تجاوز كبير وحادّ للقواعد: المقاومة لن تسمح بفرض سابقة يعمد العدوّ إلى تكرارها

يهدف الاعتداء الذي شنّه العدوّ الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية، أمس، الى تغيير المعادلات التي تحكم حركة الميدان حتى الآن. ويستند في ذلك الى دعم أميركي صريح ومباشر لهذا الخيار، وإلى إدراكه بأن حزب الله غير معنيّ بنشوب حرب واسعة، حتى لو كان قادراً على إلحاق دمار كبير بالعمق الاستراتيجي الإسرائيلي، ولكون الضربة التي وجّهتها محدودة وموضعية.يشكل هذا الاعتداء ارتقاءً نوعياً في السياسة العدوانية الإسرائيلية بعد فشل الخيارات والرهانات السابقة في ردع حزب الله، وفي تفكيك جبهة لبنان المساندة عن جبهة غزة، وفي إنتاج بيئة عملياتية توفر الأمن للشمال وللمستوطنين. وتعزَّز هذا التوجّه لدى العدوّ مع التطورات السياسية والميدانية في قطاع غزة التي حفَّزته أيضاً من أجل نقل جزء رئيسي من جهوده العدوانية باتجاه لبنان.

قبل هذه المحطة، كانت المعطيات والمؤشرات تشير إلى أن العدوّ يُمهِّد لارتقاء نوعي ما في اتجاه لبنان. فإلى جانب المسار العملياتي التصاعدي، توالت المواقف خلال الأسابيع الماضية حول قرب الانتقال الى المرحلة التالية مع حزب الله، على لسان رئيس أركان جيش العدو هرتسي هليفي، مع إبلاغ المنظومة الأمنية للقيادة السياسية استكمال الاستعدادات في مواجهة لبنان، إضافة الى عدد من التقارير والمواقف التي تحدّد موعد الأول من أيلول باعتباره محطة استحقاق رئيسية بالنسبة إلى إسرائيل.
في كل الأحوال، العدوان الذي شنّه العدوّ في حارة حريك، أمس، شكّل تجاوزاً كبيراً وحادّاً للقواعد التي تحكم حركة الميدان وتضبطها. فهو استهداف للضاحية التي ظلَّلتها معادلة الردع منذ ما بعد حرب 2006، كما أدى هذا الاعتداء الى سقوط إصابات في صفوف المدنيين، إضافة الى كونه استهدف قيادياً كبيراً في حزب الله، بحسب ما أعلنت التقارير الإسرائيلية.

في المقابل، يمكن تقدير بعض ملامح الخيار الذي سينتهجه حزب الله، وهو أن أيّ اعتداء سيُقابله رد حتمي، مهما كان مستوى التهويل والعروض والوساطات في هذا المجال. وليس في فكر حزب الله ونهجه ما يسمح بفرض سابقة تُشجع العدو على تكرارها في محطات لاحقة، وقد تنطوي على رسالة خاطئة تورط العدو والمنطقة في خيارات عدوانية واسعة.

كلّ من يطّلع على تجارب حزب الله في المنعطفات الحساسة، يدرك حقيقة أن قرار رد حزب الله وحجمه وأهدافه تحدده قيادة المقاومة. ولن يكون هناك أيّ أثر للوساطات ولا للوفود والرسائل التي توالت في هذا المجال. ولن يطول الوقت حتى تتجلّى هذه الحقيقة مرة أخرى في الردّ على العدوان الإسرائيلي.

المقاومة لن تسمح بفرض سابقة يعمد العدوّ إلى تكرارها

تُظهر المعركة الدائرة منذ نحو عشرة أشهر أن حزب الله نجح الى حدّ كبير جداً في تحييد المدنيين وتوفير مظلة ردع مكّنتهم من الوجود والتحرك في أغلب الجنوب اللبناني، فضلاً عن العمق اللبناني. والتجربة تؤكد أن الحزب يتعامل بحساسية عالية جداً مع أي استهداف للمدنيين. ويمكن الجزم بأنه مستعد للذهاب الى أبعد مدى في حال تجاوز العدو أي خطوط حمر في هذا المجال. وهو لا يثق بالوعود الغربية، فضلاً عن أن كل التجارب في لبنان وفلسطين والمنطقة تؤكد على صوابية هذا النهج. وكشفت التجارب أيضاً عن أنه لولا قدراته على جبي أثمان كبيرة من الداخل الإسرائيلي لاختلفت المعادلة ولشهدنا تعاملاً أميركياً وغربياً مغايراً بشكل جذري مع لبنان. وغزة خير شاهد على ذلك.

يُضاف الى ذلك، أن الأميركي يتعامل في أي معادلة يكون أحد أطرافها العدو الإسرائيلي كطرف في جبهة العدو، وليس كوسيط. وكل تاريخ الصراع مع إسرائيل يؤكد هذه الحقيقة بما فيها تجربتا فلسطين ولبنان. ولذلك يلاحظ أنه يجاهر بتبني الموقف الإسرائيلي، بل يحاول تثمير تهويله وانتزاع مطالبه بالوسائط الديبلوماسية. وتجلّى هذا الأمر مجدداً في أعقاب دعوة واشنطن الى عدم الرد والتصعيد بعد العدوان الإسرائيلي في الضاحية، في حين أنها لم تبذل جهوداً جدية لكبح إسرائيل.

الاخبار

مقالات ذات صلة