يبدو أن في البلد أكثر من “لبنان واحد”. فالحرب تترك بصماتها على مناطق معينة، بينما تظل مناطق أخرى كملاذات آمنة بعيدًا عن ألسنة النيران.

في حرب 2006، توزّع اللبنانيون إلى مناطق صنفت أنها بعيدة عن نطاق القصف، وهذه الجغرافيا الافتراضية لم تختفِ، بل ما زالت راسخة في أذهان الناس. يظن بعض اللبنانيين أن المناطق المسيحية أو المناطق الدرزية، وحتى مناطق السنّة، آمنة ولن تشهد المخاطر نفسها التي تجتاح المناطق الشيعية التي تعتبر حاضنة لحزب الله. يتناسون أن إسرائيل لم تستثنِ الكثير من المناطق سواء في المتن الشمالي أو حتى في عمق كسروان حين دمرت الجسور وقتلت في فتقا مدير محطة الإرسال التابعة للمؤسسة اللبنانية للإرسال (LBC).

السياسة اولاً
منذ أن بدأت المعارك بين إسرائيل وحزب الله في 8 تشرين الأول في الجنوب، أعاد التوتر على الحدود اللبنانية الإسرائيلية مخاوف اللبنانيين، خصوصاً سكان المناطق الحدودية والضاحية الجنوبية من اندلاع حرب شاملة.

بحسب ما تتابعه الباحثة في العلوم الاجتماعية، سناء كيّال، تقول لـ”المدن” إن “اللبنانيين عبر التاريخ يقفون جنبًا إلى جنب إذا لم يكونوا منقسمين سياسيًا. السياسة تلعب دورًا مهمًا جدًا”. وأشارت إلى موقف الحزب التقدمي الاشتراكي في الوقوف ضد إسرائيل، مؤكدة أن الجميع أصبح مستعدًا للتوجه إلى الجبل، وأن أهالي الجبل مستعدون لاستقبالهم، مما يشير إلى أن الموقف السياسي هو الذي خلق هذه الألفة”.

وأضافت كيال، “إن توحيد رؤساء الأحزاب للشعب يمكن أن يجعله يقف جنبًا إلى جنب، أما إذا كانوا منقسمين سياسيًا، فإن ذلك لن يحدث. على سبيل المثال، أهالي الجنوب لا يتجهون إلى من وقف ضدهم سياسيًا، بل يفضلون التوجه إلى بيئة حاضنة. وفي الوقت نفسه، البيئة التي تدعمهم سياسيًا تعلن استعدادها لاستقبالهم وترحب بهم”.

مناطق آمنة وأخرى خطرة؟
بعد غارة حارة حريك ومقتل فؤاد شكر، وتصاعد التوتر عقب خطاب نصرالله، الذي أكد فيه أن الرد آتٍ سادت حالة من الترقب في لبنان عمومًا وفي الضاحية الجنوبية بشكل خاص. واختار بعض الناس الانتقال إلى أماكن أخرى فيما بقيت أعداد كبيرة من المواطنين صامدة.

في حديث مع رئيس اتحاد بلديات الضاحية، محمد درغام، أصر على أن الوضع في الضاحية طبيعي للغاية. وقال لـ”المدن”: “صحيح أن بعض الناس غادروا، لكن النسبة ضئيلة جدًا مقارنة بعدد سكان الضاحية. جميع المحال التجارية مفتوحة، والجميع يعمل بشكل طبيعي”.

في الإطار نفسه، تقول نسرين، التي فضلت عدم ذكر اسمها الكامل، وهي أرملة وأم لولدين، إنها تبحث عن شقة بعيدًا عن الضاحية، في بعبدا، الحازمية، برمانا أو أي منطقة أخرى. لكنها تواجه صعوبة في العثور على شقة، إذ إما أن تكون غير متوفرة أو أن الإيجارات مرتفعة للغاية. وتعبّر عن مخاوفها بقولها: “أنا خائفة جدًا على أولادي، وأفضل عدم البقاء هنا، لكن الأمور ليست بهذه السهولة”.

في المقابل، يصرح رئيس بلدية ذوق مصبح، عبدو الحاج، قائلاً: “أهالي الذوق ليسوا متخوفين، ويعتبرون المنطقة هنا آمنة لأنها بعيدة عن بيروت. الخوف يقتصر على بضع دقائق عند خرق الطيران لجدار الصوت، ولكن الأمور سرعان ما تعود إلى طبيعتها”. وأضاف: “الذوق منطقة تجارية والحركة فيها طبيعية جدًا، حيث تواصل المشاريع البحرية والمطاعم والشاليهات عملها كالمعتاد”.

وعند سؤاله عن حركة الإيجارات، أكد الحاج أن المنطقة مكتظة أساساً، ولا توجد الكثير من العقارات للإيجار، مشيرًا إلى أنه لا يوجد أي شيء غير اعتيادي فيما يتعلق بالنزوح.
في السياق عينه، يقول جوزيف شعار، الأربعيني المقيم في ذوق مصبح، “أنا شخصيًا بيتي مفتوح لأي شخص، مهما كان مذهبه”. وعند سؤاله عن الوضع العام في المنطقة، أكد أن “الحال يشبه أيام حرب 2006، حيث النعرات موجودة والرفض لاستقبال المتضررين شائع”. لكنه أشار إلى وجود كثير من الأشخاص المستعدين لاستقبال المهجرين. وأضاف لـ”المدن” أن “الخوف في المحيط يتزايد بسبب وجود السوريين، مما يثير استياء السكان بشأن قدرة المنطقة على استيعاب الجميع والخوف من التمركز في المنطقة وعدم عودتهم إلى مناطقهم”.

في الطريق الجديدة، حيث الغالبية السنية، يؤكد المختار أحمد الصيداني أن “أهالي الطريق الجديدة متخوفون من الحرب، حيث أصبحت شبه خالية بنسبة 50% مقارنة بالأيام العادية، وحركة التجارة معدومة. وأضاف أن “كل يوم يأتيني عشرات الأشخاص لطلب جوازات السفر”. ويختم: “لا يوجد نازحون حاليًا في المنطقة”.

يقول أكرم القاضي، الأربعيني وابن طريق الجديدة وأحد أصحاب المصالح فيها: “الجو بشكل عام في طريق الجديدة داعم للمقاومة، والبيوت جاهزة لاستقبال النازحين كما حصل في 2006”. ويضيف: “صحيح أن الغالبية هنا سنية، لكن هناك الكثير من الإخوان الشيعة الذين يملكون بيوتًا وأملاكًا في المنطقة، والعلاقات معهم جيدة جدًا. لا يخلو الأمر من شخص أو شخصين لا يرحبون، لكنهم يمثلون أنفسهم وليس المنطقة كلها”.

أما عن مناطق الشوف والجبل، فأكد مروان، الذي فضل عدم ذكر اسمه الكامل وهو من بيصور، أن “الوضع مستقر هنا، لكن الناس جميعها متخوفة من الأوضاع وعلى حذر. بالنسبة لنا، وليد بيك لديه رؤية ويعرف كيفية التصرف أفضل منا، ونحن نؤيد مطلبه بتجهيز بيوتنا وفتحها للنازحين”. وأشار قائلاً: “أنا لا أستطيع التحدث باسم الجميع، لكن بشكل عام هناك الكثيرون هنا يؤيدون هذا الموقف”. وأضاف: “نحن كأبناء بلد واحد، يجب علينا أن نقف جميعًا يدًا واحدة في الظروف الصعبة كي نستطيع حماية البلد والمحافظة عليه”.
ختم قائلاً: “هناك أشخاص استأجروا بيوتًا، لكن الأعداد ما زالت قليلة. مؤخرًا، أتى الكثيرون للسؤال عن الإيجارات، وكل شخص حر في ملكه، سواء أراد التأجير أو لا”.

الامان المفقود
لا شك أن اللبنانيين يبحثون عن مساحات آمنة تقيهم العدوان الإسرائيلي، لكن السؤال هل فعلاً هناك مكان آمن في لبنان في حال شنت اسرائيل حرباً على البلد؟ ماذا عن احتمال ملاحقة الإسرائيليين لكوادر حزب الله وقياداته في أي مكان؟
فتهديدات الإسرائيليين توحي بأنه لا توجد منطقة آمنة في لبنان في حال اندلاع حرب شاملة، لأن أي مسؤول في الحزب قد يتواجد في أي منطقة، ما يجعلها هدفًا محتملاً. والإسرائيليون يرون أن حزب الله متوسع في المناطق المسيحية والسنية، ولديه مراكز فيها مما يزيد من حالة الخوف في تلك المناطق أيضًا.

ولا يتردد الإسرائيليون في التأكيد أنه إذا اندلعت حرب شاملة، لن يكون هناك مناطق آمنة، لأن لبنان بأكمله سيكون داخل الصراع.

المدن

مقالات ذات صلة