نتانياهو تجاوز الخطّ الأحمر: استهداف من يشاء حيث يشاء.. كلّ الاحتمالات مفتوحة؟
ضربة في قلب الضاحية. إسرائيل أعلنت أنّها اغتالت “المسؤول عن إطلاق الصواريخ على مجدل شمس”. وأكّدت إصابة هدفها بدقّة. وهو المسؤول العسكري في حزب الله فؤاد شكر. في حين لم يؤكّد الحزب ولم ينفِ. وشكر مطلوب لـFBI في أميركا، التي تضع خمسة ملايين دولار مقابل معلومات عنه، لأنها تتهمه بالمشاركة بتفجير المارينز في لبنان العام 1983. وتواترت معلومات عن أنّه أحد مستشاري الأمين العام للحزب. تجاوزت إسرائيل كل الوسطاء وكل المحاولات لتجنّب استهداف بيروت أو ضاحيتها. صممت على العملية، ووجهت ضربتها محاولة اغتيال أرفع مسؤول عسكري في حزب الله. الهدف أبعد من الإغتيال، إنما القول إنها قادرة على استهداف من تشاء حيث تشاء، وأن لديها المعلومات الإستخبارية لديها قادرة على الوصول إلى تحركات أرفع قيادات الحزب. منذ سقوط الصاروخ على بلدة مجدل شمس، عمل الإسرائيليون على تكريس واقع يتجاوز التحقيق لإثبات الجهة التي أطلقته، وتمّ توجيه اتّهام مباشر للحزب، اتّهام تبنّته الولايات المتحدة الأميركية أيضاً، فارتفع منسوب التوتّر واحتمالات التصعيد، خصوصاً في ظلّ توعّد تل أبيب بالردّ الانتقامي، مع فارق أنّ إسرائيل لم تلجأ سريعاً إلى تنفيذ ردّها العسكري بسياق يختلف كلّياً عن ردّة فعلها إثر عملية أسر الحزب لجنديَّين إسرائيليَّين في 12 تموز 2006، فحينها بدأت العمليات العسكرية فوراً، وفي الليلة نفسها أعلنت الحرب. أسباب كثيرة ومتنوّعة دفعت إسرائيل إلى أخذ وقتها في تحضير أهداف الردّ.. نستعرض بعضها.
لماذا تأخّرت إسرائيل في ردّها على الحزب؟
السبب الأوّل هو الانهماك الإسرائيلي بالحرب على غزة وعدم القدرة على فتح جبهة ثانية مع لبنان بدون غطاء أميركي.
السبب الثاني هو عدم رغبة الأطراف الدولية في الذهاب إلى حرب واسعة، وبالتالي تحضير إسرائيل لبنك أهداف واضح يسمح لها بتنفيذ ضربة قويّة ونوعيّة موجعة، لكن محدودة ولا تؤدّي إلى اندلاع الحرب.
السبب الثالث أنّ إسرائيل عملت على دراسة كلّ احتمالات ردّ الحزب، الذي أكّد أنّه لن يبتلع الضربة وسيردّ عليها. وبالتالي شرعت الإجراءات الإسرائيلية في البحث عن خيارات مواجهة ردّ الفعل. وهذا يحتاج إلى بعض الإجراءات اللوجستية والعسكرية.
السبب الرابع هو نجاح الحزب في إرباك بنك الأهداف الإسرائيلي، إذ معلوم أنّ تل أبيب كانت تمتلك بنك أهداف واسعاً عن مواقع الحزب الأساسية والاستراتيجية. وقد عرضت هذا البنك على جهات دولية عديدة. مع الإشارة إلى أنّ هذا البنك يشتمل على كلّ الأراضي اللبنانية والمناطق المختلفة. لكنّ الحزب كان قادراً على اتّخاذ إجراءات سريعة أربكت تل أبيب من خلال “تضييع” بنك الأهداف.
السبب الخامس هو ترك تل أبيب هامشاً للاتصالات السياسية والدبلوماسية التي بدأتها جهات عديدة على رأسها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وغيرهما من الدول. وهذا دليل على أنّ إسرائيل لا تريد الذهاب إلى حرب واسعة.
رفض الحزب عرضاً إسرائيليّاً
تسارعت وتيرة الاتصالات التي انطلق بها المبعوث الأميركي آموس هوكستين، خصوصاً أنّ خطوط تواصله كانت مفتوحة 24 ساعة على 24 مع لبنان وإسرائيل. وصل الأمر بهوكستين حدّ تقديم عرض غير رسمي وبشكل غير مباشر، ومفاده أنّه يمكن تجنّب الضربة لو وافق الحزب على الانسحاب إلى شمال نهر الليطاني. لكنّ الحزب لم يوافق. دخلت مساعي هوكستين في تفاصيل التفاصيل حول المكان الذي يمكن لإسرائيل استهدافه، مع إصرار الحزب على الردّ المتوازن، ومع تهديد مرتفع اللهجة بردّ واسع في حال تمّ استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت. لذلك مورست ضغوط أميركية على الإسرائيليين لعدم استهداف الضاحية ولا أيّ مركز عسكري أو مخزن فيها كانت إسرائيل تريد استهدافها ضمن استراتيجية دبّ الرعب وتحريض البيئة الحاضنة للحزب بسبب تخزينه أسلحة وصواريخ في مناطق سكنية مكتظّة.
رسائل الحزب لإسرائيل
في خضمّ الاتّصالات التي أُجريت أوصل الحزب رسائل عديدة تعيد إحياء المعادلة التي لطالما سعى إلى إحيائها. ومضمون الرسائل بأنّ ردّه سيكون متوازياً مع الضربة الإسرائيلية:
1- في حال تمّ استهداف منطقة مدنية سيستهدف هو منطقة مدنية.
2- استهداف بيروت يعني استهداف تل أبيب.
3- استهداف الضاحية الجنوبية يعني استهداف محيط تل أبيب، أي المنطقة التي يطلق عليها “غوش دان”.
4- استهداف مرفق عامّ وأساسي كالمطار مثلاً، سيقابله ردّ مماثل باستهداف مطار بن غوريون.
5- استهداف مراكز عسكرية سيقابله استهداف مراكز عسكرية.
أكّد الحزب في رسائله أنّه لن يسمح لإسرائيل أن تفرض قواعد اشتباك جديدة، ولن يترك لها الكلمة الأخيرة. هذه الردود أربكت إسرائيل التي أصبحت تعتبر أنّ أيّ ردّ قد يؤدّي إلى ضربات متبادلة تنقل المواجهة إلى مرحلة جديدة من “الأيام القتالية” لن يكون من المعروف كيف ستنتهي. لذلك تنوّعت القراءات الإسرائيلية لما يمكن أن تؤدّي إليه الضربة واحتمال أن تقود إلى حرب واسعة أو مفتوحة.
في محاولة لاحتواء هذه الحرب كانت الاتّصالات الإيرانية الأميركية مفتوحة أيضاً. صحيح أنّ طهران أوصلت رسائل تهديد واضحة لإسرائيل بأنّها ستكون منخرطة إلى جانب الحزب وداعمة له، لكن كان التفاوض مع الأميركيين يتركّز على إيجاد حلّ يوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة وفي لبنان.
بزشكيان يدخل على الخطّ
في الموازاة أبلغت طهران كلّ فصائل محور المقاومة بالاستنفار، سواء في العراق أو سوريا أو فلسطين أو اليمن لأجل التضامن مع الحزب والاستعداد لتوحيد الساحات مجدّداً تضامناً معه.
في هذا السياق فإنّ الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان قد دخل على الخطّ أيضاً من خلال استقبال نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم والمواقف التي أدلى بها حول وجوب دعم المقاومة. وتشير المعلومات إلى أنّ الرئيس الإيراني سيعقد اجتماعات مع ممثّلين عن مختلف قوى محور المقاومة. وبحسب المعلومات أيضاً فإنّ رئيس المجلس التنفيذي في الحزب هاشم صفيّ الدين يجري زيارة لإيران. كما سيُعقد اجتماع بين ممثّلين عن الفصائل المختلفة وبين الحرس الثوري لمواكبة التطوّرات ووضع التصوّرات في حال تدهورت الأوضاع.
حكومة لبنان حاولت خفض التّصعيد
إلى جانب كلّ هذا المسار، كان الحزب قد فوّض الدولة اللبنانية العمل الدبلوماسي لتخفيف التوتّر وامتصاص الصدمة. لذلك بعد نصف ساعة على حادثة إطلاق الصاروخ وسقوط 12 قتيلاً، شهدنا التطوّرات الآتية:
– أصدرت الحكومة اللبنانية بياناً أدان استهداف المدنيين، وشدّد على ضرورة وقف النار ومنع التصعيد.
– أصدر رئيس المجلس النيابي نبيه بري نفياً قاطعاً لأيّ علاقة للحزب بالأمر وأبلغ الأمر عبر رسائل متعدّدة إلى الجهات الدولية.
– النشاط الذي اضطلع به وزير الخارجية عبد الله بوحبيب وموقفه الذي أدلى به قائلاً فيه إنّ الحزب مستعدّ للانسحاب عسكرياً من جنوب الليطاني في حال وقف الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية.
– رسالة مباشرة من الأمين العامّ للحزب حسن نصر الله إلى وليد جنبلاط، نقلها حسين الخليل إلى الوزير السابق غازي العريضي تتضمّن شكراً من نصر الله لجنبلاط على مواقفه وتمسّكه بالثوابت.
– بعد الرسالة قاد جنبلاط جهوداً بارزة مع أعيان الدروز في أماكن مختلفة دافعاً أهالي مجدل شمس إلى إصدار موقف يرفضون فيه اتّهام الحزب بما جرى ويرفضون فيه إراقة الدماء باسم الانتقام لأبنائهم.
أميركا رفضت اجتياحاً برّيّاً
أمام كلّ هذه الوقائع، فإنّ محاولات تطويق المسار العسكري وانفلاشه مستمرّة، خصوصاً أنّ هناك تقاطعاً إيرانياً أميركياً على منع الحرب، مع التركيز على أهمّية هذا التقاطع بعد زيارة نتنياهو أميركا التي عرض فيها لائحة أسلحة يريدها، بما فيها قنابل تزن أكثر من طنّين، إلى جانب عرضه خططاً عسكرية لاستهداف الحزب وشنّ عملية عسكرية تمتدّ على 6 أسابيع. في الأسبوعين الأوّلين تتكثّف العمليات الجوّية لضرب كلّ المخازن والمراكز الأساسية. وفي الأسابيع الأربعة الباقية ينفّذ الإسرائيليون اجتياحاً برّياً لمسافة تراوح بين 5 و7 كلم من الحدود. لكنّ الأميركيين رفضوا ذلك بشكل كامل.
استند الأميركيون إلى ما عرضه نتنياهو في مفاوضاتهم مع الجانب اللبناني لإقناع الحزب بوقف العمليات العسكرية والموافقة على الصيغة التي يقترحها هوكستين للحلّ. تلقّى الأميركيون إشارات إلى أنّ الحزب ولبنان جاهزان للتفاهم بشرط وقف الحرب في غزة. في هذا الإطار اندرج كلام بوحبيب حول جنوب الليطاني، علماً أنّ الرئيس نبيه بري كان قد قال قبل فترة أمام موفدين دوليّين إنّه في حال وافقت إسرائيل على تطبيق القرار 1701 بضمانات دولية فعليه أن يضمن عدم وجود الحزب عسكرياً على طول الحدود التي يشملها القرار، أي جنوب الليطاني بشكل كامل. والمقصود هنا أن يتمّ إمّا سحب السلاح أو إخفاؤه تحت الأرض وعدم إظهاره. وهذه الصيغة وافق عليها هوكستين. وعندما سئل المبعوث الأميركي عن كيفية معرفة عدم تحريك هذه الأسلحة فقال: “الإسرائيليون يعلمون”.
الشرط اللبناني لذلك هو منع تحليق الطائرات الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية. بينما هوكستين اقترح أن يتمّ التحليق بشكل مرتفع جداً وبحيث لا يرى اللبنانيون الطائرة ولا يسمعونها، وهذه تبقى نقطة عالقة. في المقابل فإنّ الإسرائيليين يطالبون بضمانات حول عدم وجود أسلحة الحزب، والضمانة التي يريدونها أنّهم في حال رصدوا أيّ حركة عسكرية للحزب فسيعتبرونها هدفاً مباحاً.
خالد البواب- اساس