إنها…”لعبة الأمم” على “أرض العرب”!

باختصار، وبدون كفوف.. واضح جداً للمُراقب أنّنا في زمن تشابك وتلاقي وتضارب المصالح والمشاريع على “أرض العرب” في هذه المرحلة، بين الدول والحكومات وحتى الشعوب والمكوّنات على أرض هذه القرية الكونية.

يتميّز المشهد على أرض العرب بامتزاج المصالح الاقتصادية مع النفوذ والقيم والثقافات وحتى التاريخ والحقوق والفكر والحضارات، وقد تصبح عملية الاستقرار وحسن اتخاذ الموقف السليم والرأي السديد أكثر صعوبة.

في هذه العُجالة نلقي الضوء على نقطتين:

1- “ميكانيزم” وأساليب تعاطي مختلف المتصارعين والأطراف المنافسين على أرض العرب.

2- محاولة رسم إطار مشهدية المعطيات والواقع لما هو عليه حال الدول العربية في صراعها مع الآخرين.. كل الآخرين.

*مَنْ يتدبّر مفاهيم وآليات التعاطي عند أطراف النفوذ والمصالح يرى التالي: هناك التضليل والدجل والوجل وندرة المعلومة الدقيقة حول مختلف التطوّرات والأحداث الجارية، يرافق كل ذلك توظيف العلم والتكنولوجيا والإعلام في سبيل نشر الشر والفساد وإبادة منهجية للحقوق والإنسان معاً ويرافق ذلك أيضاً التجهيل وطغيان شهوة السلطة والمال وغلو الخبث والمكر الإقليمي والدولي.

*مشهد العرب في هذه الأزمة التي تمر بها المنطقة حالياً بعد “7 أكتوبر” من خلال إلقاء نظرة سريعة ومقتضبة وتحديداً في ما يتعلق بالمسألة الفلسطينية، ترى التالي:

– الدول العربية ليس في حساباتها واستراتيجيتها الحرب مع إسرائيل إطلاقاً، اعتماداً على ما تسميه “مبادرة السلام مقابل الأرض” التي أعلنت في بيروت عام 2001″.

– الشعوب والنخب العربية مغيبة وغائبة وملتهبة لأسباب ومسائل عديدة، وبالتالي لا دور لها في صناعة القرار.

– مصر والأردن مكبلتان باتفاقيات السلام مع العدو، ودورهما لا أثر له في ما يجري حالياً.

– دول الخليج في حالة ابتعاد وتروٍّ وحذر وترقّب تجاه التطوّرات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وأيضا أولوياتها هي استقرار وأمن مجتمعاتها، كما لديها عدة هواجس وأخطار وتحديات إقليمية ودولية، وحتى محلية تواجهها، ناهيك عن قطعها أشواطاُ في التطبيع مع إسرائيل، مع الاشارة هنا إلى أن عقلية صانعي القرار في هذه الدول تختلف كثيراً عن نظرائهم السابقين.

– سوريا والعراق (بالمعنى الرمزي والاستراتيجي “هما ع الأرض”) حيث المشهد في سوريا والعراق ساطع لكل مراقب موضوعي، بعد رحيل صدام حسين (2003) وبعد تداعيات الأزمة السورية الهائلة والعديدة على موقع ودور دمشق الإقليمي.

– عمليا العرب كلهم “ع الأرض”، شعوباً وحكوماتٍ ونُخب، اقتصادياً وعسكرياً وإرادياً، وأصلاً ليس هناك مشروع عربي استراتيجي، مع غياب دور وفعالية جامعة الدول العربية.

عليه، بإمكاننا القول إن هذه اللحظة تاريخية بامتياز، وهي – طبعاً – لغير صالح العرب، وأعتقد أنّ إسرائيل قرأت المشهد “صح” عندما واصلت أكثر بشكل جنوني في حرب غزّة، وهي المدعومة دعماً مفتوحاً وهائلاً من قِبل الغرب وأميركا تحديداً، وما اغتيالها لـ إسماعيل هنية وفؤاد شكر إلا أكبر دليل على مستوى نفوذها الاستراتيجي في المنطقة؛ وهذه الاغتيالات سبقها اغتيال العاروري في بيروت منذ أشهر، حيث تدرك إسرائيل أنّ هذه فرصتها الذهبية لإكمال سيطرتها ونفوذها الجيوسياسي في المنطقة، والتي يرى البعض أنّ طموحها هو أنْ تكون المشارك الأساسي مع الغرب في النظام الأمني الإقليمي في الشرق الأوسط. وطبعاً لديها مشاريعها تجاه فلسطين الداخل “لن توافق على مشروع الدولتين”.

من هذه النقطة تحديداً قد يأتي تباينها مع واشنطن، والعرب “للأسف” مركونون على جنب لأسباب عديدة، وعاجزون كلياً عن أي فعل أو حتى رد فعل، أما إسرائيل فتراهن وتستغل أهميتها على خريطة واستراتيجية واشنطن الأمنية في المنطقة، وهي تلعب على وتر هذا الأمر الحسّاس وكثيراً ما تحاول استدراج واشنطن إلى أرض المعركة عسكرياً وأمنياً.
.
من جهتها، تحاول طهران وتكافح لإبقاء دورها فعّالاً على مستوى الإقليم، حيث تدرك تماماً أهمية هذه المنطقة في طموحاتها الإقليمية وتدرك أيضاً حيوية وأهمية هذه المنطقة في استراتيجيات واشنطن، وقد اعتمدت طهران عدة آليات وأفكار وأساليب للحفاظ على دورها، ورغم الصعوبات، فهي حافظت على التواصل والتفاوض مع واشنطن بملفات المنطقة إضافة إلى الملف النووي، وكأنّها تلمّح لأميركا عن قدرتها وخبرتها في إدارة ومهام مختلفة تتعلق بأمن وقضايا منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى حرصها وإصرارها على تعزيز نفوذها في عدّة دول عربية طوال العقدين الماضيين، مع تأكيد أهمية “اتفاق بكين” مع الرياض.

هنا، نطرح السؤال الكبير: هل دخلت إسرائيل في “جيل جديد” من صراعها مع العرب، وما هي أدوات هذا الجيل؟ وخصوصا مع التقدم الهائل في التكنولوجيا العسكرية لديها، ناهيك عن قدرة اختراقها الأمني العجيب والهائل في المنطقة العربية والشرق أوسطية عموما؟!، للأسف وباستشراف متواضع أرى أن “القصة طويلة” مع تل أبيب وتمتد لمدة عقود لا يعرف مداها إلا الله تعالى. الصراع طويل ومعقد ومتشابك، ويبقى التمنّي والدعاء أن ينجح المعنيون في بلاد العرب وخصوصاً في لبنان وسوريا والعراق بالحفاظ على متانة التماساك المجتمعي الداخلي وعدم الدخول في الفتن والفوضى.

وختاماً، يرى البعض أن حركة “حماس” تحديداً مع “حزب الله” والمكوّن السني في لبنان خصوصاً قد وصلوا إلى لحظة الحقيقة، ولا بد لهم جميعاً من مراجعات موضوعية وعقلانية شاملة وجادة لكافة المسائل في هذه اللحظة التاريخية التي تمر بها المنطقة العربية عموماً، والمسألة الفلسطينية خصوصاً، وذلك باعتماد التقييم الموضوعي والمسؤول، ووضع المصلحة العليا لشعوب المنطقة في رأس الأولويات وعدم تأثرها بالمصالح الدولية والإقليمية.

الكاتب السياسي علي الشاهين

مقالات ذات صلة