ما تخطط له إيران أبعد من رد فعل: إليكم هذا التقرير الخطير!
من المتوقع أن توجّه ايران و”حزب الله” ضربة الى إسرائيل بين ليلة وضحاها، رداً على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” اسماعيل هنية في طهران والقائد العسكري فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية، لكن هذا الرد، مهما كان حجمه، لن يؤخّر اسرائيل عن مواصلة هجومها على “حماس” ومحور الممانعة، بل يمكن أن تردّ الصاع صاعين بضربة غير مسبوقة لإيران وفصائل محورها في المنطقة.
لكن يبدو أن ايران “البراغماتية” تعلم أن اسرائيل والولايات المتحدة يمكنهما أن ينالا منها بالضربة القاضية في أيّ مواجهة مقبلة، لذلك تعتمد النفس الطويل وتسجيل النقاط الاستراتيجية بدلاً من المواجهة المباشرة الخاسرة حتماً بالنسبة إليها.
وقد تداعى بعض الخبراء من قدامى العسكريين الأميركيين العاملين في أحد مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة، للبحث في ما تُخطط له إيران معتمدين على معلومات خاصة، وقد تمكنّا من الحصول على التقرير الذين خرجوا به بعد مداولات عديدة في ما يخص هذا الموضوع الشائك.
لا يعوّل هؤلاء الخبراء على الرد الذين تهدد به إيران الحكومة الاسرائيلية، معتبرين أن جزءاً منه ليس سوى حرب نفسيّة، تُستخدم لجعل اسرائيل في حالة قلق وعدم استقرار، وتعلم ايران وحلفاؤها أن أي ضربة مؤذية لاسرائيل سيكون الرد عليها بحرب كبيرة ينتظرها رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو بفارغ الصبر، وستؤدي إلى انخراط أميركا في الصراع على نحو واسع، سيخرج منه محور الممانعة خاسراً ومنكسراً لا محالة. وربما ستشهد منطقة الشرق الأوسط سلسلة ضربات متبادلة موجعة بين اسرائيل ومحور الممانعة، على طريقة عض الأصابع أو من يصرخ أولاً!
لكن الأكثر خطورة هو ما تُخطط له إيران على المدى البعيد، وفق هؤلاء الخبراء، الذين يعتبرون أنها تنكب على البحث عن نقاط ضعف اسرائيل في هذه الحرب، وستعتمد أكثر وأكثر على ميليشياتها في المنطقة لزعزعة أمنها بدلاً من مواجهتها مباشرة. فالايرانيون يعرفون أن اسرائيل تتفوّق تكنولوجياً عليهم، وأي حرب علنية مباشرة قد تجذب الولايات المتحدة الأميركية للإصطفاف إلى جانب اسرائيل، وهذا ما يرغب القادة الايرانيون في تجنبه. لذلك يُركّز النظام الإيراني على فصائلة المسلّحة سواء في لبنان أو غزة أو اليمن أو العراق لتعطيل النظام السياسي والاجتماعي الاسرائيلي من دون إشعال فتيل حرب شاملة بين إيران وإسرائيل. وخلفيّة هذا التفكير أن زعزعة استقرار إسرائيل من شأنه أن يدفع المواطنين اليهود إلى الفرار منها وإنهاء القدرة على البقاء على المدى الطويل للدولة اليهودية. وقد بدأ كبار المسؤولين الايرانيين بمناقشة هذه الأفكار بمزيد من التحديد أكثر من أي وقت مضى.
من الواضح أن تنفيذ مخطط ايران يحتاج إلى سنوات عدة، لذلك هي تعمل وفق استراتيجيّة طويلة الأمد، ولا تنقصها المبررات الايديولوجية للإستثمار في هذا المخطط الذي لا يمكن تحقيقه على الفور.
ويعتبر الخبراء العسكريون الأميركيون أن هناك توجّهاً لدى إيران لاستخدام الهجمات البريّة لفصائلها التي تحاصر اسرائيل من لبنان وغزة، وهذا ما سيعتبر تطوراً جديداً في شكل الصراع في المستقبل، وما يُشجّعها على ذلك هو عملية “طوفان الأقصى” التي قامت بها “كتائب القسّام” في 7 تشرين الأول 2023، وقد تمكّنت من اختراق غلاف غزة وقتل 1200 مواطن اسرائيلي مدنيين وعسكريين. وبرزت هذه الفكرة للمرة الأولى، عندما قدّم قائد الحرس الثوري الايراني اللواء حسين سلامي، نسخته الخاصة لمكتب المرشد الأعلى الايراني علي خامنيئي في آب 2022. وقضى مخطط سلامي بقيام “حزب الله” والميليشيات الفلسطينية المدعومة من إيران بشن حملات برية مطوّلة من جبهات متعددة إلى إسرائيل، موضحاً أن هذه القوات البرية ضرورية لتحرير الأراضي ويمكنها التقدم إلى إسرائيل تدريجياً، مستنتجاً أن مثل هذه الضغوط من شأنها أن تعطل النظام السياسي والاجتماعي الاسرائيلي وتؤدي إلى نزوح واسع النطاق للمدنيين، من دون الحاجة إلى مواجهة مباشرة مع الجيش الاسرائيلي.
وبعد درس الخبراء الأميركيين استراتيجية ايران التي بدأت العمل بها منذ 7 تشرين الأول 2023، ارتأت أن محور المقاومة يمكن أن يدمر الدولة الاسرائيلية من خلال شن هجمات مفاجئة من لبنان وقطاع غزة والضفة الغربية في وقت واحد. وتشير المعلومات التي توافرت للخبراء الى أن إيران تعتمد على 10 آلاف مقاتل من لبنان، و10 آلاف مقاتل من قطاع غزة، و2000-3000 من الضفة الغربية.
أما النقطة الثانية الأكثر جدلاً في المخطط الايراني الذي يعمل العسكريون الايرانيون على تطويره، فتقضي بمهاجمة المصالح التجارية الاسرائيلية لتعطيل الاقتصاد. فقد حاولت إيران ومحور المقاومة التابع لها فرض حصار اقتصادي غير رسمي على إسرائيل طوال الحرب لإجبارها على قبول الهزيمة في قطاع غزة. وهذا ما أشار إليه خامنئي عندما دعا إلى هذا الحصار لأول مرة في تشرين الثاني 2023، مؤكداً أن “مسارات صادرات النفط والأغذية إلى النظام الصهيوني يجب أن تُغلق”. ومنذ ذلك الحين، هاجم محور المقاومة البنية التحتية الاسرائيلية والتجارة الدولية وهددها. وتولى الحوثيون شنّ الهجمات على الشحن الدولي حول خليج عدن والبحر الأحمر. وقد تسببت هجماتهم في ارتفاع أسعار الشحن الدولية وخفض النشاط التجاري بشدة في ميناء إيلات الاسرائيلي. فيما حاولت إسرائيل التعويض عن هذا النشاط المتراجع من خلال زيادة التجارة البرية عبر الأردن إلى الخليج، ويعمل محور الممانعة للتركيز على تعطيل هذه الطرق البرية منذ نيسان الماضي. وقد هددت الميليشيات المدعومة من إيران في ذلك الوقت بأنها ستنشئ ميليشيا بالوكالة في الأردن وتسلّحها لقطع وصول إسرائيل إلى دول الخليج. وهناك نشاط عسكري من العراق والبحرين في استهداف الشركات والمواقع المرتبطة بالتجارة البرية الاسرائيلية.
والنقطة الثالثة في المخطط العسكري الايراني هي توسيع نطاق الوصول العسكري إلى البحر الأبيض المتوسط، لاستكمال محاولة حصار إسرائيل. ويعتمد الخبراء العسكريون الأميركيون في هذا التحليل على ما أعرب عنه ضابط كبير في الحرس الثوري الايراني العميد محمد رضا نقدي، في كانون الأول 2023، بأن محور الممانعة قد يستهدف ذات يوم حركة الملاحة البحرية حول البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق، وهذا يعكس اهتماماً إيرانياً متزايداً بالبحر الأبيض المتوسط بينما تقود طهران جهداً لعزل إسرائيل اقتصادياً.
يستنتج الخبراء العسكريون أن المسؤولين الايرانيين على مستويات متعددة يبغون استخدام هذا المزيج من الحملات البرية والضغوط الاقتصادية لانهيار إسرائيل – ربما على مدى سنوات عديدة وليس فجأة. ويخلص هؤلاء الخبراء إلى أنه لا يُمكن تجاهل طموحات إيران المعلنة لترسيخ وجودها عسكرياً حول محيط إسرائيل في الأردن ولبنان وسوريا فضلاً عن قطاع غزة والضفة الغربية، وهي تسخى في تقديم أنظمة طائرات مسيّرة وصواريخ أكثر تقدماً لحلفائها بهدف تهديد المصالح التجارية الاسرائيلية. وهذه الخطط التي تطورها إيران تشكّل تحديات خطيرة ليس لإسرائيل وحسب، ولكن أيضاً للولايات المتحدة. إذ تعكس جرأة وعدوانية واستعداداً لمواجهة المصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.
في المقابل، لم يكشف الخبراء العسكريون الأميركيون عما يُمكن أن تفعله اسرائيل والولايات المتحدة استباقياً لمواجهة المخططات الايرانية الطموحة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وهما تعلمان أن تجاهل هذا التحدي سيسلّم زمام المبادرة لإيران ومحور الممانعة.
جورج حايك- لبنان الكبير