“التيار الوطني الحر” يتحضر للحرب… وما بعدها!

يقارب “التيار الوطني الحر” جملة التطورات والأحداث الحالية بكثير من القلق. بعضه يجاهر به وبعضه يحتفظ به لنفسه بينما يسر به رئيسه جبران باسيل في الأروقة المغلقة، ويصارح به القائد المؤسس الرئيس ميشال عون دائرته الضيقة.

فالأمور مفتوحة على احتمالات عدة ليست الحرب الكبرى سوى إحداها مع كل ما يمكن ان تجلبه من وبال على لبنان وشرائحه الاجتماعية وسط الأزمة الاقتصادية الأكبر منذ ما قبل نشوئه العام 1920.

كان عون وباسيل والتيار صريحين برفض وحدة الساحات وتوريط لبنان بحرب غزة، لكنهم كانوا واضحين ايضا بأن لا جدال في مسالة العداء لإسرائيل والدفاع عن لبنان أمام الاعتداء.

واليوم شرع التيار في ورشة كبرى إستعاد معها ايام حرب تموز 2006 حين شكل التيار احد اعمدة مؤازرة الجنوبيين في تهجيرهم خلال الحرب. فالاختلاف مع “حزب الله” حول الشراكة الوطنية وحفظ الحقوق المسيحية لا يتصل بالموقف الوطني في الحرب وبالاستراتيجية الكبرى وخاصة بالموضوع الانساني.

لذا جهز التياريون العدة لمواجهة مخاطر الحرب من قتل وتهجير ولكل التداعيات ويلفت قيادون فيه إلى التحسب لأي طارىء فثمة في الافق مخاطر كبرى يجب الحذر منها والتصدي لها.

إلى جانب الموضوع الميداني لاستقبال موجات التهجير وعلى ضفة الموقف السياسي الداعم ضد اي عدوان، ثمة حركة قام بها باسيل وسيتابعها انطلاقا من قناعة التيار بأنه القادر على الكلام مع كل الأطراف متمسكا بسقف التفاهم الوطني عنوانا لحركته السياسية على حد تعبير متابعين لمواقفه. وهم يعيدون التذكير بما كرسته الورقة السياسية التي ألقيت في مؤتمر 14 اذار والتي بنى عليها ومكنته من الالتقاء والتقاطع مع اطراف يملكون التقدير نفسه.

هل بات التيار في الوسط؟

لا يحب التياريون التصنيفات ويرونها متحركة، لكنهم لا ينفون التموضوع الحالي بين الأفرقاء المعطلين للرئاسة، سواء من يتمسكون بسليمان فرنجية للرئاسة أو من يرفضون الحوار بالمطلق من أساطين المعارضة.

وهو بذلك بات في الملعب نفسه مع “الحزب التقدمي الإشتراكي” الذي يشترك معه برؤية رئاسية بناءة، وبعض النواب المستقلين و”تكتل الإعتدال الوطني”، لمحاولة اجتراح حل للرئاسة بمعزل عن الحرب (وهو أمر بالغ الصعوبة اليوم) يتساعد مع الإرادة الخارجية عندما تتوفر، بهدف تشكيل أرضية ملائمة لهذا الخارج للبناء على التقاطع اللبناني الداخلي.

على ان العلاقة مع “حزب الله” لم تتحسن عما كانت عليه منذ تمايز التيار عن الحزب، لكن الأخير يثمن مواقف التيار في ظرف كالذي نعيشه اليوم. مع علمه بتمسك التيار باحترام الشراكة أي حضور المكون المسيحي كخطوة على طريق التوافق اللبناني لاحقا للتأسيس لخارطة طريق رئاسية تضمن الانسجام مع حكومة مقبلة لانتشال لبنان من ازمته الكبرى.

يشير متابعون لمواقف التيار إلى ايجابية كبرى حققها التقارب مع الرئيس نبيه بري سيما في موضوع الاتفاق على مرشح رئاسي خارج اصطفافي فرنجية وجهاد أزعور. لكن المشكلة تتمثل في ان اقطاب المعارضة، بما فيهم “القوات اللبنانية”، لا يريدون رئيسا اليوم وهم بذلك يخدمون الثنائية الشيعية في موضوع الفرض الرئاسي بدلا من تشكيل بديل للحل.

وبعد استيعاب موجة التراجع التي تعرض لها خاصة بعد حدث 17 تشرين الذي لا ينفي تياريون عنه صفة الانتفاضة الشعبية التي عادت وسرقت، فإن التيار يرى بأن شرائح مسيحية بدأت تلمس حقيقة ما طالب به منذ زمن وانسجامه مع ادائه في مقابل من وعد ولم يفعل بعد تنصيب نفسه متكلما باسم انتفاضة 17 تشرين حتى باتت شعاراته جوفاء.

من الطبيعي بأن المقصود زعيم “القوات اللبنانية” سمير جعجع ومن معه من حلفاء ممن يرفضون التقارب وأية وساطة حتى لو كانت بكركي بغطاء فاتيكاني، والتي تحسنت علاقة التيار معها بدرجة كبيرة بعد تأييد وثيقة بكركي مع شرط تحولها إلى وثيقة وطنية بالشراكة مع المسلمين.

وفي موضوع المسلمين تحديدا شرع باسيل في جولات ولقاءات شمالية وجنوبية قربت وجهات النظر مع بعض الشارع السني سيبني عليها لاحقا لكسر حواجز قامت أمامه بعد 17 تشرين، ومن هنا كانت حركة التياريين لتوضيح مواقف التيار في الداخل وتقديمها إلى الخارج.

منع الفوضى الداخلية

في خضم كل ذلك جاء تمتين البيت الداخلي.

وينقل متابعون لمواقف التيار رفض باسيل والتيار وصف ما حصل من فصل لقياديين بأنه وجه ضد حركة اعتراضية. كانت محاولة تفلت علنية مؤذية لصورة التيار في ظرف استثنائي وبتقاطع مع جهات سياسية وإعلامية داخلية، ووجبت مواجهتها بغطاء من قدامي المناضلين وعلى رأسهم الرئيس المؤسس عون نفسه وغيره من الرعي الأول لمنع التفلت وتحويله الى كرة ثلج متدحرجة. واليوم باتت الكرة في ملعب المعارضين الآخرين.

التعايش والإستراتيجية الدفاعية

على أن العين تبقى على مستقبل الوطن الكيان الهش وسط سؤال كبير: كيف ستتعايش ظاهرة “حزب الله” كما هي اليوم مع المخاوف الوجودية للمسيحيين؟

لعل الإجابة بالغة الصعوبة، لكن التيار يبني أقله على تراجع التشنج الطائفي الذي ينقل المتابعون عن قياديي التيار مساهمتهم فيه بالتقاطع مع الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط الذي وضع الخلافات مع الحزب جانبا، وقادة سنة بنوا على التعاطف الطبيعي لتلك الطائفة مع قضية فلسطين.

لكن هل تكفي هنا رؤية التيار التقليدية بحوار حول السلاح لتشكيل توافق وطني في موضوع الإستراتيجة الدفاعية حيث ينضوي سلاح الحزب الذي يُستفاد من مكامن قوته في إمرة الدولة علما بأن التيار يُقر بتجاوز ظاهرة الحزب لتلك الدولة؟

عمار نعمه- اللواء

مقالات ذات صلة